لو كان الواقع غير ذلك، ليقولوا للشعب لماذا هم عاجزون عن تأليف حكومة؟ وكيف يمكن بناء هياكل النظام الدستورية ومؤسساته خلافاً للدستور. ولماذا يدمرون شكل الدولة وهي دولتهم في الأساس؟ ولماذا يوقظون الفتن الطائفية والمذهبية، ويحضون على الفرقة بين المواطنين؟ والدستور قال إن كل المواطنين متساوون بالحقوق والواجبات. ولم يقل إن الطوائف هي المتساوية حقوقاً وواجبات. قال بالعدالة الاجتماعية بين المواطنين. أين هي العدالة الاجتماعية؟ والدستور يقول نظام الحكم برلماني ديموقراطي. أين هي المعارضة كي يستقيم منطوق الدستور؟ الكل يتشبّث بالدخول إلى الحكومة بشعار كذوب باهت مخادع: "حكومة وفاق وطني"! رضينا انتخابات نيابية على أساس المحافظة، وليس لبنان دائرة واحدة تتيح للبنانيين انتخاب كل النواب. من عكار إلى الناقورة. مسخوا الانتخابات بتجزيء الدوائر غب الطلب الطائفي والمذهبي. مجلس النواب يراقب الحكومة ويسائلها ويحاسبها ويحجب الثقة عنها ويسقطها. يقول الدستور. والوزراء مربوطون بكتل في مجلس النواب. من يراقب من؟ ومن يحاسب ويحجب ثقة؟ من يحيل وزراء الصفقات إلى القضاء؟ فصل السلطات. والساسة أيديهم على القضاء. السياسي لا يخاف القضاء. القضاء يخاف الساسة والحكومة ومجلس النواب. في القضاء بالذات نعيدها تكراراً. ليس أعلى من الدستور ومظلة قوانينه حصانة للقاضي لممارسة مسؤولياته باستقلالية عن السلطة السياسية. واجبات القضاء تقتضي ذلك. والقاضي مصون بالدستور حصناً منيعاً. فليفعل القضاة الشجعان الشفّافون العادلون. لو فعلوا لاستقام الكثير من الإعوجاج. حسبهم أن الشعب معهم والحفاظ على القسَم. وقيام دولة عادلة ومؤسسات. وليذهب زعماء الطوائف وسدنة النظام الفاسد إلى الجحيم.
باسيل وإخباره
برسم النيابة العامة تصريح الوزير جبران باسيل إخباراً. "الوزير القوي في دولة لبنان الضعيف"، غرّد في 20 كانون الأول 2018 على موقعه بالآتي: قد يضحك علينا البعض لأننا نسعى لنجمع مئة دولار من ألف شخص في الشهر، لنحصل على مئة ألف دولار شهرياً. لأني اعرف أن هذا الرقم هو أقل من حصة فريق معين من البواخر، وآخر من بواخر النفط والتزام طريق، أو مطار، أو مرفأ، أو خدمة اتصالات، أو طبع بطاقات أو غير ذلك. انتهى الاقتباس. عجيب هذا الوزير يتحدث عن حصص في الكهرباء والبواخر بالذات وهو وفريقه السياسي المسؤول الأول عن وزارة الطاقة منذ سنوات. يتحدث عن ملفات فساد بمليارات الدولار الاميركي في قطاعات مهمة جداً للدولة والشعب. حسناً فعل. ليستدِعه القضاء ومجلس النواب بصفته نائباً. هل يفعلان؟ حاشا وكلاّ.. باسيل يقول للمواطن اللبناني الذي تظاهر أمس أن استمر في التظاهر. "فلدينا من الملفات والمستندات أكثر مما لديك".
جمهور الأحزاب
غاب العَسس عن تظاهرات أمس كما حصل في 2015، حين اندسّ بعضهم في تظاهرات الحَراك الشعبي والمدني. علناً على الأقل. بل لُحِظ أن أعداداً من المتظاهرين من تلاوين أحزاب السلطة اشتركوا في التظاهرات وكانت لهم مواقف قاسية من قياداتهم. الأمر الذي يمكن أن يوسع دائرة الاعتراض الشعبي السلمي، من دون أن يعني أن الأحزاب السلطوية ستقف متفرجة على تصاعد وتيرة الاحتجاجات في بيئتها السياسية. ونقول لقواعد تلك الأحزاب، أنتم أيضا من الشعب وفي قاع الفقر والعوز. قادتكم لا يصنفونكم مواطنين. بل زبائن غب الطلب. في الانتخابات النيابية، وفي التحشيد الطائفي والمذهبي والفتنوي. إذا أردتم الانتفاضة على الظلم والآفات التي تعيشون مع الشعب الللبناني، فأفضل نضال يمكنكم القيام به أن تنتفضوا حيث أنتم على قياداتكم أولاً، لتفهموها أنكم مواطنون لا زبائن. وأنكم على دراية وتعلمون مفاسدها. وأن زمن الجماهير الغفورة قد ولّت. ولن تغفرون من جديد. وأن "أبتاه لن يغفر لهم لأنهم يعرفون ماذا يفعلون". وأنكم لا تكدحون لإعالة أسركم وتعليم أولادكم لترسلوهم هدايا إليهم. وأن الخدمات الزبائنية التي يقدمونها لكم بالتقتير، إنما هي حقوق لكم وممولة منكم، ومن خزانة الدولة التي أفرغوها. يبيعونكم إياها ويشترون بها ولاءكم. ونقول للشباب والصبايا من الجيل الجديد الذي حصّلوا تعليماً و/ أو في سن العمل، أن الحق في العمل من حقوق الإنسان البديهية. وأن بلداً يضيق بأبنائه ولا يوفر هذا الحق، لهم يُسأل عنه زعماؤه أنفسهم في الأحزاب السلطوية. فالكفايات العلمية والمهنية ليست للتصدير، بل لتنتج وتصدر منتجاتها سلعاً وخدمات تجزي قيمة مضافة لاقتصاد الوطن. ولا بأس أن تقولوا هذا لقادتكم وفي الشارع أيضاً. إننا لا نخافكم. أخيفوهم أنتم.
أما للواعظين من كل طيف ولون، لقد بطرتم كثيراً في الدنيا. تعيشون سلاطين، وتعظوننا بالآخرة عزاءً، لقاء فقرنا في الدنيا وجوعنا، وتعدوننا بجنّة للمساكين تجري من تحتها الأنهار. وأنتم ترفلون بالمجوهرات تتوشون بها، وبالأحجار الكريمة في البناصر والخناصر، وتفتعلون عطفاً على الفقراء والمُعسرين. وقولوا لهم، ومن قال أن الشعب يريد الجنّة على جوع! هل يتنازل سدنة النظام عن المنافع لانقاذ الوطن؟ ربما لأجل. لكن الشعب أمهلكم كثيراً.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها