الأحد 2018/08/12

آخر تحديث: 07:44 (بيروت)

الفوائد ترتفع: المقترضون يدفعون الثمن

الأحد 2018/08/12
الفوائد ترتفع: المقترضون يدفعون الثمن
يخلق رفع الفوائد ارتفاعاً في كلفة الاقتراض لتمويل المشاريع الجديدة (علي علوش)
increase حجم الخط decrease

الفوائد في لبنان على الودائع والقروض بلغت أخيراً أعلى مستوياتها منذ ثماني سنوات، في نتيجة لمسار تصاعدي حاد شهدته السوق. وبمعزل عن الأسباب المتعدّدة، يبقى الواقع أنّ ارتفاع الفوائد للمودعين وعلى المقترضين ومموّلي خدمة الدين العام ليس سوى تسريع في عمليّة "تركيز الثروة" في يد قلّة مستفيدة اقتصاديّاً.

ارتفاع العائد للمودع والكلفة للمقترض
وفق أرقام مصرف لبنان، وصل متوسّط نسبة الفوائد على الودائع بالليرة اللبنانيّة 6.72% لغاية شهر حزيران 2018، بينما بلغ هذا المتوسّط للودائع بالدولار الأميركي 4.09%. مع العلم أنّ هذه المعدّلات لم تتجاوز 5.51% لليرة و3.58% للدولار في الفترة نفسها من العام 2017.

ومن الطبيعي أن يتوازى الارتفاع الحاد على فوائد الودائع مع ارتفاع مماثل على فوائد القروض، إذ تحقق المصارف الربح عادةً من هامش الفرق بين فوائد الودائع التي تتلقاها والقروض التي تعطيها. لذلك، ارتفع متوسّط فوائد القروض في المصارف اللبنانيّة حتّى شهر حزيران لغاية 8.82% للقروض بالليرة اللبنانيّة، و7.93% للقروض بالدولار الأميركي، وفق أرقام مصرف لبنان. مع العلم أنّ هذه المعدّلات كانت تراوح بين 8.39% لقروض الليرة و7.27% لقروض الدولار في الفترة نفسها من العام 2017.

وبمعزل عن ارتفاع متوسّط فوائد القروض الممنوحة، تعتمد المصارف لتحديد فوائد معظم القروض الجديدة على مؤشّر "الفائدة المرجعيّة لسوق بيروت"، الذي تحدّده جمعيّة المصارف. إذ تقوم المصارف بأخذ هذا المؤشّر وإضافة نسبة تمثّل كلفة المخاطر والمصاريف التشغيليّة لتحديد الفائدة النهائيّة للمقترض. ووفق الأرقام التي تنشرها جمعيّة المصارف، يتبيّن ارتفاع هذه النسبة لغاية 10.7% لليرة اللبنانيّة و7.55% للدولار الأميركي في شهر آب، مقارنةً بـ8.68% لليرة و6.78% للدولار في آب 2017.

أسباب محليّة وعالميّة
تختلف الأسباب التي تؤدّي إلى هذا الارتفاع القاسي في أسعار الفوائد. ولعلّ أبرز هذه الأسباب هو ارتفاع الفوائد في الولايات المتحدة الأميركيّة. فمعدّل الأموال الفيدراليّة الفعلي، الذي يمثّل مؤشّراً يعكس كلفة الإقراض بين المصارف هناك، ارتفع تدريجاً من 0.36% في بداية العام 2016 لغاية 1.92% اليوم، وذلك بحسب "الاحتياطي الفيدرالي". وبينما ترتفع الفوائد بشكل متدرّج بناءً على قرارات "الاحتياطي الفيدرالي"، عكس آخر بيان له بداية الشهر اتجاهه إلى الاستمرار في سياسة رفع الفوائد في المدى المنظور.

بالتأكيد يرتبط وضع الفوائد في السوق اللبنانية بشكل وثيق بالارتفاع في الولايات المتحدة. فالسوق اللبنانية مدولرة بطبيعتها، إذ تبلغ نسبة الودائع بالدولار 68% من إجمالي الودائع في السوق، وفق أرقام مصرف لبنان. بالتالي، على المصارف مجاراة السوق العالميّة في مجال ارتفاع الفوائد لتلافي خسارة ودائع الدولار لمصلحة الخارج. أمّا من ناحية الودائع بالليرة، فالمطلوب أيضاً رفعها لإبقاء هامش معيّن بين فوائد ودائع الدولار الأميركي وفوائد ودائع الليرة اللبنانية، لتفادي تحويل المودعين بالليرة ودائعهم إلى الدولار الأميركي.

السبب الثاني الذي لعب دوراً في رفع الفوائد يكمن تحديداً في الإجراءات الاستثنائيّة التي يقوم بها مصرف لبنان منذ سنتين لاستقطاب العملات الصعبة إلى الاحتياطي منها لديه. فالعوائد المرتفعة من هذه الإجراءات دفعت المصارف إلى رفع الفوائد على ودائع الدولار لاستقطابها وتمويل توظيفاتها في هذه العمليّات الاستثنائيّة. وقد أدّى امتصاص كميّة وازنة من السيولة بالعملة الصعبة في هذه العمليّات إلى ارتفاع الطلب عليها مقارنةً بالعرض. ما يؤدّي حكماً إلى ارتفاع الفوائد.

وفي الفترة الماضية، شهدت سوق سندات اليوروبوندز انخفاضات في سعرها. ما جعلها أكثر جاذبيّة للمستثمرين والمودعين. إذ إنّ انخفاض سعرها اليوم يعني ارتفاع المردود عليها بين الفترة الحاليّة وتاريخ استحقاق السند. بالتالي، آليّات عمل السوق فرضت رفع الفوائد منعاً لاستنزاف الودائع وتحويلها لمصلحة سوق سندات اليوروبوندز.

وفي كل الحالات، ترتبط هذه العوامل بشكل الاقتصاد اللبناني ونظامه، بوصفه نظاماً مدولراً ومدمناً على التدفّقات النقديّة من الخارج والحفاظ عليها. فعجز الميزان التجاري (فارق الصادرات والواردات)، والحاجة إلى التدفّقات الماليّة لتعويض هذا العجز وتأمين الحاجة إلى العملة الصعبة، وفي الوقت نفسه تأمين التمويل اللازم لنمو الدين العام من خلال المصارف، يخلق نمطاً ريعياً مكشوفاً على مخاطر وتحوّلات السوق العالمية.

تركيز الثروة في يد القلّة
ماذا يعني أن ترتفع الفوائد على القروض والودائع؟ يمتلك 50% من الودائع في لبنان أقل من 1% من المودعين وفق صندوق النقد الدولي. وهي تُعد من نسب تركّز الثروة المرتفعة جدّاً. بينما تعتمد النسبة الأكبر من الأسر اللبنانيّة على القروض المصرفيّة المختلفة لتأمين المسكن والتعليم والاستهلاك، بالإضافة إلى قروض السيّارات وغيرها.

رفع الفوائد يعني باختصار تسريع عمليّة تحويل فوائد قروض الأسر إلى أرباح بيد القلّة التي تمتلك الودائع في لبنان، وبالتالي التسريع في تركيز الثروة في يدها. بالإضافة إلى ذلك، يدفع جميع اللبنانيين كلفة خدمة الدين العام، الذي تموّله هذه الودائع نفسها. ومع ارتفاع الفوائد، ترتفع خدمة الدين العام، وترتفع معها عوائد هذه الودائع أيضاً. ما يحقق النتيجة نفسها.

وبالتوازي مع هذا الواقع، يخلق رفع الفوائد ارتفاعاً في كلفة الاقتراض لتمويل المشاريع الجديدة. بالتالي، دفع المستثمرين إلى الإحجام عن الاستثمار. ويدفع أصحاب رؤوس الأموال إلى الاستفادة من أموالهم في فوائد الودائع المرتفعة بدل توظيفها في مشاريع انتاجيّة جديدة. وهو ما يكرّس طبيعة النمط الريعي نفسه في الاقتصاد اللبناني.

هل يكون ارتفاع الفوائد ودورها في الأزمة الماليّة اللبنانيّة مناسبة جيّدة لمراجعة السياسات الاقتصاديّة وطبيعة السوق التي خلقتها، أم سنتجه مجدداً إلى الحلول الموضعيّة والمؤقتة المكلفة؟

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها