الإثنين 2018/06/18

آخر تحديث: 00:39 (بيروت)

مافيا الإغراق وتبديد الموارد

الإثنين 2018/06/18
مافيا الإغراق وتبديد الموارد
مئات الأطنان من الفواكه والخضر تدخل إلى لبنان بطريقة غير شرعية (الأرشيف)
increase حجم الخط decrease
200 طن من البطاطا السورية تدخل إلى لبنان يومياً بطريقة غير شرعية. ولبنان في عزّ موسم انتاج البطاطا. فواكه وخضار من جميع الأصناف تدخل بالطريقة نفسها. تجارة الفاكهة والخضار على امتداد لبنان مسيطر عليها من تجار سوريين على مستويات عدة. المزارعون يصرخون بلا طائل. شاحنات ضخمة مقطورة تحمل آلاف الأطنان من الحجر والرخام والسيراميك تعبر يومياً. وهذه صناعة لبنانية متقدمة. لبنان خاضع لحصار بري منذ الأزمة في سوريا 2011. يصدر بحراً بتكلفة عالية عبر المستوعبات. الملبوسات ومشتقات النسيج تروج بأسعار اغراقية. محال لبنانية تعمل في تجارة التجزئة تقفل عنوة. خصوصاً في البقاع ومناطق جبل لبنان وبعض العاصمة. سوق بحمدون مقفلة منذ سنوات للأسباب نفسها. حتى في موسم الإصطياف. البطالة فوق 25% وتتجاوز 30% في صفوف الخريجين والمهرة والشباب. بناة المستقبل يقال. لا علاقة لذلك بملف النازحين السوريين في الخيم والمهاجع التي تفتقر إلى الحياة الانسانية حداً أدنى. هذه ملفات مستقلة بذاتها ترعاها دولة من المافيات المشتركة اللبنانية السورية محمية سياسياً وأمنياً. "على عينك يا تاجر" المثل الشعبي الأكثر رواجاً هذه الأيام. شرايين الاقتصاد تجف. والبلد ينزف. والمواطن الآدمي مهان ومحتقر كل يوم. من يستطيع المغادرة يفعل. أو يلتحق بزبائنية النظام وتجار الطائفية. لا دستور يعمل. ولا قانون يطبق. ولا أحكام قضائية تنفذ إلاّ على معدومي الحال المقطوعين عن جذر الزبائنية.


لبنان المفلس بعلم الحساب البسيط والمحاسبة القانونية، يستمر في الاعتداء على موارده الطبيعية والبشرية. أي على الذخيرة المتبقية للخروج من الافلاس. في "دولة لبنان القوي" هذا أكبر مسّ في السيادة الوطنية. أن نستهلك أكثر مما ننتج. وننفق أكثر مما نُدخل. ونستدين أكثر من قدرتنا على السداد. ونصحِر مواردنا الطبيعية. ونهجر مواردنا البشرية. قادرون على الخروج من الأزمة لو احسنّا استغلال الموارد. التفريط بالموارد للخروج من الافلاس بدلاً من الذهاب الى الهاوية خيانة وطنية. مفهوم السيادة له أفنان وشعاب. في مقدمها السيادة الاقتصادية على مواردنا الطبيعية. السياسات الحكومية التي تنتقص من استغلال الموارد والطاقات الكامنة في الاقتصاد اعتداء على السيادة. في حال لبنان المهدد بالهاوية، هي أخطر من احتلال الأرض. وفي حال الشعب المهان والمهجوس بالعوز والبطالة والقمع النفسي والخوف من غده، والمفتقر الى أبسط أنواع الرعاية الاجتماعية والصحية، لا تعوز الطامعين بالأرض والوطن أسلحة فتاكة. فالشعب في أفتك ما يكون الفتك. معتدى على انسانيته، ودونها كل صنوف السيادة.

أن يُسمح لعصابة من الخارجين على القانون استيراد 200 طن من البطاطا كل يوم وفي موسم الانتاج، إهدار للموارد الطبيعية والبشرية وانتهاك للسيادة الاقتصادية والدفع في اتجاه الهاوية. أن تُغرق الأسواق المحلية بسلع صناعية ننتج أفضل منها، ومدعومة في بلادها والسلطات تتفرج، إهدار للموارد الاقتصادية ودفعٌ في اتجاه الهاوية. الأمر إياه في حرمان الخزانة المفلسة والدائنة من الرسوم. "200 طن من البطاطا يومياً هذا ليس تهريباً"، يقول رئيس تجمع مزارعي البقاع إبراهيم ترشيشي ورئيس جمعية المزارعين اللبنانيين أنطوان الحويك. صحيح، إذ كيف يمكن أن تعبر خلسة الشاحنات والمقطورات محملة انتاجاً زرعياً وصناعياً من منافذ الجمارك والأجهزة الأمنية؟ رضينا. المنتجات موجودة في الأسواق وتباع يومياً، وأحياناً لا يباع غيرها. هل تباع ذلك تهريباً أيضاً؟ وفي كل الأحوال، لا رسوم تجبى على المبيعات ولا ضرائب للخزانة. أين رئيس الجمهورية والحكومة ووزارة المال ورقابة مجلس النواب؟ يصرخ رئيس تجمع مزارعي البقاع: "نطالب بوزير زراعة قلبه على الزراعة، يتفاعل ويتعاطف مع المزارعين، ويسمع شكاويهم ومطالبه، ويمنع استيراد ما لسنا بحاجة إليه من الخارج. مثل حليب البودرة، الجبنة، كل انواع الفاكهة والخضار، البطاطا المجلدة البصل اللوز وغيرها". يضيف: "هذا احتلال للأسواق والسيطرة عليها من قبل قطّاع الطرق والمهربين. والكلام ليس ضد النظام السوري ولا ضد السوريين. فالبضاعة السورية تدخل عبر المطار وعن طريق المرفأ وتصدّر إلى الخارج مع المنتجات اللبنانية بحراً بالعبّارات".

رئيس جمعية المزارعين يؤكد أن التفاح السوري في الأسواق. "ولدينا فائض من التفاح اللبناني. بالإضافة إلى منتجات أخرى كالخيار والبندورة وغيرها". ويلفت إلى أنه "حتى اليوم في حال أراد المزارع تصدير موز إلى سوريا يحتاج إلى اجازة من الحكومة اللبنانية. هذا غير منطقي ولم يسبق لنا أن شهدناه في أكثر الانظمة الدكتاتورية. من هنا، يمكننا أن نرى المهزلة التي وصلنا إليها. كان من المفترض أن نصدّر إلى سوريا نحو 30 ألف طن موزاً العام الجاري. لم نصل إلى ألف طن. وهذه كارثة غير مسبوقة حتى اليوم".

نطمئن ترشيشي، لن يأتي وزير قلبه على الزراعة. فقلبه ليس على الوزارة أصلاً. فهي غير سيادية. وقلبه سيادياً ويريد وزارة سيادية! وليخفف الحويك من غلوائه. فالكارثة غير المسبوقة هي هذه السلطة والبطانة التي لم يشهد لبنان لها مثيلاً. وعلينا أن ننتظر في كل يوم من "دولة لبنان القوي" كل ما هو غير مسبوق ولا مألوف. فالزراعة والصناعة هما خزان اليد العاملة. أهمية الأولى إلى جانب علاقتها بالاقتصاد وبالأمن الغذائي، أنها حرفة ذات طابع عائلي في لبنان. عشرات آلاف الأسر مرتبطة بالزراعة. وتتسم بدور اجتماعي وبيئي. أما الصناعة، فمردودها وصادراتها تؤمن في ظروف مواتية مصدراً من مصارد الدفق النقدي للبنان لتحسين الميزان التجاري والمدفوعات. وهي القطاع الأكثر استقطاباً لليد العاملة وخريجي الجامعات والمعاهد الفنية. أحوج ما نكون إليه في الظرف الراهن. نتحدث عن الصناعة الوطنية وليس عن الصناعيين في المطلق. وقد أثبتت الصناعة قدرتها على التصدير إلى الأسواق الاوروبية وغيرها. يفترض أن تعطى حوافز ضمن رؤية اقتصادية حكومية شاملة. لكن للبنانيين الأولوية في الوظيفة الصناعية. ولهم الحق في الانتساب إلى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. خلافاً لذلك، تفقد الصناعة الوطنية ميزتها. لا يجوز تعويض الصناعيين تقصير الدولة بالعمالة الأجنبية.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها