الإثنين 2018/06/25

آخر تحديث: 01:10 (بيروت)

خامنئي.. تصعيدٌ في وجه العقوبات

الإثنين 2018/06/25
خامنئي.. تصعيدٌ في وجه العقوبات
طهران تختبر حرب ترامب التجارية على الصادرات الاوروبية إلى أميركا (Getty)
increase حجم الخط decrease

وضع مرشد الثورة الايرانية علي خامنئي حدأ للرهانات على نفاذ ايران من العقوبات الاقتصادية الدولية والاميركية خصوصاَ. إذ استبق اجتماعات مجموعة العمل المالي الدولية المعروفة اختصاراً FATF Financial) Action Task Force) التي بدأت في باريس الأحد (24 -26 حزيران 2018) باعلانه رفض توقيع اتفاق الأمم المتحدة لمنع تمويل الارهاب. وقد ضيّق موقف خامنئي هامش المناورة الذي سعى إليه الاتحاد الاوروبي للابقاء على العلاقات التجارية والاستثمارية مع طهران، بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي.

كانت مجموعة العمل الدولية رفعت مروحة واسعة من العقوبات عن ايران في 2016. ونالت وعداً من طهران بدرس الانضمام إلى الاتفاق الأممي لمنع تمويل الارهاب في غضون شهور. قبل نحو أسبوع أرجأ مجلس الشورى الايراني مناقشة الموضوع. وكان يفترض أن يبته قبل اجتماعات المجموعة الدولية المعنية في باريس. وسرعان ما حسم خامنئي الأمر في 20 حزيران الجاري برفض الاتفاق. لو تقرر في اجتماعات باريس إعادة ايران الى اللائحة السوداء، ستكون البلد الثاني مع كوريا الشمالية المشمولة بالعقوبات الاقتصادية المشددة.

نستنتج من موقف خامنئي، أن طهران ربما تسعى إلى اختبار الحرب التجارية التي أعلنها الرئيس الاميركي دونالد ترامب على الصادرات الاوروبية إلى الولايات المتحدة. الموقف له ما يسوغه ضمناً. لكنه ينطوي على مخاطر. أما المسوغ، فالتدابير الاوروبية المضادة للرسوم الاميركية قد تكون في بدايتها طالما استمر ترامب في تصعيد الحرب التجارية ضد اوروبا. الأمر يتجاوز الرفض الاوروبي لخروج ترامب من الاتفاق النووي، والضرر الذي ألحقه بالاستثمارات الاوروبية في ايران. الاتحاد الاوروبي خسر هذه الجولة مع الولايات المتحدة. الشركات الاوروبية العملاقة المستثمرة في ايران، والتي توقعت بعد رفع العقوبات الفوز بمشاريع استثمارية كبيرة في سوق عطشى للرساميل الأجنبية، هي التي قررت انسحابها من ايران لاجتناب العقوبات الاميركية. ولحماية مصالحها في الولايات المتحدة. عملياً، رضخ الاتحاد الاوروبي للضغط الاميركي من بوابة القطاع الخاص الاوروبي كما كان متوقعاً.

الحرب التجارية والرسوم الجمركية التي فرضها ترامب على صادرات دول الاتحاد، مسألة مختلفة تماماً عن العقوبات الاميركية على خلفية الملف النووي. فالرسوم الجمركية تطاول اقتصادات دول الاتحاد الاوروبي وشركات القطاع الخاص الاوروبي بالذات. دول الاتحاد شعرت بالمهانة وجهها ترامب. ولا بد من الرد بارادة سياسية تحفظ ماء الوجه، وتحمي في آن المصالح الاقتصادية الوطنية. وشركات القطاع الخاص لن تكون في المبدأ خارج هذا التوجه، لأنها المتضررة مباشرة. الاتحاد الاوروبي ما زال يراهن على مراجعة يقوم بها الرئيس الاميركي ويلغي الرسوم الحمائية. في حال لم يأبه وقرر حرباً تجارية مفتوحة، فالاتحاد لن يصمد في هذه الحرب سوى بتوسيع تحالفاته التجارية مع الصين ودول آسيوية وأفريقية. ومع كندا والمكسيك ودول اميركا اللاتينية. وقد بدأت نواة هذا الحلف في التشكل. وهذا السيناريو يقود إلى فوضى عارمة في النظام التجاري الدولي. ولو صحّ افتراضاً، قد تراهن عليه طهران لتوظيف الغضب الاوروبي والدولي على سياسات ترامب، ولعودة الشركات الاوروبية المستهدفة بتلك السياسات الى ايران وتتجاهل العقوبات. ربما كان هذا هو المسوغ الذي راهن عليه خامنئي برفض توقيع طهران على اتفاق مكافحة تمويل الارهاب.

وأما مخاطر الموقف الايراني، فتكمن في بقاء طهران خارج اتفاق دولي لمنع تمويل الارهاب تشرف على تنفيذه مجموعة العمل المالي الدولية. ودول الاتحاد الاوروبي فاعلة فيه. وهو مدعوم بارادة سياسية متينة، ومؤطر باجراءات تنفيذية شديدة التعقيد. خصوصاً عبر منافذ النظام المصرفي والمالي الدولي. وقناة التحويلات منه واليه لا بدّ لها من عبور نظام سويفت (Society for Worldwide Interbank Financial Telecommunication) ورمز سويفت لا غنى عنه حتى للتحويلات الشخصية  عبر العالم.

سيناريو الرد الاوروبي على حرب ترامب التجارية باقامة منظومة تجارية مضادة من الدول المتضررة، يستحيل اكتماله من دون سويفت والمنافذ المالية والمصرفية. بروكسل تستضيف سويفت. وهي مؤسسة مستقلة عن الحكومات، وتديرها مجموعة من كبريات المصارف العالمية الاوروبية والاميركية. لو ذهب الاتحاد الاوروبي بعيداً في اجراءاته المضادة للحرب التجارية، وقرر مدعوماً من القطاع الخاص فتح المنافذ المالية والمصرفية للتحويلات دعماً لتحالفاته التجارية الجديدة المضادة مع عدد كبير من الدول على امتداد القارات الخمس، يعني أن الحرب تحولت مصرفية أيضاً تهدد النظام الاقتصادي الدولي برمته. وطهران تعتقد أنها ستكون الرابح الأكبر من هذا التحول.

بيد أن السؤال يعيد يفتح الجدل الواسع حيال استعداد المصارف الاوروبية للتضحية بمصالحها الهائلة في السوق المالية والمصرفية الاميركية خدمة لمصالح القطاع الخاص الاوروبي نفسه، حتى لو وُجدت ارادة سياسية اوروبية قوية تدعم هذا الاتجاه. الجواب لا. وستخسر اوروبا المعركة الثانية في قطاع المصارف الاوروبي الذي سيمتثل للعقوبات الاميركية. بعدما خسرت معركة استثماراتها ومشاريعها في ايران إثر قرار انسحاب عمالقة الصناعات الاوروبية المتعددة الجنسيات من ايران.

في أيار الماضي راجت معلومات مفادها إن المستشارة الالمانية أنجيلا ميركل تسعى الى تحييد سويفت من العقوبات المالية والمصرفية الاميركية على طهران لسداد مدفوعات استيراد النفط وثمن الصادرات الاوروبية إليها. وكان أن سارعت وزارة الخزانة الاميركية وأدرجت المصرف المركزي الايراني وقيادته في لائحة تمويل الارهاب، لقطع الطريق على معاملات محتملة مع المصرف المركزي الاوروبي حتى بعملة اليورو.

نظام سويفت يشرف عليه المصرف الوطني البلجيكي، بما يتسق مع توجهات المصرف المركزي الاوروبي. بعيداً من الاتفاق النووي الايراني، فالمصرفان ملزمان بما لم ينص عليه الاتفاق النووي مع ايران. "عدم تمويل الأنشطة غير المشروعة". الصواريخ الباليستسة من بينها. ودعم النظام السوري والمنظمات الأخرى المصنفة تابعة للحرس الثوري وفيلق القدس وانتهاك حقوق الإنسان. الأرجح أن المصرف المركزي الاوروبي لن يعبث في هذا الميدان. فاتفاقات الاتحاد وقوانين بروكسل تحول دون ذلك. وفي مجلس ادارة سويفت إثنان من أكبر المصارف الاستثمارية في العالم. جي بي مورغان وسيتي غروب الاميركيان. عودة ايران إلى حظيرة سويفت التي حصلت بعد الاتفاق النووي ستلغى على الأرجح في 4 تشرين الثاني 2018. المهلة تسري على الشركات الاوروبية وغيرها لتصفية أعمالها. كل ذلك بـ"الرضا والقبول". وإلاّ "لا تعامل مع اميركا". هكذا يقول ترمب. إثنان في العالم يعلمان ماذا يريدان. ترمب وخامنئي. لكن كيف؟ وما هي فرص النجاح؟

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها