الخميس 2018/11/29

آخر تحديث: 00:14 (بيروت)

هذه هي حقيقة أزمة إقفال المؤسسات التجارية

الخميس 2018/11/29
هذه هي حقيقة أزمة إقفال المؤسسات التجارية
إقفال 33 مؤسسة متنوعة وترخيص لـ600 مؤسسة صناعية (علي علّوش)
increase حجم الخط decrease
لا شك أن الازمة الإقتصادية باتت واقعاً، ومؤشراتها تكاد لا تحصى، فلا يختلف اثنان على وقوعها، إنما رؤى وتفسيرات البعض لحجم الأزمة وأسبابها، تجيز طرح العديد من علامات الإستفهام، حول صحة الحديث عن انهيار إقتصادي وشيك، وحول خلفيات التهويل والمبالغة في تصوير الواقع الإقتصادي.

مغالاة وتهويل
وللقطاع التجاري الدور الأبرز في نقل صورة الأزمة الإقتصادية، التي دقت أبواب العديد من المؤسسات والمحال التجارية، منذ بداية العام وحتى اليوم، فأقفلت عشرات المؤسسات التجارية والصناعية، من جهة، واتجهت مئات المؤسسات إلى ترشيد نفقاتها، عبر صرف موظفين أو تقليص مستحقاتهم من جهة أخرى.

لكن رغم واقعية الأزمة الإقتصادية، إلا أن تصوير بعض القيمين على القطاع التجاري، أن مرحلة انهيار المؤسسات والكيانات التجارية والإستثمارية أصبحت وشيكة، وربما وقعت بالفعل، يفتح الباب على العديد من التفسيرات لسياسة "المغالاة" والتهويل، لاسيما بالنظر إلى اختلاف وربما تناقض التقييم لواقع الأزمة، بين أطراف الإنتاج وبين أصحاب المؤسسات أنفسهم.


"الإنهيار" والسلسلة
"لا أرقام رسمية لعدد الإقفالات بين المؤسسات التجارية ونحن نتابع مع الضمان الإجتماعي لتحديد الأرقام الدقيقة". بهذه العبارة، يختصر رئيس جمعية تجار بيروت حديثه لـ"المدن" عن صحة الكلام عن تدهور القطاع التجاري، غير أن نقولا شماس كان أكد، في وقت سابق، تراجع النشاط في الأسواق التجارية في النصف الأول من العام الحالي بين 20 و30 في المئة، ليصل في بعض الأحيان إلى 50 في المئة، ولم يتردّد حينها من وضع غالبية الشركات في خانة المتعثرة، "لا بل في خانة المفلسة مالياً" على حد تعبيره، محذراً من أن الاقتصاد اللبناني يعاني من "خطر وجودي".


ولحالة "الإنهيار الوشيك" تلك، العديد من الأسباب، أبرزها حسب شماس، إقرار سلسلة الرتب والرواتب للموظفين، لكون السلسلة موّلت من الضرائب والرسوم.

إذاً، هي سلسلة الرتب والرواتب التي تدفع بالقطاع التجاري إلى "الحضيض" ومعه الاقتصاد اللبناني، وهو ما عبّرت عنه الهيئات الإقتصادية أكثر من مرة بطريقة أو بأخرى.

فكيف يمكن تحميل سلسلة الرتب والرواتب مسؤولية إقفال مؤسسات تجارية، وهي التي زادت القدرة الشرائية لأكثر من 250 ألف موظف حكومي؟

"الإنقضاض" على القانون 46
نعم، الأزمة الإقتصادية والضائقة المالية تنعكسان سلباً على المؤسسات بكافة أصنافها، يقول رئيس الإتحاد العمالي العام، بشارة الأسمر، في حديث لـ"المدن"، إلا أن الأمور ما زالت قابلة للإستيعاب، شرط المبادرة بالمعالجات السريعة، إنطلأقاً من تشكيل الحكومة، مستغرباً تحميل سلسلة الرتب والرواتب مسؤولية التراجع الإقتصادي والتجاري الحاصل.

الأسمر، الذي يعتبر أن العمال هم المتضرر الأكبر من إقفال المؤسسات، إذ أنهم يتعرّضون لعمليات صرف من العمل، يرى أن هناك مبالغات كثيرة في تصوير الواقع التجاري والإستثماري في البلد، عازياً السبب إلى وجود نوايا مبيّتة للإنقضاض على قانون سلسلة الرتب والرواتب منذ إقراره، كما أن استهداف السلسلة، ينسحب على مساعي البعض لإقرار فصل القطاع الخاص عن العام، بالقطاع التربوي، وحرمان أساتذة القطاع الخاص من السلسلة.

التهويل المتعمّد الذي يروّج له البعض، والتحذير من انهيار وشيك، حسب الاسمر، يساق من قبل أصحاب العمل، كحالة إستباقية لقطع الطريق أمام توجه الإتحاد العمالي العام، بعد تشكيل الحكومة، للمطالبة بتصحيح أجور القطاع الخاص، ويشدد الأسمر على أن الإتحاد العمالي لن يسمح بأن يُمس القانون 46 مهما كانت الظروف.


مؤشرات "متناقضة"
رغم غياب الأرقام الدقيقة لعدد "الإفلاسات"، علمت "المدن" بأن قرابة 33 مؤسسة تبلّغ الضمان عمليات إفلاسها وصرفها لموظفين، خلال العام 2018 كما تم صرف نحو 300 موظف خلال مدة زمنية قصيرة. من جهتها، أكدت جمعية الصناعيين في أحد تقاريرها إقفال 387 مؤسسة خلال السنوات الأربع الماضية.

أرقام جمعية الصناعيين تؤكد أن عمليات إقفال المؤسسات، وتراجع قدرتها على الإستمرار، تعود إلى سنوات عديدة، وليست وليدة اليوم، علماً أن ذروة التأزم الإقتصادي بلغت خلال العام 2018. وهو ما ينسف نظرية الربط بين التراجع الإقتصادي وإقرار سلسلة الرتب والرواتب، ولكن ماذا عن أرقام وزارة الصناعة، التي تفيد بتسجيل 600 مؤسسة صناعية جديدة، من مختلف التصنيفات ومنحها تراخيص خلال العام 2018، وكيف يمكن تفسير التناقض بين هذه المؤشرات؟

أزمة وليس انهياراً
"فعلياً، لا تناقض بين المؤشرات السلبية والإيجابية. فالأزمة الإقتصادية واقعية والفرص الضائعة تتزايد، وكلفة الجمود ترتفع"، يؤكد رئيس مركز الأبحاث الإقتصادي في بنك بيبلوس الدكتور نسيب غبريل في حديث الى "المدن"، ولكن هناك من دون شك مبالغات بتصوير الوضع الإقتصادي الحقيقي. وهناك فرق كبير بين الواقع الإقتصادي الراهن، وبين الانهيار الفعلي.

فالمواطن يتعرض إلى سيل من الشائعات والتهويل والتخويف، من انهيار الليرة والمالية العامة، يقول غبريل. والسبب هو أن الوضع الاقتصادي يُستعمل من قبل البعض كورقة ضغط، لتحقيق مكاسب سياسية. وحسب غبريل، فإن الـ 600 مؤسسة التي حازت تراخيص جديدة، هو مؤشر ليس مُفاجئاً، وإنما يجب التوقف عنده، كما العديد من المؤشرات الناسفة لنظرية "الإنهيار الوشيك" التي يبشرون بها.

ويستغرب غبريل الحديث عن انهيار مالي، في ظل غياب أرقام واقعية. "فالأرقام الرسمية تغطي حتى حزيران 2018 ومن بعدها لا أرقام" كما أن أحدث أرقام الحركة الاقتصادية عن الاقتصاد الكلي، التي تصدر عن مديرية الإحصاء المركزي تعود إلى العام 2016.

لا شك أن هناك تحديات كبيرة، يقول غبريل، أهمها خفض حاجات الإستدانة، من خلال تقليص العجز بالموازنة، إضافة إلى ضرورة تحفيز النمو. لكن مفهوم الإنهيار الاقتصادي والمالي أمر مبالغ فيه جداً.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها