الأحد 2019/12/15

آخر تحديث: 00:01 (بيروت)

زحلة تخسر حياتها الاقتصادية وأعيادها.. والفقر يدخل بيوتها

الأحد 2019/12/15
زحلة تخسر حياتها الاقتصادية وأعيادها.. والفقر يدخل بيوتها
يتوقع التجار أن يكون شهر الأعياد هو الأسوأ (لوسي بارسخيان)
increase حجم الخط decrease

أرخت الأزمات المتتالية بثقلها على واقع الأسواق التجارية في البقاع عموماً، لتنعكس في زحلة خصوصاً وجوهاً مقفهرة  على واجهات متاجر باهتة، تشبه شوارع المدينة الرئيسية التي فقدت أضواء العيد هذه السنة.

اليأس الزحلي
فالاقتصاد الزحلي بلغ حالة من اليأس لم يشهد لها مثيلاً "حتى في عز أيام الحرب"، كما يقول القيمون على السوق في المدينة.

هذا الواقع الزحلي القاتم ليس وليد المرحلة الأخيرة طبعاً، بل جاء نتيجة عوامل اجتمعت لتفقد سوقها دوره التجاري، بدءًا من الأزمة السورية، وإقفال الحدود البرية على الرواد العرب من أردنيين وخليجيين، وحتى سوريين كانوا يقصدون زحلة للسياحة والتزود باحتياجاتهم. ووليد الاكتفاء الذاتي الذي حققته القرى البقاعية التي كان أهلها يقصدون عاصمة القضاء الإدارية، للتزود باحتياجاتهم. وهذا إضافة إلى انكفاء التجار أنفسهم عن تأمين سلع مختلفة تشعر الزبون بقيمة إضافية يحققها في التسوق في زحلة. وهكذا باتت حتى الـ500 ليرة التي تنفق على عدادات البارك ميتر "بلا  جدوى" بالنسبة للمتسوقين، فحمّلها التجار مسؤولية تراجع عدد الزبائن، من دون أن يرتفع عددهم مع إلغاء هذا الرسم على التوقف.

متاجر الـ " outlet" وحانات السهر
وسط هذه الأزمات المتكررة، تسللت الحركة التجارية في زحلة إلى خارج سوقها التقليدي ومن دون تخطيط مسبق، مع تغير الخارطة التجارية، وطبيعة أداء التسوق. وذلك  نحو  مجمعات الـ"outlet" التي تناسب الإمكانيات المالية المتراجعة لدى اللبنانيين عموماً. فاجتاحت هذه المؤسسات أوتوستراد المدينة الذي يربطها بقرى القضاء، وكاد وسط زحلة يتحول مدينة أشباح منسية، لولا مبادرات شبابية أعادت ضخ الحياة في شرايينها، ووضعت حانات زحلة على مسار المدن التي تؤمن "المتعة الليلية". وبدأ أهل السوق يتحدثون عن دور جديد له، إلى أن انفجرت الأزمة اللبنانية الأخيرة.

وفي إحصاء غير رسمي أجرته بلدية زحلة، أظهرت الأرقام ولادة أكثر من 40 مؤسسة جديدة بين حانات ومقاه واستراحات خلال السنوات الثلاث الماضية . فتوجه شبان وشابات كثيرون نحو هذا النوع من الاستثمارات الذي ارتبط بطبيعة المدينة وبيئتها المنفتحة على محيطها، والتي تسمح باستقبال هواة السهر في أجواء تشجع الحرية، مع الحفاظ على القيم الأخلاقية.

تفشي عدوى ظاهرة الحانات والملاهي الليلية، حمس الشباب والمستثمرين على اختيار أفضل المواقع لها، وبقيم تأجيرية فتحت شهية بعض أصحاب المحلات في المباني التراثية القديمة على استثمارها في قطاع السياحة والسهر. لكن ما لم يكن من حسابات هؤلاء، هو الوقوع في أزمة سيولة  خانقة، أدى ترافقها مع التلاعب بسعر صرف الدولار، إلى قلب ميزانية هذه الحانات والمؤسسات السياحية، من إيجابي إلى سلبي في أقل من شهرين.

تعطّل دورة الترفيه والسياحة
في لقاء جمع أصحاب الحانات مع رئيس بلدية زحلة قال عزيز نعمة، أحد أصحاب أكثر من مؤسسة مطعمية في المدينة: "نحن لم نعد على شفير الهاوية، بل صرنا في الهاوية". وفي شرحه لحسابات الربح في قطاع السهر والخدمة المطعمية، يقول نعمة إنها تتراوح بين 15 في المئة في فصل الشتاء، و20 في المئة في الصيف. لكن بسبب عدم استقرار سعر صرف الدولار الذي وصل إلى 2200 ليرة، وارتفاع أسعار المواد الأولية، طرأت كلفة إضافية لتشغيل هذه المؤسسات بنسبة 25 في المئة، أي أنها تخطت الأرباح.

هذا الواقع كان حمل أصحاب المؤسسات على استحداث تجمع لهم، حاول إيجاد منافذ لتخطي الأزمة الحالية، عبر السعي في تخفيض فاتورة الكهرباء أو إعفاءات ضريبية بلدية.

ولكن المشكلة بدت أبعد من هذه الإجراءات الظرفية. وهي مرتبطة بأزمة سيولة لدى الناس عموماً، دفعت كثيرين إلى التقشف. وهذا ما أسقط إرتياد المطاعم والملاهي من سلم الأولويات بالنسبة للكثيرين. ولم يعد عدد الزبائن الذين حافظت عليهم هذه المؤسسات يكفي لتأمين تكاليف تشغيلها.

وفي زحلة ثمة حسابات أخرى تتعلق بمواسم العمل. فمردود فصل الصيف يشكل خميرة يعوّل عليها في شهري تشرين الأول وتشرين الثاني، إلى أن يأتي موسم الأعياد في كانون الأول، فيعول على مداخيل هذا الشهر لتأمين الاكتفاء في شهري كانون الثاني وشباط، ريثما تتحرك عجلة هذه المؤسسات السياحية مجدداً في شهر آذار.

ونظراً إلى الظروف التي تزداد سوءاً على صعيد توفر السيولة وعدم استقرار سعر صرف الدولار، يتوقع أصحاب هذه المؤسسات الترفيهية شهر أعياد هو الأسوأ الذي مرّ عليهم، ولا يستبعدون إقفال بعض المؤسسات المتعثرة أسوة بما حصل في مناطق أخرى.

في اللقاء نفسه ببلدية زحلة تحدث صاحب أحد محلات صناعة وبيع البوظة والحلويات الشهيرة في المدينة عن توجهه الى إقفال محله في شهر كانون الثاني على أبعد تقدير. وعلل السبب بارتفاع أسعار المواد الأولية التي تحتم رفع سعر قالب حلوى العيد، فيما تتراجع القدرات الشرائية لدى الناس.  

وهذه حال الحانات التي يقول بعض أصحابها إنها غير قادرة على إبقاء سعر كأس الكحول على حاله، لأن كل كأس إضافي يشكل خسارة لها، بينما زيادة السعر يفقدها الزبائن.

هذا الواقع المستجد مرشح ليشمل شهر الأعياد، ما يكبد أصغر مؤسسة ناشئة حديثا خسائر بملايين الليرات، فيما يفرض على أصحاب المؤسسات تبديل نمط تصرفها مع الموردين الذين  كانوا يجدولون مستحقاتهم على 50 و60 يوما بعد استلام البضائع، وصاروا يطالبون حاليا بتسديد ثمن البضاعة نقدا وفوراً، إضافة الى تسديد المبالغ المجدولة سابقا. وهذا ما كبل قدرة أصحاب الحانات والقطاعات السياحية على التأقلم مع الأزمة. 

أزمة الشباب والفئات الوسطى
تعثر هذا القطاع في المدينة، يهدد دور المدينة في مجالات أخرى. ففرص العمل ضاقت أمام الشباب، بعدما كان كثيرون منهم يعولون على هذا القطاع كمتنفس يؤمن مداخيل  تسهم في  تسديد أقساط جامعاتهم، أو أقله توفير مصاريفهم في حياتهم الجامعية.

وإذا أخذنا في الاعتبار واقع زحلة المأزوم أساسا، قبل الدخول في تعقيدات المرحلة الحالية، فإن القيمين على المؤسسات الاقتصادية يتحدثون عن انهيار محتم،  قد يحتاج الى سنوات للتعافي منه. خصوصاً أن المتاجر المفتوحة في المدينة باتت عنواناً آخر للكساد والبطالة المقنعة، تتسبب حركتها المنعدمة باضمحلال الطبقة الوسطى التي كانت تشكل الشريحة الأكبر في هذه المدينة.

تزايد الفقراء
هذا الواقع كشف عنه لقاء عقد بين الجمعيات الأهلية والمنظمات العالمية المانحة في بلدية زحلة. فتحدث البعض عن ارتفاع كبير نسبة الفقراء، وعن حالات من العوز المستترة، لأشخاص كانوا في الماضي يتمتعون بالاكتفاء الذاتي.

وتحدث القيمون على الجمعيات الانسانية عن أفراد وعائلات تطرق أبوابهم، بعدما كانت في الماضي تعيش في كفاية ذاتية. لذا تزايدت أعباء الجمعيات، وخصوصاً في  تأمين مادة المازوت.

هكذا جعل نقص السيولة وتزايد الفقراء، يدق حتى أبواب زحلة. وحتى أثرياءها قلت حماستهم للمشاركة في العيد والعطاء ومساعدة المحتاجين. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها