الجمعة 2018/09/28

آخر تحديث: 11:17 (بيروت)

مصرف لبنان يضبط التسليف بالليرة: محاصرة قروض الإسكان

الجمعة 2018/09/28
مصرف لبنان يضبط التسليف بالليرة: محاصرة قروض الإسكان
يحاول مصرف لبنان إعادة التوازن إلى معدّلات الدولرة في السوق (علي علوش)
increase حجم الخط decrease

بدأت المصارف اللبنانيّة تطبيق تعميم مصرف لبنان الذي يقضي بفرض سقوف محدّدة على عمليّات التسليف بالليرة، وسط ترقّب في السوق لآثار هذه الخطوة على المدى البعيد. وكان مصرف لبنان قد أصدر تعميماً يفرض على كل مصرف سقفاً محدّداً لحجم التسليفات بالليرة اللبنانيّة، يوازي 25% من إجمالي الودائع بالليرة لديه. التعميم يمنح المصارف مهلة لغاية نهاية العام 2019 للوصول إلى هذه النسبة، بينما يفرض على المصارف التي تتجاوز هذه النسبة في نهاية المهلة تجميد مبالغ لديه من دون فوائد بنفس قيمة القروض التي تتخطّى النسبة المذكورة.

ووفق ميزانيّة المصارف المجمّعة، تبلغ حاليّاً نسبة القروض بالليرة من اجمالي الودائع بالليرة نحو 34%، أي أنّ المصارف بحاجة إلى تخفيض هذه النسبة بنحو 9 نقاط مئويّة خلال سنة وثلاثة أشهر. وإذا أخذنا بالاعتبار أن اجمالي الودائع بالليرة بلغت حتى تموز 2018 نحو 82.12 ألف مليار ليرة بحسب أرقام مصرف لبنان، فمن المتوقّع أن يؤدّي هذا التعميم إلى تخفيض بقيمة تقارب 7.4 ألف مليار ليرة من القروض التي منحتها أساساً المصارف بالليرة اللبنانيّة.

في سياق الأزمة الماليّة الحاليّة، يحاول مصرف لبنان من خلال هذه الإجراءات ضبط السيولة بالليرة اللبنانيّة في السوق وامتصاصها، أولاً من خلال الحد من المبالغ التي تضخّها المصارف عبر القروض بالليرة، وحتّى تخفيض اجمالي قيمة القروض التي ضخّتها أساساً. ومن ناحية أخرى، سيفرض هذا الإجراء سعي المصارف إلى امتصاص مزيد من الودائع بالليرة اللبنانيّة من السوق لبلوغ هذه النسبة. لذلك، يمكن توقّع مزيد من الارتفاع في فوائد الودائع بالليرة اللبنانيّة لبلوغ هذا الهدف.

وتعتبر مصادر مصرفيّة مطّلعة أن مصرف لبنان يحاول من خلال هذه الإجراءات إعادة التوازن إلى معدّلات الدولرة في السوق. إذ سيؤدّي ضغط المصارف لاجتذاب الودائع بالليرة- من أجل بلوغ النسبة- إلى تخفيض نسبة دولرة الودائع التي ارتفعت أخيراً. بالتالي، التخفيف من الضغوط في اتجاه طلب الدولار في السوق عبر خلق طلب على الليرة.

في الواقع، صاحَب هذا التعميم تعميم آخر يسمح للمصارف بإعادة جدولة القروض بالليرة إذا كان هدف الجدولة هو تحويلها إلى قروض بالدولار الأميركي. بالتالي، يذهب التعميم الثاني في اتجاه التعميم الأوّل، عبر تشجيع المصارف على تخفيض حجم القروض الممنوحة بالليرة ونسبتها مقابل القروض الممنوحة بالدولار. ومن المفترض أن يؤدّي تحويل القروض من الدولار إلى الليرة إلى خلق طلب على الليرة مقابل الدولار لسداد هذه القروض.

بمعزل عن خلفيات القرار من جهة مصرف لبنان، يبدو أنّ هناك تداعيات مباشرة ستبدأ بالظهور على مستويات عدّة. فالقرار سيعرقل أي امكانيّة لعودة قروض الإسكان، حتّى لو تم العمل بطرق مختلفة لتأمين الدعم لهذه القروض. فالقيود على عمليّات التسليف بالليرة من قبل المصارف ستمنعها من منح هذا النوع من القروض، التي تُمنح بالليرة، بمعزل عن وجود أو عدم وجود القروض. أمّا من ناحية القروض للأسر بشكل عام، فستصبح موجّهة إلى الدولار الأميركي، وستكون قيمة هذه القروض مقابل الليرة بعد منحها مرتبطة باستمرار سعر الصرف في السوق.

تأتي هذه القرارات في سياق جملة من الإجراءات التي يقوم بها مصرف لبنان منذ سنتين للتعاطي مع الأزمة الماليّة القائمة في السوق. إذ إنّ الهندسات الماليّة والعمليّات الاستثنائيّة هدفت من الأساس إلى التعاطي مع واقع العجز في صافي التدفقات الماليّة بين لبنان والخارج (أي ميزان المدفوعات). لكنّ هذه الهندسات التي عملت على امتصاص العملة الصعبة ورفع الاحتياطي منها لدى مصرف لبنان، ساهمت في ضخ كتلة نقديّة كبيرة بالليرة اللبنانيّة في السوق، وهو ما يربطه كثيرون بمعدّلات التضخّم التي بدأت بالظهور هذه السنة. بالتالي، تأتي هذه القرارات لمحاولة ضبط هذه السيولة بالعملة المحليّة، خصوصاً أنّها ستؤدّي في حال عدم معالجتها إلى ضغوط أكبر على سعر الصرف.

لكنّ المشكلة أنّ هذه القرارات تأتي اليوم، ومثل جميع الهندسات والعمليّات التي جرت خلال الفترة الماضية، كمعالجات متفرّقة لتأجيل عوارض أزمة بنيويّة أعمق. فالمشكلة تكمن في النمط الاقتصادي الذي أدمن منذ التسعينات على التدفقات الخارجيّة ونمو الودائع لتمويل عجز الميزان التجاري وتغذية نمو الدين العام وفوائده بالعملة الصعبة. ويبدو واضحاً اليوم أنّ هذا النمط الاقتصادي لم يكن مستداماً وقد استهلك قدرته على الاستمرار، خصوصاً بعدما تفاقمت أزمة العجز في ميزان المدفوعات. هكذا، يبدو أنّ القرارات قد تنجح في شراء مزيد من الوقت وتأجيل بعض عوارض الأزمة الحاليّة، لكنّها بالتأكيد ما زالت بعيدة عن معالجة جوهرها، وهي معالجة تحتاج إلى جملة قرارات تتخطّى الإجراءات والسياسات النقديّة وحدها.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها