الإثنين 2018/06/11

آخر تحديث: 00:12 (بيروت)

إنعطافة حزب الله اقتصادياً

الإثنين 2018/06/11
إنعطافة حزب الله اقتصادياً
لم يقم حزب الله بمراجعة سياسية- فكرية (علي علوش)
increase حجم الخط decrease
يربط بعض المراقبين اهتمام حزب الله بالملف الاقتصادي، على خلفية معلومات، أن روسيا بدأت تستعد لمرحلة سياسية جديدة على الساحة السورية بعدما ضمنت بقاء بشار الأسد رئيساً في المرحلة الانتقالية حداً أدنى. وبعدما ظهرت مؤشرات على ضغط يمارسه الكرملين على ايران لسحب قواتها من سوريا والقوى المتحالفة معها وفي مقدمها حزب الله. وهو ما أشار اليه صراحة الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله في خطابه الأخير وربطه بطلب صريح من الأسد. ويعتقد المراقبون أن الحرب في سوريا استنفدت الحزب نحو سنوات سبع. وشغلته عن المشكلات الداخلية غير المرتبطة بالأزمات الاقليمية مباشرة. وفي مقدمها الوضع المعيشي والمشكلات الاجتماعية الناجمة عن أزمة اقتصادية ومالية كبيرة في البلد. وقد تكون في حال انسحابه من سوريا مدخلاً لانعطافة الحزب الجِدية نحو الملف الاقتصادي والاجتماعي. جديده مطالبته بحقيبة الأشغال العامة والنقل في الحكومة المقبلة. ويطالب بوزارة تخطيط ضرورية وغير موجودة.

بصرف الاعتبار عمّا إذا اقترب موسم الحصاد في سوريا لتتوزعه القوى التي حمت الأسد ونظامه من السقوط، وعلى رأسها روسيا وايران في الدرجة الثانية، يبني المراقبون اعتقادهم على تفاهم روسي اميركي للحؤول دون بناء جسر النفوذ الايراني الذي يربط طهران ببغداد ودمشق وصولاً الى بيروت. تقاطع المصالح عند هذا السيناريو عريض وواسع. لبنانياً وعربياً ودولياً. من دون إسقاط العامل الإسرائيلي المصر على إبعاد ايران عن الجبهة السورية الجنوبية. في كل الأحوال، لو صحّ السيناريو الذي يملك ثعلب الكرملين فلاديمير بوتين الأوراق الصلبة فيه، كنا لنرى تتمات لم تظهر بعد في علاقات روسيا المأزومة مع أوروبا والمجتمع الدولي على خلفية احتلال شبه جزيرة القرم والملف الأوكراني. ولا تزال روسيا خاضعة لعقوبات اقتصادية تبعاً لذلك. ولم تُحسم بعد قضية الصواريخ الاميركية قصيرة المدى الموجهة إلى روسيا من جيرانها. وكلها أوراق جاهزة لتلعبها روسيا في الملف السوري.

لم يقم حزب الله بمراجعة سياسية- فكرية علناً على الأقل مرة واحدة. ربما كانت مطلوبة بعد التحرير في أيار 2005، كي يندمج الحزب بمشروع سياسي اقتصادي اجتماعي. مشروع يعيد لبنان أولوية لديه على المشروع الإقليمي الذي تقوده ايران. ويعتبر حزب الله نفسه جزءاً لا يتجزأ منه ويجهر بذلك. كان وهج الحزب بعد أيار 2000، والفرح الذي أشاعه تحرير الجنوب والبقاع الغربي من الاحتلال الصهيوني، كافيين كي يبدأ الحزب عملية مراجعة شاملة تفرضها متطلبات المرحلة الجديدة لدور الحزب في الحياة السياسية اللبنانية. وكان الدعم العربي والتأييد الكبير للحزب بعد التحرير كافياً على النحو الذي يمكن استخدامه ورقة قوية لترميم علاقاته بالدول العربية التي شابها فترات طويلة من الجفاء على خلفية نزاعها مع ايران. خصوصاً وأن دول الخليج العربي، وفي مقدمها السعودية وقطر والامارات والكويت هبت لدعم لبنان مالياً. وقدمت مساعدات سخية لإعادة اعمار الضاحية الجنوبية من بيروت، ومدن كبيرة في الجنوب. وجسور وبنى تحتية في أكثر من منطقة لبنانية. كما وأسهمت بقوة في دعم لبنان مالياً في مؤتمر باريس 3.

نادراً ما انتصرت حركة تحرير في العالم ولم تتسلم السلطة. نقاط الضعف أن هدف الحزب توجه بالكامل نحو التحرير. إنما كان يفتقد إلى مشروع وطني عابر الطوائف. وأسقط نهائياً اللازمة الأخرى المتلازمة مع التحرر الوطني. وهي عملية اعادة بناء الدولة وهياكلها ومؤسساتها الدستوريةً، والتنمية الاقتصادية والاجتماعية. حتى أنه أعرض سنوات عن الاشتراك في الحكومة. مع إنه كان يعلم أن الكتلة الشعبية الكبيرة من قواعده التي أمدته بالدعم، وشكلت خزاناً بشرياً له في الحرب، شأنها شأن غالبية اللبنانيين الساحقة، تحتاج الى الرغيف والصحة والتعليم والسكن. وتحتاج الى فرص عمل ومظلة رعاية اجتماعية. وهذه لا يمكن أن تتحقق إلاّ بنمو اقتصادي يؤسس لتنمية مستدامة. ذلك أن النمو الظرفي المعتمد على المساعدات المالية العربية والدولية، ليس وصفة ناجعة للتنمية. وليست شروطها السياسية لتتلاءم بالضرورة مع البلد المدين.

كان يعلم أن المعادلة الطائفية الدقيقة والمعقدة، قادرة على صنع الاستثناء في لبنان، وكسر معادلة من يحرر يستلم السلطة. لأن المعادلة الأسهل القائمة على السلطة للأقوى لا تسري في لبنان. والحزب كان الأقوى بلا منازع بعد التحرير. السيناريو الوحيد الذي كان في إمكانه إحداث الفرق بعد التحرير، كان ليحصل ربما، لو أن التحرير جاء بجهد مقاومة وطنية لبنانية عابرة الطوائف، بصرف النظر أكانت الغلبة فيها للمقاومة الإسلامية أو للمسيحية. اطار تلك المقاومة جبهة تحرر وطني على غرار ما حدث عبر العالم في الدول التي تحررت من الاحتلال. بدا ذلك حلماً جميلاً في جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية. التي حررت بيروت والجبل من العدو الإسرائيلي. وشهداؤها كانوا من كل الطوائف والمذاهب ومناطق لبنان. وحزب الله كان قادراً على أن يكون في قيادة حركة تحرر وطني لبنانية. لم يفعل، بطبيعة تركيبته وتوجهاته الأيديولوجية.

كان تقاسم المهمات السياسية الوطنية منذ بداية التسعينات بين مقاومة الاحتلال وبين شؤون الاعمار والاقتصاد، خطأ فادحاً رأينا نتائجه بعد التحرير. أنجز مشروع اعمار كبير، وتحقق انجاز التحرير، ولم نؤسس لبناء دولة واقتصاد وتنمية وعدالة. احتلال فريق 8 آذار وسط بيروت كان كارثة اقتصادية. ضرب استثمارات بمليارات الدولار الاميركي استقطبها لبنان بعد الاعمار. وقفَلت مقار رئيسة لشركات عالمية تخدم المحيط الاقليمي والشرق الأوسط. ومكاتب العلامات التجارية الدولية المعروفة. بالإضافة إلى الفنادق والمطاعم ودور اللهو والمرافق السياحية. وتميزت تلك الاستثمارات بعمالة لبنانية استقطبت عدداً كبيراً من خريجي الجامعات والمعاهد الفنية والمهارات الحرفية.

حزب الله ما زال القوة الكبيرة في لبنان. أن ينخرط في الورشة الاقتصادية والاجتماعية على مستوى لبنان كما لم يفعل من قبل، ويكون جزءاً من دولة دستور وقانون وعدالة ومؤسسات، لا يُسقط معادلة تلازم التنمية والدفاع عن لبنان. الأوطان الحرة العادلة درع حماية. الدولة المستباحة المفككة والمواطن الممتهن، لا تحميهما كل أسلحة العالم.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها