الجمعة 2019/10/18

آخر تحديث: 17:23 (بيروت)

الاتحاد العمالي "الغائب" عن وعي الشارع: العفوية سبقت التنظيم

الجمعة 2019/10/18
الاتحاد العمالي "الغائب" عن وعي الشارع: العفوية سبقت التنظيم
تحركات الشارع تسبق تحركات الاتحاد العمالي العام (ريشار سمور)
increase حجم الخط decrease
فقدت الحركة النقابية علاقتها بالشارع والناس. فدخول أحزاب السلطة إلى الجسم النقابي وتفريخها فيه نقابات واتحادات نقابية حزبية، لا على أساس مطلبي شعبي، خلق هوّة بين القاعدة والقيادات النقابية التي باتت تعيّنها الأحزاب. وتعزيز هذه الهوّة بانكفاء دور الحركة النقابية، جعل التحركات الشعبية في الشارع أكثر عفوية، وأسرع في التوقيت. فسبق الشارع قياداته النقابية وفقد ثقته بالنقابات، وتحديداً الإتحاد العمالي العام الذي تخلّى عن دوره.

تكرار المشهد
تحرّكات عدّة شهدتها المناطق اللبنانية، وخوصاً بيروت. وإذ تنوّعت مطالب المتظاهرين وعناوين اعتراضاتهم، من النفايات إلى الكهرباء والصحة والتعليم والضرائب... وغيرها، بقي غياب الإتحاد العمالي العام هو الثابت الوحيد وسط المتغيرات. 

لم يستفد الإتحاد العمالي العام من تكرار التحركات الشعبية التي كان يمكنه اعتبارها فرصة للمشاركة واثبات الحضور، وحتى قيادة التحركات. فمن التحركات الاعتراضية ضد المطامر في العام 2015 وصولاً الى الاحتجاجات ضد الضرائب والوضع المعيشي المتردّي، تكرر غياب الاتحاد، فازدادت صورته سقوطاً حتى باتت بحكم المنسية.

في المقابل وَجَبَ على الاتحاد "حمل مسؤولية تمثيله العمال والفئات الشعبية والنزول الى الشارع لرفع قضايا الرغيف، البيئة، الصحة، النقل، الضمان والتعليم... وغيرها من القضايا المطلبية التي كان يُعنى بها الاتحاد على مدى سنوات"، وفق ما يقوله رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال لبنان مارون الخولي، الذي يشير لـ"المدن" إلى أن الاتحاد استبدل دوره "وتنازل عن مهامه إلى جانب الناس، وانحصرت تحركاته في المسائل القطاعية كردّة فعل، بمعنى أنه ينتظر تحرك قطاع اقتصادي معيّن، ليشارك في تحركاته. كما أن الاتحاد أصبح شريك الهيئات الاقتصادية بعد أن كان شريكاً في صناعة القرارات الاقتصادية والاجتماعية التي تخص الناس.

تكرار غياب الاتحاد عن التحركات الشعبية بصورة مقصودة ومنظّمة، يعود بحسب رئيس الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين في لبنان كاسترو عبد الله، إلى "تخاذل القيادات الرسمية للنقابات في الاتحاد وهيئة التنسيق النقابية على حد سواء". والتخاذل برأي عبد الله "أضعَفَ الحركة النقابية وجعل الناس تسبق الحركة". واستناداً الى ما يقوله لـ"المدن"، يعتبر عبد الله أن "سرعة تحرك الناس جاء نتيجة طفح الكيل في ظل السياسات الحكومية ووسط غياب من يحمل كلمة الناس ومطالبها. فالاتحاد وهيئة التنسيق يمارسان دوراً تعطيلياً للحركة النقابية، بقرار سياسي، وتنفيذاً لأجندة حزبية".

تحرك التفافي
لا يُنكر نائب رئيس الاتحاد العمالي العام حسن فقيه عدم التناغم بين الشارع والاتحاد، لكنه في حديثه إلى "المدن"، يحيل عدم النزول إلى الشارع واجتذاب الناس، إلى "تغيّر نمط النزول إلى الشارع"، معتبراً أنه "أحياناً علينا ترجمة التحركات إلى مواقف. وهذا ما يحدد شكل وتوقيت النزول الى الشارع". وعليه، يجد فقيه أن التوقيت الأنسب لنزول الاتحاد وهيئة التنسيق النقابية إلى الشارع هو "يوم الثلاثاء 29 تشرين الأول".

لا يرى فقيه أن هذا الموعد بعيد كلياً عن تحركات الشارع وتوجهاته، لأن "المواضيع التي تستدعي التظاهر كثيرة وسياسات الحكومة الضرائبية مستمرة، ولا مشكلة في إعلان موعد تظاهر مختلف".
تبريرات فقيه وجدت ما ينفيها من داخل الاتحاد، إذ تكشف مصادر قيادية في الاتحاد أنه "كان هناك اتفاق بين الاتحاد وهيئة التنسيق النقابية على الانطلاق بتظاهرة مفاجئة بالتعاون مع الاتحادات العمالية لحزب الله، لقطف ثمار حركة احتجاجية معترضة على سياسات الحكومة. لكن سرعة انفجار الغضب الشعبي في الشارع، أجبر الاتحاد على تعيين موعد آخر للتظاهرة".

هذا التناقض الواضح يفضي إلى أن الاتحاد هدفه الالتفاف على أي تحرك شعبي واسع لا يمكن التحكم به بسهولة. وحتى التحرك المؤخّر، سيكون حركة التفافية لامتصاص النقمة الشعبية. فالاتحاد سيعطي السلطة ورقة تجعلها تتعاطى معه بوصفه ممثلاً للناس في الشارع، وممثلاً لتوجهات منظمة ومحددة، فقط لأنه تحرّك في الشارع. وتحديد ممثل للناس يسهّل التحكم بالناس وتحركاتهم ويسهّل على السلطة إطلاق الوعود.

تغيّر المعطيات
تخلّف الاتحاد العمالي العام عن لعب دوره بالوتيرة نفسها التي تتسارع فيها أحداث الشارع المطلبي، صعّب عليه ترقيع تحركاته. إذ ليس بتغيير التوقيت تعود الأمور الى نصابها. فالاتحاد يتناسى أن التحركات الشعبية تتعلم من أخطائها مرة بعد مرة، ويدخل فيها معطيات جديدة أهمها، على سبيل المثال لا الحصر، توسع رقعة الاحتجاجات إلى كل المناطق اللبنانية، وشمولها الطوائف كله، ونزول بعض أصحاب العمل الى الشارع إلى جانب عمالهم. وهذه المتغيرات تعني وجوب شعور السلطة بالخوف، لأن رهانها على الوقت القصير لعمر التحركات لم يعد يفلح في ظل غياب الرؤى الاقتصادية والاجتماعية للحكومة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها