الإثنين 2019/01/21

آخر تحديث: 18:39 (بيروت)

عن القمّة.. الضيفُ والمضيف!

الإثنين 2019/01/21
عن القمّة.. الضيفُ والمضيف!
نحن في حاجة إلى ربيع عربي داخل جامعة الدول العربية (علي علّوش)
increase حجم الخط decrease

هل نكتب عن لبنان أولاً، البلد المضيف لما قيل إنه قمّة عربية تنموية اقتصادية واجتماعية، أم عن القمّة نفسها؟ سنتناول الإثنين على عجالة. الضيف والمضيف، ونبدأ بلبنان.

طواويس وكرنفال
لو قُدّر بالخيال التآمري مهانة لبنان واللبنانييين، بحجم ما لحق بهم أيام الإعداد للقمّة، ويوم انعقادها، لكانت النتيجة الفشل. لننسَ مقولة بلد بلا حكومة ولا مؤسسات. لم تكشف القمّة عوراتنا، فهي مكشوفة للقاصي والداني. لكنها كشفت الطواويس المزركشة في "لبنان القوي" و"لبنان الممانع" بألوان التبعية، واستنصار المتبوع على الوطن في كرنفال من الرياء والإفك قلّ نظيره. فجأة حوّلنا القمّة مناسبة لإسترجاع عضوية النظام السوري في جامعة الدول العربية. وهو لم يجمّد عضوية النظام بل تحفظّ على قرار وزراء الخارجية العرب من أساسه في 2011. ولا هو قادر على مناقشة إعادة إعمار سوريا بنداً في القمّة، لم يدرج في جدول أعمالها أصلاً. قضية النازحين السوريين يجب أن تُطرح في القمة نظراً لتبعاتها الإنسانية على النازحين أولاً، وعلى لبنان، بكل أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية. والكل يعلم إنها قضية ذات أبعاد دولية. لكنها قضية سهلة بالحِسبة البسيطة. ليتفضل "الحلف الممانع" ويقنع نظام دمشق بالسماح بعودة مواطنيه إلى أي مكان في بلدهم وديارهم. والأمكنة كثيرة وواسعة ومتاحة. وستكون أفضل من التي يشغلونها في لبنان، وأقل جوراً وبؤساً عليهم في جميع الأحوال. لا يفعل، ويطبّق الحلف سياسة النأي بالنفس!

الحُقبة الظلامية
إختفاء الإمام موسى الصدر وعباس بدر الدين والشيخ محمد يعقوب قضية وطنية. الشعب الليبي وضع حداً لمعمّر القذافي ونظامه. هناك حكومة جديدة على عثراتها، معترف بها عربياً ودولياً. ألم يكن من الأجدى التأكيد على وطنية هذه القضية بأن يتبنّى لبنان طرحها على القمّة في حضور الوفد الليبي، والخروج بتعهد كان ليتبناه المؤتمر بكشف كل خفايا هذه القضية ومتابعتها ليبنى على الشيء مقتضاه؟ معيار انعقاد القمم العربية نجاحها ببلوغ الأهداف والإنجازات. ويكتسب المكان سجلّاً في التاريخ ومرجعاً. وسيسَجّل لقمّة بيروت العربية التنموية الاقتصادية والاجتماعية، إنها فشلت بكل المعايير منذ القمّة العربية الأولى في أنشاص المصرية عام 1946. ولا بدّ أن يكون هناك كتاب موحّد لتاريخ لبنان يكشف للأجيال المقبلة  حقائق هذه الحُقبة الظلامية من تاريخ لبنان. ويستكمل تدوين ما تمّ إخفاؤه عمداً من سِير سدنة نظام، صنعوا في يوم من الأيام العار لوطن لا يستحقونه، ومهانة لمواطن صبر على جورهم كثيراً.

أمّا عن "قمّة بمن حضر"، كنا نخشى أيضاً لو اكتمل عقدها على مستوى القادة العرب، أن تنتقل الخلافات العربية العربية إلى بيروت. فيكتمل مشهد الضيف والمضيف. وما كان لموظف في جامعة الدول العربية برتبة أمين عام لو اكتمل العقد، أن يتفوه بما تفوّه به. أحمد أبو الغيط وصف الربيع العربي قبل افتتاح القمة "مدمّراً". كرّر ذلك مرتين. نفهم أبو الغيط. فقد أطاحته ثورة 25 يناير وزيراً لخارجية نظام حسني مبارك. لكنه عاد إلى الجامعة العربية بعد استيلاء العسكر على السلطة واعتقال شباب ثورة مصر، وبسط يد النظام شبه الديكتاتوري على كل مرافقها. من حقه أن يعارض "بالشخصي" – كما قال – قرار تجميد عضوية سوريا في الجامعة. إنمّا الرياء والانتهازية يحملانه على التمسّك بمركزه بدلاً من الاستقالة، لينسجم مع نفسه "بالشخصي أيضاً"، طالما إنه ليس مقتنعاً بما يقوم به عبداً مأموراً.

الكويت وقطر
ماذا حققت القمة بالملموس؟ مبادرة أمير الكويت إنشاء صندوق استثماري في التكنولوجيا الحديثة بقيمة 200 مليون دولار أميركي، وتعهّد الكويت بتمويل 50 مليوناً من رأس المال. وتعهّد أمير قطر بحصّة مماثلة من 50 مليوناً. وكان سبقها مبادرة كويتية بزيادة رساميل الشركات العربية المشتركة بواقع 50 في المئة. هذه تعهّدات دخلت موضع التنفيذ فعلاً. وكان أجدر بـ"المصادر" اللبنانية، التي راحت تروج للقمّة ونتائجها بنجاح انعقادها بالذات "رغم المحاولات التي بُذلت لعدم انعقادها"، كما وزّعت المصادر، أن تشير إلى هذا الانجاز الفعلي اليتيم. وعلى هامش القمّة قرار حكومة قطر شراء سندات سيادية لبنانية بواقع 500 مليون دولار اميركي، بعد أن ضاقت سبل تمويل العجز المالي اللبناني.

التجارة العربية
نعم كنا في حاجة إلى حضور واسع من القادة العرب في القمّة التي صورها أمين عام جامعة الدول العربية وكأنها للوقاية من الاضطرابات، أكثر منها حاجة ماسة للشعوب العربية، وركناً من أركان الحضارة الانسانية. كان أجدر بالأمين العام عرض لروزنامة المشاريع العربية المشتركة الكبيرة والحيوية التي تبنتها القمم العربية السياسية والتنموية، ولم تجد طريقها إلى التنفيذ. الربط الكهربائي العربي، وشبكة النقل البري والبحري، والطاقة النظيفة وغيرها الكثير. وللقصور الذي يعوّق تنفيذ مشاريع مماثلة بوشر بها قبل تسعة عشر عاماً ولم تستكمل بعد. في مقدمها منظمة التجارة الحرّة العربية الكبرى. طمأننا أبو الغيط إلى أن 95 في المئة من قواعد المنشأ التفصيلية في المنظمة قد أُنجزت. لكن الـ5 في المئة الباقية حجر عثرة في وجه الـ95 في المئة التي أُنجزت. حالها، حال الرسوم الإضافية غير الجمركية التي تخضع لها التجارة البينية العربية لتعويض الرسوم الجمركية الملغاة. التعامل مع التجارة العربية على المنافذ الجمركية يجافي حتى مضمون الاتفاقات الدولية واتفاقات العبور. وأشبه بالأتاوات والرشى. لهذا السبب بقيت التجارة العربية البينيّة جامدة منذ سنوات عشر عند أقل من 11.5 في المئة. لم تتبدل الهياكل الإنتاجية المتشابهة في الاقتصادات العربية منذ عقود بما يستحق الإشارة. وتفتقر إلى التنوع. وإلى التنافسية في الأسواق الخارجية. يعني ذلك عدم استجابة القطاعات الإنتاجية حاجات المستهلك والاقتصاد العربيين والتكامل وزيادة التجارة العربية البينيّة، والتخفيف من العجز التجاري الكبير، والضغط على موازين المدفوعات العربية من جهة. ومن جهة ثانية، الافتقار إلى الميزة التصديرية لإعادة التوازن في التجارة الخارجية، وتضييق فجوة موازين المدفوعات.

مسؤولية الأمانة العامة
ومع عدم ملاءمة مخرجات التعليم وحاجات الاقتصاد، بداهة أن تبقى البطالة العربية فوق 15 في المئة، وضعف النسبة لدى الفئات العمرية الشابة المتعلمة والكفيّة. وهي الأعلى بين الأقاليم على المستوى العالمي، حسب صندوق النقد العربي. وثلث تعداد السكان في دول عربية عشر تحت خطّ الفقر المدقع. 41 في المئة تحت خط الفقر المتعدد الأبعاد من ثلاثة. مستوى المعيشة للفرد، والتعليم والصحة.

مرّت القمّة على السوق العربية المشتركة المقررة في 2020، وكأنها قد أُنجزت ليعمل بها بعد سنة. قبلها الاتحاد الجمركي العربي في 2015 لأزمة السوق. نحن في حاجة إلى ربيع عربي داخل جامعة الدول العربية كي تتولى باستقلالية وجرأة ملاحقة تنفيذ المشاريع، بصرف النظر عن القرار السياسي الذي يعيّن جهازها الإداري. هذه وظيفة الأمانة العامة للجامعة التي تقحم نفسها في السياسات الخلافية العربية وتنسى وظيفتها التنموية.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها