الأحد 2018/07/29

آخر تحديث: 00:08 (بيروت)

زيادة الطلب على الحشيشة اللبنانية: الاقتصاد يُسقط المحرّمات

الأحد 2018/07/29
زيادة الطلب على الحشيشة اللبنانية: الاقتصاد يُسقط المحرّمات
شهدت منطقة البقاع فشلاً تاريخياً في مسألة التحوّل إلى "زراعات بديلة" (AP)
increase حجم الخط decrease

لم تفلح، تاريخياً، كل المحاولات في إقناع معظم السياسيين بإخراج مسألة زراعة الحشيشة من دائرة المحرّمات. ولم تناقش الدولة جديّاً مسألة تشريع زراعتها لغايات طبيّة أو علاجيّة. ما تغيّر اليوم، هو تفاقم المشكلة الاقتصاديّة في لبنان، ويبدو أنّ أصحاب القرار وجدوا في زراعة الحشيشة دواءً اقتصادياً بمعزل عن استعمالاته الطبيّة والعلاجيّة.

فرص ومزايا تنافسيّة للبنان
توقعت بحوث مجموعة The Arcview أن يبلغ الانفاق العالمي على الحشيشة المشرّعة 32 مليار دولار في العام 2022، أي بمعدّل نمو يبلغ 22% عن الطلب الحالي. ويشمل هذا الرقم الانفاق القانوني على استهلاك النبتة فحسب، من دون أن يشمل الطلب الذي يتم تلبيته من خلال عمليّات التهريب. هذا النمو المتوقّع تحدّثت عنه في أكثر من سياق مصارف ومجموعات استثماريّة عدة، في إطار حديثها عن المنتجات التي ستشهد الفرص الاستثماريّة الأبرز في المستقبل. وهو ما يدفع كثيرين إلى توقّع مراجعة دول عدّة القوانين التي تجرّم زراعة الحشيشة بشكل مطلق لديها.

النمو الكبير في الطلب العالمي، يوازيه مكانة خاصّة للحشيشة اللبنانيّة في السوق الدوليّة. فالأمم المتحدة تصنّف لبنان رابع منتج للحشيشة في العالم، حيث تقدّر أرقام "الدوليّة للمعلومات" دخل مزارعيها في البقاع اللبناني حاليّاً بـ600 مليون دولار، وذلك بحسب المساحات المزروعة بها في البقاع. ويمكن لهذا الرقم أن يتضاعف ليتجاوز 2 مليار دولار في حال ضم دخل الفئات المستفيدة من النشاط التجاري لهذه النبتة. هذا الدخل يحققه لبنان اليوم من خلال زراعة مساحة تراوح بين ثلاثة وأربعة آلاف هكتار في البقاع، لكنّ المساحة الممكن استثمارها فعليّاً، في حال تشريع زراعة القنب الهندي، يمكن أن تصل إلى تسعة أو عشرة آلاف هكتار.

الأكيد اليوم أن دخل لبنان من هذه النبتة سيتضاعف، ولو أنّ التقديرات اختلفت. توقّعات الخبراء لجهة حجم المردود من تشريع زراعة الحشيشة تراوح بين مليار وملياري دولار. اقتصاديّاً، ستشكّل هذه الكتلة النقديّة عاملاً بارز الأهميّة في تقليص حجم العجز في الميزان التجاري اللبناني (الفرق بين صادرات لبنان ووارداته)، الذي بلغ في العام 2017 نحو 20.3 مليار دولار، إذ لم تتجاوز صادرات لبنان عتبة 2.8 مليار دولار.

في الواقع، يمكن تقدير أهميّة هذه الكتلة النقديّة التي سيستفيد منها لبنان من خلال تصدير النبتة بسهولة. إذ تكمن أبرز أسباب الأزمة الماليّة الحاليّة في عجز ميزان المدفوعات اللبناني المستمر منذ العام 2011 (باستثناء 2016)، وهو الميزان الذي يلخّص صافي تبدلات لبنان الماليّة مع الخارج. ويعاني لبنان من أزمة دائمة تكمن في عجز ميزانيّة الدولة، ويمكن للأموال التي تجنيها الدولة من هذا القطاع المقونن حديثاً أن تسهم إلى حد كبير في تقليص هذا العجز.

وبمعزل عن الفوائد الاقتصاديّة، يستفيد لبنان من مزايا تنافسيّة بالغة الأهميّة تمكّنه من دخول السوق العالمية المقوننة لهذه النبتة بقوّة. فمن مزايا النبتة حاجتها إلى بيئة جغرافيّة معيّنة توازي بين التعرّض القوي للشمس والارتفاع عن سطح البحر في الوقت نفسه، بالإضافة إلى مناخ معيّن. وهو ما يتوفّر في مناطق محدّدة من العالم. ومن بين الأماكن القليلة المناسبة لزراعة هذه النبتة يبرز سهل البقاع اللبناني. وهو ما أعطى القنب الهندي اللبناني شهرة جيّدة في كثير من الأسواق العالميّة.

فشل "الزراعات البديلة"
في مقابل الفرص والمزايا التنافسيّة التي يتمتّع بها لبنان في هذا المجال، شهدت منطقة البقاع فشلاً تاريخياً في مسألة التحوّل إلى "زراعات بديلة" من هذه النبتة. وهو ما أدّى إلى إدراك فئات واسعة من البقاعيين أهميّة الإبقاء على زراعة هذه النبتة من الناحية الاقتصاديّة.

فالدولة اللبنانيّة أطلقت في العام 1992 مشروع الزراعات البديلة لتشجيع أهالي البقاع على الانتقال من زراعة الحشيشة إلى زراعات أخرى. وكان من المفترض أن يستمر المشروع لغاية العام 2006. وبحسب الخطّة، تعهّدت الأمم المتحدة بتأمين كلفة المشروع التي بلغت 300 مليون دولار على دفعات. لكنّ المشروع توقف بشكل كلّي في العام 2000، ولم تتجاوز مساهمة الأمم المتحدة الفعليّة الـ20 مليون دولار، وسط حديث عن غرق المشروع في عمليّات فساد كبيرة وتدخّلات سياسيّة.

وبمعزل عن فشل مشروع الزراعات البديلة، لم تسمح البيئة الاقتصاديّة للبنان بتطوير أي نوع من تلك الزراعات بشكل تنافسي في منطقة البقاع. فارتفاع كلفة الانتاج وغياب البنية التحتيّة الزراعيّة الملائمة، واسقاط السياسات الحمائيّة في مواجهة المنتجات الزراعيّة المستوردة والمدعومة في دول المصدر، جعل كثيراً من المزارعين في موقع تنافسي سيء.

هكذا، أمام الفشل في تطوير قطاع زراعي قابل للمنافسة، وفي ظل المزايا التنافسيّة الجغرافيّة الخاصّة التي يستفيد منها لبنان من دون جهد، وأمام الطلب العالمي المتنامي على نبتة القنب الهندي، بات من الواضح أهميّة تشريع زراعة النبتة من الناحية الاقتصاديّة. وفي ظل الأزمة الاقتصاديّة الكبيرة التي يعاني منها لبنان، سقطت محرّمات الأمس، وأصبح تشريع زراعة الحشيشة ممكناً.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها