الإثنين 2018/08/20

آخر تحديث: 00:07 (بيروت)

مِعبر نصيب والإثم الجغرافي

الإثنين 2018/08/20
مِعبر نصيب والإثم الجغرافي
فرادة سوريا معبراً برياً وحيداً للبنان على الخارج تحولت إثماً جغرافياً
increase حجم الخط decrease
من معبر نصيب النافذة السورية الرئيسة على الأردن لعبور الصادرات السلعية، يراد للبنان الرسمي العبور إلى ترميم العلاقات السياسية والاقتصادية مع النظام السوري. أمرٌ يرفضه رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري المكلف تأليف حكومة جديدة. حلفاء النظام السوري وتابعوه لأغراض شتى، لا يرون نصيب لبنان من البحبوحة وتحريك الاقتصاد إلاّ من معبر نصيب السوري. معارضو النظام الذين يحملون من إرث وصايته على لبنان ذكريات مرة إنسانياً واقتصادياً واجتماعياً، يرفضون أن يكون لبنان جسراً لعبور النظام إلى الباحة التي يستريح فيها، بينما يعاني عزلة على المستويين العربي والدولي. يفضلون الحوار مباشرة مع زعيم الكرملين فلاديمير بوتين، الذي حال بالقوة العسوف وبترسانته العسكرية التدميرية دون سقوط النظام من زمان. وبوتين هو الآمر الناهي لتاريخه بالوضع السوري، وبالمفاوضات مع الأطراف الدولية والاقليمية الأخرى المعنية بسوريا وبمستقبلها. فلماذا الحوار مع نظام لا يملك قراره في الداخل حداً أدنى؟

المعطى الاقتصادي ورقة يعتقدها ما يسمى "محور الممانعة" ناجعة لترميم العلاقة مع النظام السوري. ايران قائد هذا المحور كانت على بعد كيلومترات قليلة من العدو الصهيوني في الجولان. وكانت قادرة على مواجهته لو شاءت بـ"المقلاع الفلسطيني"، أو بالطائرات الورقية الغزاوية. تراجعت عن حدود الجولان أكثر من 80 كيلومتراً ولم تفعِل صواريخها الباليستية. وراح النظام السوري إلى حدود الجولان لمنع "المغامرين المصابين بالأمراض العقلية والنفسية" من اطلاق النار على المحتل. "عادة ذميمة ممانعة" مارسها النظام منذ سبعينات القرن الماضي. "الشيطان الأكبر" الاميركي أراد ذلك. بوتين نسّق معه وأمر. أذعن النظام. تل أبيب رحبت. ما علاقة تحريك ملف العلاقات اللبنانية مع النظام السوري في هذا الوقت، من المدخل الاقتصادي ومعبر نصيب؟

النظام وحلفاؤه دمّرا سوريا بشراً وحجراً وضرعاً وزرعاً. ودعوَشوا كل حقوق الشعب السوري زوراً ورياءً. اعادة الاعمار مرجأة. ليست في يد طهران وموسكو. لكن النظام في حاجة ماسة إلى تشغيل محركات الاقتصاد لينهض بالممكن. الحرب في سوريا فاقمت الأزمة الاقتصادية والاجتماعية في لبنان. ويصارع على شفا الهاوية. ازالة الحواجز التجارية والاقتصادية لمصلحة البلدين. وهذا المسار لا بدّ في المحصلة من بلوغه عمقه السياسي. لو حصل الأمر كما يروج له حلفاء النظام وتابعوه لواجه لبنان مرحلة خطرة في علاقاته العربية والدولية وعلى المستوى المالي والاقتصادي تحديداً.

صحيح أن مبدأ النأي بالنفس تحول سخرية بعد دخول حزب الله الحرب في سوريا ودعمه العلني للمنشقين في اليمن. لكن ترميم العلاقات السياسية مع النظام بدعوى فتح المعابر السورية في وجه الصادرات اللبنانية يغدو إعلاناً رسمياً بانحياز لبنان الرسمي إلى حلف على عداء مع الدول العربية والغربية. وهذا الحلف واقع تحت عقوبات اميركية قاسية مرشحة للتصعيد ولا توفر حتى أقرب المقربين إلى الولايات المتحدة. ولبنان لن يخرج رابحاً مالياً واقتصادياً من هذا الجنوح قبل استشراف مستقبل سوريا والنظام وعلاقاته العربية والدولية. وستوصد في وجهه مسارب الدعم المالي العربي والدولي.

ثم، من قال إن فتح المعابر أمام الصادرات اللبنانية سيكون برداً وسلاماً على لبنان، لو استمرت العلاقة الذُمية في تعاطي النظام مع معه؟ يوم كان لبنان مستباحاً للنظام السوري وفرض خلاله رئيسي جمهورية، وتجديداً لمجلس النواب وركّب زعامات وهمية لا جذور لها، وفرض هيمنته على الاقتصاد والبلاد والعباد، كان يمارس سياساته الخاصة على تجارة العبور من منافذه إلى سوريا ومنها إلى دول الخليج العربي.

يقول لنا حلفاء النظام وتابعوه الآن، سوريا قدرٌ جغرافي للبنان. وما علينا سوى استجابته! المشكلة ليست في سوريا والسوريين بل في النظام نفسه. وهو مشكلة السوريين وسوريا أيضاً. حتى اتفاقات الإذعان التي عقدها النظام مع تابعيه في لبنان زمن الوصاية وجاءت ضد مصالح لبنان الوطنية والاقتصادية تنكر لها طيلة سنوات. الصادرات اللبنانية واجهت على منافذ العبور السورية كل أنواع الابتزاز السياسي والمالي خلافاً لاتفاقية عبور البضائع (الترانزيت) لدول الجامعة العربية. المادة الخامسة من الاتفاقية صريحة بالنص: مع مراعاة الشروط المطلوب توفرها في هذه الاتفاقية، فإن البضائع ووحدات النقل:

لا تخضع لدفع أو ايداع ضرائب، أو رسوم، أو عوائد في مكتب الانطلاق، أو في مكاتب العبور مما يفرض عادة عند الاستيراد أو التصدير أو العبور. باستثناء بدلات الخدمات الرسمية المؤداة كرسوم العبور، وصيانة الطرق والخدمات التي تقدم من قبل المؤسسات العامة للجامعة. على أن لاّ تزيد عن 4 بالألف من قيمة البضائع العابرة.

كل الصادرات اللبنانية تجزى على المعابر السورية رسوماً لها الأثر المماثل للرسوم الجمركية. خلافاً للاتفاقية. هذا غير الرشى التي تدفع لمنظومة الجمارك ومراكز النفوذ الشرعية. سائقو الشاحنات والمصدرون يعلمون ذلك. ومعاناة قفل الحدود لأسباب سياسية معلومة ومعروفة. تكلفتها عالية على المصدِر. تخل بمواقيت التسليم، وتنتقص من جودتها وقيمتها المضافة. هذا أيضاً مخالف للاتفاقية العربية الفقرة السادسة من المادة السادسة ونصها صريح "لا تحول الآسباب السياسية دون تطبيق أحكام هذه الاتفاقية".

فرادة سوريا معبراً برياً وحيداً للبنان على الخارج تحولت إثماً جغرافياً يستخدم للأسف من حلفاء النظام وتابعيه لابتزاز سياسي واقتصادي للبنان. وللتأثير في سياسة لبنان الخارجية والتوازن السياسي الداخلي. ولا يحتاج الأمر إلى فهلوة لندرك الغايات السياسية من وراء ذلك. كل الوزراء الذين يعزفون "المواويل القطرية" إنما كانوا من فريق الممانعة الاقليمي نفسه.

حسناً، لو محّصنا قليلاً بالمتاعب التي يوجهها القطاعان الزراعي والصناعي وقطاع النقل البري اللبناني بجزئيه الشحن والترانزيت، والنقل الداخلي المدني، لوجدنا أن الفريق السياسي نفسه أيضاً يحمل الحقائب الوزارية في القطاعات الثلاثة. ولم يبادر إلى أي خطوة لرفع الظلم عن تلك القطاعات لا قبل فتح معبر نصيب ولا بعده. دليلنا إلى ذلك ساطع. غزو البضائع السورية الصناعية والمنتجات الزراعية الأسواق اللبنانية. ومشتقات المنتجات الزراعية من الحليب والأجبان والقطاع الداجن. هذه صرخة يومية لكل الصناعيين والمزارعين اللبنانيين.

هل يصَنف هؤلاء معادين لمحور الممانعة والتحالف الاقليمي؟ لا نتحدث عن عمليات التهريب الناشطة على الحدود بين البلدين فحسب. وعن منافسة إغراقية في ذروة موسم الانتاج الزراعي وضد الصناعة اللبنانية. البضائع والشاحنات تدخل علناً عبر منافذ الجمارك. ناقلات الرخام والأحجار قاطرة ومقطورة. هل استئناف الصادرات عبر معبر نصيب وغيره سينهي الحال الشاذة للصادرات اللبنانية على المعابر السورية؟ أو سيحد من التهريب المنهجي؟ كلا تأكيداً. لا تقوم اتفاقات تجارية في بلد لا يعرف من حدوده سوى الإثم الجغرافي والعلاقة الذمية.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها