الإثنين 2018/07/23

آخر تحديث: 00:07 (بيروت)

تشريع الحشيشة.. حذارِ الشطط

الإثنين 2018/07/23
تشريع الحشيشة.. حذارِ الشطط
الدول ملزمة تبليغ الهيئة المعنية بالمخدرات في الأمم المتحدة (الأرشيف)
increase حجم الخط decrease

قبل أن نمضي في الطريق إلى تشريع زراعة الحشيشة ومعالجتها صناعياً، والاتجار بها لغايات مشروعة، من مصلحة البلد التبصر بتعقيدات هذا الموضوع ومنعرجاته كي لا تطيش السهام في غير موضعها. يكفينا ما فينا.

أما وقد قررنا اعتبار هذه الزراعة مورداً من مواردنا الطبيعية، يحق لنا ونحن ندمر من تلك الموارد مقادير، استثمار هذا المورد والانتفاع منه بالطرق السليمة المتاحة، كما تفعل كثير من الدول سبقتنا في هذا المجال. لبنان مصنفٌ بميزات تفاضلية في هذه الزراعة. والكلام لمؤسسات دولية مختصة وليس هلوسة المهلوسين. مخرجاتها استُخدمت آفة اجتماعية خطرة بكل المعاني، ونشأت على ضفاف هذه الزراعة بيئة غير سوية عجزت الدولة عن درء تداعياتها على بيئتها الأوسع التي تنتمي اليها في بعلبك الهرمل. وعن البقاع ولبنان عموماً. لو نجح استغلال هذه الزراعة بميزاتها التفاضلية، ولغايات مشروعة تجارياً، فدون ذلك نتائج لا يستهان بها اقتصادياً ومالياً واجتماعياً.

فاستخدام مخرجات الحشيشة الصناعية المعَالجة واسع جداً. في القطاع الصيدلاني والطبي والاستشفائي والبحوث العلمية. ويتجاوز مواد التخدير إلى وصفات طبية ذات علاقة بتهدئة الألم وعقاقير وأدوية مختلفة لأمراض كثيرة بينها أمراض مستعصية بحسب تقارير ادارة الغذاء والمخدرات الأميركية (U.S Food and Drug Administration المعروفة اختصاراً FDA). وتستخدم أيضاً في مستحضرات التجميل ومشتقاتها. وليس على وجه الحصر.

أحد الأصدقاء درج على سؤالي في كل مرة صدفني "كيف الوضع"؟ جوابي لم يتغير منذ بقي لبنان من دون رئيس جمهورية نحو ثمانية عشر شهراً. "ما في وضع أساساً"! وقد ترسخ اعتقادي بعد نحو شهرين على استعصاء تأليف الحكومة الجديدة، واستمرار حكومة تصريف الأعمال. الصديق نفسه سألني قبل أيام "هل ستُشرع زراعة الحشيشة؟ فليتسلم القصة نوح زعيتر. شكله همشري وشيخ شباب وبيعرف الطنجرة وغطاها"، قال. الواقع أن أي قرار يتبناه لبنان لتشريع زراعة الحشيش والإتجار المشروع بها، دونه أيضاً منظومة صلبة من الأطر التنظيمية وهيئات الرقابة واجراءات التنفيذ. هذه المنظومة لا تتوفر في بلد عاجز عن معالجة نفاياته ونظام السير ومصباح الكهرباء. وملف الزراعات الممنوعة والحشيشة، وتهريبها والاتجار بها، فيه سياسة وأمن وقضاء و"بهاوات البلد" ونافذون. الغريب أن أحداً من هؤلاء لم يعترض على تشريع تلك الزراعة. وكأنه مطمئن إلى أن حقوقه محفوظة تشريعاً وبلا تشريع. وهنا خطورة المشروع من أساسه.

تشريع زراعة المخدرات وتصنيعها وتجارتها وتصديرها ليس مرتبطاً بارادات محلية فحسب. بل وتحكمها اتفاقات دولية من الأمم المتحدة، ومنظمة الصحة العالمية، ومنظمات دولية وغيرها. القانون الوطني في هذا المجال لا يعلو على القوانين الدولية ولوائحها المعتمدة. ولبنان ملتزم المعاهدات الدولية. الأهم من ذلك، تشريعات مكافحة تبييض الأموال وأموال الارهاب. والعين مفتوحة على لبنان في اللحظة السياسية الراهنة. حين أي هفوة أو سقطة لا أحد يضمن عدم حصولهما، ستكون النتائج وخيمة والحصاد مراً. تصدير مخرجات زراعة المخدرات ليس حراً كماً ونوعاً. تحكمه أيضاً اتفاقات دولية. تخزين المحاصيل غير وارد سوى خارج اشراف الدولة وخطوط التصدير المبلغ عنها. والدول ملزمة تبليغ الهيئة المعنية بالمخدرات في الأمم المتحدة وهيئة الرقابة بكل التفاصيل والمعلومات الدقيقة عن مخرجات هذه الزراعة والمصنعين والتجار والمصدرين والمستوردين. ولا يحق للدولة المعنية التذرع بالسرية للتهرب من توفير المعلومات عن العمليات وأسماء التجار والمزارعين والكميات  المستخدمة والأساليب التي تمّ استخدامها خلافاّ للاتفاقات الدولية. محاصيل المخدرات ليست بطاطا وتفاحاً. المزارعون يحتاجون إلى اجازة تحدد المساحات المزروعة. وكميات التصدير أيضاً تحتاج إلى اجازة. كيفما اتجهنا نرى مهمات جساماً على الدولة لاستجابة الشروط والمعايير. ويكون ذلك من خلال مؤسسات نزيهة، وادارة نظيفة وقضاء حازم. القانون وحده لا يكفي. القوانين موجودة من زمان. لكن ما هي النتائج؟

بدأنا نسمع عن المؤسسة المولجة مباشرة برعاية هذه الزراعة مباشرة. منهم من يقول مؤسسة الريجي. هذا قطاع منفصل تماماً عن دور الريجي وطبيعة مهماتها. هي مخولة قطاع التبغ والتنباك زراعة وتصنيعا وتجارة بالتعاون مع شركات دولية في لقطاع. وكل تلك المهمات تتصل أيضاً باستهلاك منتجات القطاع وتسويقها بمفهوم الشركة التجارية. بينما زراعة الحشيشة وتصنيعها والاتجار بها واستهلاكها من طبيعة أخرى. ومحظورة كل مخرجاتها المالية غير الشرعية وما ينجم عنها من منافع. وتدخل في صلب الأموال غير المشروعة المصنفة تبييض أموال بحسب القوانين المحلية والدولية والاتفاقات المعنية بها. ولبنان إحدى الدول الموقعة على اتفاقية الأمم المتحدة والملتزمة إياها.

ثمة جانب آخر شديد الأهمية. يتعلق بالمصارف اللبنانية والتبعات التي يمكن أن تترتب عليها وعلى لبنان في حال أي فجوة في الاطار التشريعي والقانوني المتعلق بالاستفادة من هذا المورد إقتصادياً بما يتسق مع القوانين المحلية والدولية التي يلتزمها لبنان. مع اللوائح التنظيمية والتشريعية وأصول الرقابة المنصوص عنها. ينسحب ذلك أيضاً على الجهاز الاداري الحكومي الناظم والاجراءات التنفيذية.

الفجوات في تشريع قطاع الحشيشة زراعة وصناعة وتجارة، والاخلال في تنفيذ الاجراءات المطلوبة، يرتبان مخاطر كبيرة لا قِبل للبنان على تحمل تبعاتها. والعكس صحيح لو تم استثمار المورد وفقاً للأسس القانونية واللوائح التنظيمية والادارية التي سبقت الاشارة اليها. لا جدال في أهمية عائدات هذا المورد المالية والاقتصادية والاجتماعية. لبنان في حاجة ماسة إلى الدفق النقدي بعد تراجع التحويلات الخارجية الاستثمارية ومن العاملين في الخارج. وقد انعكس تراجعاً في نمو الودائع المصرفية وقت تواجه المصارف ضغوطاً للاستمرار في أعباء تمويل عجز الدولة المالي والاقتصاد. بيد أن أي فجوة في التشريع واللوائح التنظيمية، والأهم في تنفيذ مندرجاتها قد تحول ما اكتشف من "نعمة" زراعة الحشيشة وتصنيع مخرجاتها وتجارتها "نقمة" غير محسوبة. فقانون مكافحة تبييض الأموال وأموال الارهاب لم يحظر المخدرات في المطلق. لحظ التجارة غير المشروعة والأموال الناجمة عنها. في حال توفرت الأطر القانونية والادارية الحكومية لزراعة الحشيشة والاتجار بها بطريقة شرعية، ولغايات مشروعة فالأموال الناجمة عنها ستعبر بالضرورة قنوات المصارف. خصوصاً وأنها ستنتج أعمالاً على صلة بالتصنيع والتجارة المحلية والخارجية. ومن قائل أن السفارة الأميركية في بيروت تبلغت نية لبنان بتشريع زراعة الحشيشة وتجارتها لغايات مشروعة. لا ردة فعل. عين وزارة الخزانة جاحظة. ونواطيرها مستنفرون!

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها