الإثنين 2018/11/05

آخر تحديث: 00:49 (بيروت)

إيران محمية.. من يحمي لبنان؟

الإثنين 2018/11/05
إيران محمية.. من يحمي لبنان؟
أزمة تشكيل الحكومة قد تستدرج عقوبات على لبنان أخطر من العقوبات على إيران (علي علوش)
increase حجم الخط decrease


يُرتقب أن تؤدي العقوبات الأميركية الجديدة على صادرات النفط الإيرانية التي تبدأ مفاعيلها اليوم، إلى تصعيد التوتر في المنطقة بين طهران والولايات المتحدة. أن تتزامن العقوبات مع  ذكرى 39 عاماً على احتلال السفارة الأميركية في طهران في تشرين الثاني 1979، فهذا تأكيد من واشنطن على الوسائل الاقتصادية لجبه النفوذ الإيراني في المنطقة. لبنان من مناطق النفوذ الإيراني كما يجهر القادة الإيرانيون. العقوبات على حزب الله مفتوحة على إيقاع الصراع في المنطقة. ولبنان الغارق في أزماته السياسية والمالية والاقتصادية والاجتماعية بلا حكومة. وبينما يسخّر لبنان وقطاعه المصرفي كل أجهزة الإنذار المبكر لتلافي أي سقطة توقعه في محظور العقوبات من جديد، يظهر حزب الله في اللحظة الأخيرة عقبة في وجه تشكيل الحكومة ومانعاً.

 

هامش المناورة

النظام الإيراني اعتاد على العقوبات، وتكيف في التعامل معها ومع اختبارات الضغط. صادرات النفط لطهران هي المورد الرئيسي من العملات الأجنبية، لتمويل فواتير الغذاء والدواء والتزامات الدولة. لا تخفي واشنطن  أن هدف العقوبات النهائي تغيير النظام الإيراني من خلال النقمة التي قد تستولدها العقوبات في الشارع. وقد شهدت شوراع طهران والمدن الإيرانية في العام 2018 احتجاجات بلغت حد الصدام الدموي مع السلطة. الرهان على الشأن الاجتماعي ومستوى الرفاه في أنظمة الديكتاتورية وحكم الفرد، ربما احتاج عقوداً لاختباره. وحين اختلاط المشاعر القومية والوطنية والدينية، بالأزمات المعيشية والاقتصادية، يتوفر للنظام هامش مناورة واسعاً لتدوير الأزمات. العقوبات النفطية استثنت موقتاً ثماني دول لا تشملها االعقوبات لو استوردت النفط الايراني. ستصدر لائحة بأسمائها من وزارة الخزانة الأميركية في وقت قصير، بينها كوريا الجنوبية والهند واليابان وايطاليا. تركيا تقول إنها ضمن لائحة الاعفاءات. معظم تلك الدول زبائن نفط لدى إيران بالإضافة إلى الصين. مصادر المؤسسات المالية الأميركية تقدّر أن إيران تحوز نحو 100 مليار دولار أميركي احتياطاً في المصرف المركزي. واستعدت سلفاً فتمونت غذاءً ودواءً في فترة 180 يوماً، حين أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب في أيار عن عقوبات نفطية في الطريق. كل ذلك لا يعني نجاة طهران من أثر العقوبات النفطية. الاعفاءات قد تكون لأشهر معدودة. ويبدو أن شروطها التزام الدول المشمولة بها الوصول بوارداتها النفطية من إيران بعد نفاد المهلة المحددة إلى صفر. ومشكلة إيران الاقتصادية تتمثل بجمود الاستثمارات الخارجية المباشرة. وحظر استخدامها نظام سويفت الدولي للتحويلات المالية. وقد بقي هذا المانع ملتبساً حيال الدول المستثناة من حظر الاستيراد.

 

نتنياهو وترمب

لا يبدو أن طهران تستعجل تحقيق مطلب واشنطن بالحد من "زعزعة الاستقرار في المنطقة"، أو التنازل عن تطوير منظومة الصواريخ الباليستية. هي مستمرة في خوض معاركها بالوكالة من خلال مناطق نفوذها. وواشنطن مستمرة في استخدام السلاح المالي والاقتصادي. رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو لا يفرّق بين إيران وبين حزب الله. ويدّعي وجود مصانع صواريخ للحزب في لبنان يهدد بقصفها. ويصعّد تهديده ليشمل لبنان كله والبنى التحتية فيه. لا يكذب المسؤولون في طهران ادعاءات نتنياهو. يذكروننا على الدوام بخريطة طريق الحلف الممانع من طهران وبغداد إلى دمشق وبيروت. وكما نتنياهو، يتعاطى ترمب مع حزب الله امتداداً للنفوذ الإيراني في المنطقة. فيشمله بالعقوبات المالية والمصرفية.  

 

تحييد الحكومة

العقوبات الاقتصادية الأخيرة على حزب الله لم تشمل وزراء الحزب في الحكومة اللبنانية ونوابه. تواقيعهم سارية المفعول للتصرف في الاعتمادات المالية المرصودة للوزارات. يعني أن الإدارة الأميركية تحيّد الحكومة اللبنانية عن العقوبات. الحديث عن إشكالات رافقت مسألة تسمية وزير في الحكومة الجديدة المفترضة من الحزب لوزارة الصحة، واحتمالات أن يشكل الأمر ضرراً على اتفاقات وبروتوكولات صحية مع الخارج، على خلفية الحظر المفروض على الحزب، لا يبدو في موقعه لسببين. الأول أن الوزير في سياق ممارسة شؤون وزارته المالية وحق التوقيع على الصرف والإنفاق إنما يحصل لحساب الحكومة اللبنانية وليس لحسابه الخاص. الثاني، لا يوجد حظر على حكومة لبنان والدولة اللبنانية وعلى علاقاتهما المصرفية في الداخل والخارج، كما سبقت الإشارة، في صرف الاعتبار عن انتماء الوزير لحزب الله من عدمه. لو كان الأمر مغايراً، لأُدرج لبنان وحكومته في لائحة العقوبات الاميركية. وهذا شأن أممي يتصل بدولة عضو في الأمم المتحدة. ولم يحدث حتى لكوبا وكوريا الشمالية. وتعلم الإدارة الأميركية أن حزب الله جزء أساسي من الحياة السياسية في لبنان والمجتمع اللبناني. ومن الطبيعي أن يكون أحد مكونات مجلس النواب والحكومة. وترمب غير قادر مهما بلغ به الصلف أن يتجاوز هذا الشأن. لأن الولايات المتحدة نفسها تخصص مساعدات مالية وعسكرية وأمنية للبنان، وأخرى على صلة بمساعدات الوكالة الأميركية للتنمية الدولية الحكومية (USAID).

 

لائحة العقوبات الجديدة على حزب الله لم تضف عقوبات نوعية جديدة ضد الحزب. لكن  التعديلات على قانون العقوبات الاقتصادية الذي أقرّه الكونغرس أخيراً، خوّلت الرئيس فرض مزيد من العقوبات النوعية على الحزب من دون العودة إلى الكونغرس. وهنا موضع الخطورة مع رئيس بمواصفات ترمب. لم تلحظ العقوبات الأخيرة على الحزب حسب ما فهمنا من مراجع لبنانية معنية وموثوقة، الكيانات التابعة للحزب، الصحية والتعليمية والاجتماعية. لكنها تشمل حكماً الكيانات الاقتصادية والاستثمارية التي تعتقد الإدارة الأميركية إنها على صلة بالحزب وممولة من المساعدات الإيرانية. بيد أن الكيانات المذكورة نفسها عرضة -حسب المراجع - للعقوبات، على إيقاع توتر العلاقات الأميركية الإيرانية.

 

استدراج الخطر

هذا عن إيران وحزب الله والصراع الإقليمي. ماذا عن لبنان الوطن المنهك بأعباء الصراع؟ وقد بلغ صلب الخطر والاحتمالات الكبيرة سياسياً ومالياً واجتماعياً. الكل يسأل لماذا عرقل حزب الله في اللحظة الأخيرة تشكيل الحكومة؟ والكل يعلم أن القوى السياسية تخيط حقائبها الوزارية وتصمم وزراءها ومصالحها السياسية على مقاس طوائفها. أن يلعب حزب الله في ملعب غيره بعد أن ضمن حصته من الحكومة، تفسيره إمّا لكسر فريق آخر ( أو فريقين هذه المرة رئيس الجمهورية والرئيس المكلف تشكيل الحكومة)، وإمّا للحؤول دون حكومة، وربط تأليفها بتطورات المنطقة كورقة في يد إيران، طالما لم يحصل الحزب على أرجحية في مجلس الوزراء للسيطرة على القرارات المعنية بوضع المنطقة. فتح أزمة تشكيل الحكومة على هذا النحو، يستدرج عقوبات على لبنان أخطر من العقوبات على إيران وحزب الله. إيران محمية. من يحمي لبنان؟

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها