الخميس 2019/01/24

آخر تحديث: 00:13 (بيروت)

تكتل "غاز المتوسّط" الإقليمي يرمي لبنان خارج المنافسة

الخميس 2019/01/24
تكتل "غاز المتوسّط" الإقليمي يرمي لبنان خارج المنافسة
مازال لبنان بعيداً عن مجريات السباق الإقليمي على أسواق الطاقة (أ. ف. ب)
increase حجم الخط decrease

تسارعت وتيرة السباق، لتسويق وبيع غاز شرق المتوسّط، بين دول المنطقة، مع إنشاء "منتدى غاز شرق المتوسّط" في القاهرة، من خلال إعلان أطلقه وزراء طاقة سبع دول هي مصر والأردن وإسرائيل وإيطاليا وقبرص واليونان وفلسطين. ومع إطلاق هذا المنتدى، تتعدّد الأسئلة حول خلفيّات هذا السباق على المستوى الإقليمي، وتداعياته على قدرة لبنان على تسويق غازه مستقبلاً، خصوصاً أنّ القدرة على إيجاد الأسواق، وسبل الإمداد للغاز الطبيعي، يشكّلان أبرز العوامل التي تأخذها الشركات الكبرى بالإعتبار، قبل الاستخراج.

أهداف المنتدى
أهم أهداف المنتدى تتلخّص في تعاون الدول الأعضاء في المنتدى، لتأمين العرض والطلب للغاز الطبيعي، وترشيد كلفة البنية التحتيّة المتعلّقة بها، وذلك بهدف الوصول إلى أسعار تنافسيّة في المستقبل. وبالتالي، من الواضح حسب هذه الأهداف أنّ المنتدى معني بتوفير التنسيق اللازم، لتأمين إمدادات الغاز المطلوبة، لتصديره بالفعاليّة القصوى. ومن المفترض أن يتم العمل على هيكليّة معيّنة لهذا المنتدى، تضمن تحقيق أهدافه المعلنة، على أن يتم عرض هذه المقترحات على اجتماع وزاري مقبل في نيسان المقبل.

خلفيّات السباق الإقليمي
عمليّاً، يشكّل إطار التعاون هذا توسعة لأطر تعاون، كان يتم العمل عليها منذ فترة. تتلخّص أهدافها في إيجاد أسواق وخطوط نقل للغاز الطبيعي، قبل إستخراجه. فمنذ عام، بدأت المحادثات بين إسرائيل وقبرص وإيطاليا واليونان، للتباحث في إنشاء خط أنابيب في قاع البحر المتوسّط يمر بهذه الدول، بهدف تصدير الغاز إلى أوروبا. كانت المحادثات تصب في سياق تقارب هذه الدول، في مواجهة تركيا، التي ترفض أي تفاهم لمد الأنابيب من خلال منطقتها الاقتصاديّة، في ظل عدم وجود حل لتقسيم جزيرة قبرص.

حظي هذا التقارب بين الدول الأربعة بتشجيع أوروبي لافت، في ظل حاجة القارّة العجوز لتنويع مصادر غازها، بدل اعتمادها الحالي على الغاز الروسي. وبدعم من الإتحاد الأوروبي أيضاً، أتبعت كل من قبرص وإسرائيل هذه الخطوة بفتح الباب أمام التعاون مع مصر، عبر توقيع اتفاقيّات لإنشاء أنابيب لنقل الغاز الطبيعي، وهو ما أدخل مصر لاحقاً ضمن هذا التقارب بشكل آخر.

اليوم تأتي خطوة إنشاء المنتدى، لتكرّس هذا التكتّل والتنسيق بشكل أوسع، وضمن إطار رسمي ثابت. ويستفيد هذا التكتّل اليوم من تقاطع مصالح واضح، بين الدول المشاركة، الراغبة بإيجاد الأسواق وسبل التصدير، وأوروبا الراغبة بتحدّي هيمنة روسيا على سوق الغاز لديها، وإيجاد مصادر بديلة، والولايات المتحدة التي ترى أن دمج إسرائيل في المنطقة من خلال اتفاقيّات ذات مصالح راسخة، يبقى أجدى من مبادرات السلام المعقّدة. كما يفتح هذا التكتّل الباب أمام ربطه بدول الخليج مستقبلاً عبر الأردن.

الأوراق التركيّة
تركيا تبقى الدولة الأبرز إقليميّاً التي استثناها هذا التكتّل، في ظل خلافاتها مع قبرص واليونان ومصر، وفتور علاقاتها بإسرائيل. وفي المقابل، تحاول تركيا اليوم أن ترتّب أوراقها للمواجهة، أولاً عبر التلويح بعرقلة أعمال التنقيب في قبرص واليونان المجاورتين، وثانياً عبر البحث عن اتفاقيّات بديلة، مثل اتفاقها الأخير مع روسيا لنقل الغاز الروسي إلى جنوب أوروبا عبر الأراضي التركيّة.

وبمعزل عن المعالجات التركيّة، من المؤكّد أنّ خطوة إنشاء المنتدى، بحد ذاتها، دلالة على انتصار مصر في السباق بين الدولتين، على موقع مركز الطاقة في منطقة شرق المتوسّط. فموقع الدول التي تتكتّل مع مصر ضمن هذا المنتدى كفيل بجعل هذا التكتّل –ومن دون منافس- صلة الوصل الأقوى بين مصادر الطاقة في حوض المتوسّط والخليج وأسواق الطاقة في أوروبا.

لبنان بلا خطّة ولا تصوّر
حتّى اللحظة، مازال لبنان بعيداً عن مجريات السباق الإقليمي على أسواق الطاقة. فلا شيء يدل حتّى اللحظة على وجود سياسة خارجيّة تجاه هذه التطوّرات، أو خطّة للبحث عن موقع ما، يحمي قدرة لبنان على تصدير غازه بأسعار تنافسيّة مستقبلاً. مع العلم أن العجز عن إيجاد أسواق لتصريف الغاز، أو البنية التحتيّة لتصديره، كفيل بعرقلة إطلاق الاستثمارات المرتبطة باستخراجه.

فمع وجود هذا التكتّل، تبدو الإشكاليّة الأساسيّة مرتبطة بوجود إسرائيل ضمنه. فهل لبنان مستعد للدخول في استثمارات في بنية تحتيّة مشتركة مع إسرائيل؟ وفي حال العزوف عن ذلك، فهل لبنان قادر على إيجاد شركاء آخرين في هذا المجال، في المنطقة، خارج التكتّل؟ مع العلم أن سوريا المجاورة مازالت بعيدة عن إعادة تجهيز بنيتها التحتيّة في هذا المجال تحديداً.

يبقى الاحتمال الأخير هو الرهان على خيار تصدير الغاز عبر البواخر بعد تسييله، مع العلم أنّ ذلك يرفع من كلفة الغاز، ويقلل تنافسيّته مقابل غاز الأنابيب. في الواقع، من المرجّح أن تتجه الدولة اللبنانيّة إلى هذا الخيار تحديداً، خصوصاً مع وجود مناقصات لإنشاء محطّات عائمة للغاز السائل. لكنّ الأكيد أنّ لبنان سيخسر في هذه الحالة قدرة تنافسيّة كبيرة، سببها الأساسي التأخّر في ترتيب أوراقه على هذا الصعيد.

بمعزل عن موقع لبنان الحرج، في ظل هذا السباق الإقليمي، يأتي تأخّره كنتيجة طبيعيّة لعدم وجود تصوّر متكامل لدى المسؤولين، لكيفيّة التعاطي مع هذا القطاع من جميع الجوانب. فبالرغم من وجود خارطة طريق واضحة لدى المسؤولين عن هذا الملف، مازال التعاطي يتم بالمفرّق، على قاعدة تمرير الاستحقاقات عند الحاجة لتمريرها، بعيداً عن أي تخطيط متكامل، يضمن مصالح لبنان في هذا القطاع على المدى الطويل.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها