الجمعة 2018/07/20

آخر تحديث: 00:33 (بيروت)

النظام يحتاج إلى مليارات السوريين في لبنان

الجمعة 2018/07/20
النظام يحتاج إلى مليارات السوريين في لبنان
يعرف النظام السوري أهميّة جذب رؤوس الأموال لتمويل عمليّة اعادة الإعمار (Getty)
increase حجم الخط decrease

مع تقدّم النظام السوري في عمليّات السيطرة على أنحاء مختلفة من سوريا، والحديث عن مرحلة إعادة إعمار كبيرة مقبلة، تتجه أنظار الأوساط الماليّة في سوريا إلى رؤوس الأموال السوريّة التي غادرت إلى لبنان على مراحل خلال الأزمة، للعمل في اتجاه استقطابها واستعادتها إلى سوريا. وبالإضافة إلى العوامل المتعلّقة بالداخل السوري وتطوّراته، يبدو أن عوامل متعدّدة مرتبطة بالبيئة الاقتصاديّة اللبنانيّة ستدفع بهذا الاتجاه أيضاً.

وكانت صحيفة الوطن السوريّة أبرز من أثار الموضوع أخيراً، عبر تقرير نقل تقديرات مختلفة لحجم ودائع السوريين في لبنان، يصل أحدها لغاية 20 مليار دولار نقلاً عن مصادر مصرفيّة. لكنّ الصحيفة التي لم تتمكّن من توثيق هذا الرقم، اعتمدت الحدّ الأدنى لهذه التقديرات الذي بلغ 10 مليارات دولار. وبعد استفاضتها في الحديث عن مجمل الأزمات النقديّة والاقتصاديّة التي يعاني منها لبنان، خلصت الوطن السوريّة إلى ضرورة العمل على استقطاب رؤوس الأموال السوريّة في الخارج من خلال المنافسة في العمل المصرفي في المنطقة.

في الواقع، ومن بين دول الجوار التي نزحت إليها رؤوس الأموال السوريّة، يمكن القول إنّ رؤوس الأموال السوريّة الموجودة في لبنان ستكون الأقرب إلى العودة عند توفّر البيئة الاقتصاديّة المناسبة في سوريا. وهو ما تعمل سوريا لأجله. ولعلّ العامل الأساسي الذي سيسهم في هذا الأمر هو عدم ارتباط هذه الأموال بأي استثمارات طويلة الأمد في لبنان، لتقتصر هذه التوظيفات طوال السنوات السبع الماضية على الودائع المصرفيّة.

فمن ناحية القطاعات الانتاجيّة، وعلى خلاف تركيا، مثلاً، لم تكن البيئة الاقتصاديّة اللبنانيّة جذّابة أبداً لهذه الأموال الوافدة من سوريا، خصوصاً مع ارتفاع كلفة الانتاج وغياب كل أشكال الحوافز والركود الاقتصادي السائد منذ سبع سنوات. كما أسهم انقطاع خطوط التصدير البرّي وارتفاع كلفة الشحن بحراً في إحجام رؤوس الأموال السورية عن التوظيف في القطاعات الانتاجيّة.

في هذا الوقت، كانت تركيا تستفيد منها بتأسيس 1800 شركة في 2016 و2000 شركة في 2017، ليبلغ إجمالي عدد الشركات السوريّة التي تأسست في تركيا 6322 شركة منذ بداية الأزمة. هكذا ارتبطت توظيفات السوريين في تركيا في استثمارات منتجة ومستقرّة، مقارنةً بلبنان الذي لم يستفد منها إلا في ودائع مؤقّتة ومتذبذبة بطبيعتها.

وحتّى من جهة القطاع العقاري، الذي لطالما شكّل جنّة رؤوس الأموال الأجنبيّة الوافدة إلى لبنان قبل 2011، لم يشكّل بيئة جذّابة لهذه الأموال مع الجمود العقاري الذي بلغ حد تراجعات كبيرة في الأسعار. واقتصرت توظيفات السوريين في القطاع العقاري اللبناني على شراء المسكن في حالات معيّنة، بعيداً من أي استثمار فعلي في أنشطة التطوير العقاري.

ومع تطوّر الأزمة الماليّة في لبنان مؤخّراً استفادت الدولة السوريّة من هذا الواقع، ومن طبيعة توظيفات السوريين في لبنان كودائع مؤقّتة ومتذبذبة. وقامت بتمرير رسائل عديدة لأصحاب هذه الودائع، لدفعهم في اتجاه التفكير بإعادة نقل ودائعهم إلى سوريا، خصوصاً أنّ الحد الأدنى للتقديرات المتعلّقة بحجم ودائع السوريين في لبنان (10 مليار دولار) يبلغ ضعفي حجم ودائع السوريين في سوريا. وتركّزت هذه الرسائل على الاصلاحات المرتقبة في النظام المصرفي السوري، وفرص مرحلة إعادة الإعمار، بالإضافة إلى التحدّيات الاقتصاديّة المستجدة في لبنان.

وخلال الفترة الماضية قام مصرف سوريا المركزي بتسويق إجراءات مصرفيّة عديدة إعلاميّاً، منها على سبيل المثال إقرار "نظام التسويات الإجماليّة" الذي يتيح إنجاز الحوالات داخل سوريا خلال ساعة واحدة بدل أيام. ولعلّ هذا التركيز الإعلامي يهدف تحديداً إلى اعطاء المستثمرين وأصحاب رؤوس الأموال الانطباع بأن النظام المصرفي السوري جاهز للقيام بالتطويرات المطلوبة على أعتاب حقبة إعادة الإعمار والاستقرار والفرص المرتبطة بها. وبينما يكثر الحديث عن إصلاحات أخرى في مجال الفوائد وغيرها، ستكون هذه الأمور من بين المغريات التي سيستعملها النظام لاستعادة الودائع في الخارج.

الأكيد اليوم أنّ النظام السوري يعرف أهميّة جذب رؤوس الأموال لتمويل عمليّة الإعمار التي يتحدّث عنها. وهو لن يتوانى عن اغتنام الفرص لاستعادة هذه الأموال إلى نظامه المصرفي في ظل القلق الذي يعاني منه الاقتصاد اللبناني اليوم. لكنّ السؤال الأساسي سيكون في الفترة المقبلة عن الأثر الذي ستتركه مغادرة هذه الرساميل في النظام المالي اللبناني، بل سيكون السؤال أيضاً عن أثر انتعاش النظام المصرفي السوري في المستقبل على حساب لبنان خلال حقبة إعادة الإعمار، وتحديداً لجهة امكانيّة استقطاب سوريا ودائع ورؤوس أموال غير سوريّة بالضرورة من لبنان!

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها