وإذا كان قطاع النفط قد توصل إلى حل لأزمة استحصاله على الدولارات، نتيجة مساعي جانبية رعاها رئيس الحكومة سعد الحريري، غير أن الآلية الجديدة لم توضع حتى اللحظة حيز التنفيذ. ولم يَصدر عن مصرف لبنان أي تعديل رسمي للتعميم المذكور. وهو ما يمكن أن يعيد التوتر إلى سوق المحروقات لاحقاً.
لكن ثمة ما يثير القلق في الوقت الراهن أكثر من قطاع النفط، فأزمة الدولار دقت باب قطاعيّ الخبز والدواء، المادتين الحيويتين، الكفيلتين بإحداث خضة قد لا يُحمد عقباها فيما لو تعرّضت إحداها لشحّ في الأسواق، أو دخل أحد قطاعاتها في إضراب كما هو متوقع.
أزمة خبز
انخفضت كميات احتياط القمح المخزّن لدى المطاحن على نحو خطر، ولم يعد كافياً لتغطية حاجة الإستهلاك المحلي لأكثر من 40 يوماً. فأزمة شحّ الدولار وتوقف المصارف عن تسليم العملة الخضراء للمطاحن ما زالت قائمة. ولم يعمل القطاع بالتدابير التي اتخذها مصرف لبنان (أي التعميم 530) باعتبار أن التعميم لم يشمل كميات القمح المستوردة قبل تاريخه، ولم يتطرق التعميم، وفق أصحاب المطاحن، إلى المستحقات المتراكمة عليهم للمصارف بالدولار، كما لم يشمل الحل الديون المستحقة على الأفران لصالح المطاحن.
جميع هذه الملاحظات دفعت بالمطاحن إلى رفض تنفيذ تعميم مصرف لبنان والاستمرار ببيع الطحين للأفران والمخابز مقابل الدولار فقط. وهو ما بات متعذّراً الحصول عليه من المصارف، ما دفع بالأفران والمخابز إلى رفض الاستمرار بتأمين الدولار بأسعار مرتفعة من الصرافين لشراء الطحين، الأمر الذي ينبىء بأزمة خبز في وقت قريب.
وعلى الرغم من أن الإضراب هو أسوأ الخيارات التي قد تلجأ إليها الأفران والمخابز، إلا أن رئيس اتحاد نقابات الأفران والمخابز في لبنان كاظم ابراهيم لم يستبعد في حديثه إلى "المدن" اتخاذ هكذا قرار خلال الأسبوع الجاري. وقد أمهل المعنيين حتى يوم الجمعة المقبل لمعالجة أزمة شح الدولار، "وإلا فالأفران والمخابز ستتجه إلى الإضراب". ويؤكد ابراهيم أن كافة التجار باتوا يُلزمون الأفران والمخابز بالدفع بالدولار، ومنهم تجار الخميرة والنايلون والسكر وغيرها من المواد الأولية اللازمة لصناعة الرغيف.
أزمة أدوية
وإذا كانت أزمة الخبز قد تتفجّر نهاية الأسبوع الحالي، ولا يكفي احتياط القمح لأكثر من 40 يوماً، فإن كميات الأدوية المتوافرة في المستودعات اليوم في لبنان قد تنفذ تدريجياً، بحسب الكميات المتوافرة ما لم تُحل أزمة تأمين الدولار لمستوردي الأدوية، الذين بدورهم اعترضوا على بعض تفاصيل تعميم مصرف لبنان، وطالبوا بتعديله، تمهيداً للتحضير لاستيراد شحنات جديدة من الأدوية.
وإذ يؤكد كريم جبارة، نقيب مستوردي الأدوية، في حديث إلى "المدن"، أن لا قدرة للمستوردين على تطبيق تعميم مصرف لبنان بشكله الحالي. كما لم يعد باستطاعتهم الاستمرار بتأمين الدولار من الصرافين بنحو 1600 و1650 ليرة، يكشف أن أكبر مستورد للأدوية لا يملك اليوم مخزوناً لأكثر من ثلاثة أشهر. وتكمن الخطورة وفق جبارة في أن كل شحنة من الأدوية تستلزم ما لا يقل عن 3 أشهر إلى 4 أشهر للوصول إلى السوق اللبنانية: "من هنا لابد من معالجة الأمر سريعاً، تجنّباً لوقوع أزمة حتمية بالمستقبل القريب في أصناف معينة من الأدوية، بحسب مخزون كل مستورد".
ما يطالب به المستوردون لا يختلف كثيراً عن تعميم مصرف لبنان، يقول جبارة، إلا أنه يستلزم الإسراع في المعالجة، وهو يتلخّص بتطبيق التعميم على المستوردين الذين يدفعون بواسطة تحويلات مصرفية للمصنعين، وليس حصراً على الاعتمادات، وإعفاء المستوردين من إيداع 100 في المئة من قيمة فواتيرهم بشكل مسبق وتجميدها، إضافة إلى مطلب شمول التعميم الفواتير التي صدرت في الفترة الماضية ولم تستحق بعد، وتأمين الدولار لتغطيتها وليس للجديد منها فقط.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها