الأربعاء 2018/11/28

آخر تحديث: 00:07 (بيروت)

العقوبات على إيران تعطب قطاعات الاقتصاد كلها

الأربعاء 2018/11/28
العقوبات على إيران تعطب قطاعات الاقتصاد كلها
شاغل الناس تتبع سعر صرف العملات مرات وليس مرة واحدة في أثناء النهار (Getty)
increase حجم الخط decrease

منذ أشهر، تتوالى التظاهرات والإضرابات في إيران، منها تظاهرات سائقي الشاحنات، واعتصامات نسائية تطالب بالحق في السفور، أو بالحجاب الاختياري، وتظاهرات متقاعدين خسروا مودعاتهم في شركات ومصارف، استدرجتهم بعرض فوائد عالية على المدخرات، ثم انهارت وأعلنت إفلاسها، وتظاهرات محلية تربطها أوجه شبه كثيرة بتلك التي اندلعت، أخيراً، في البصرة احتجاجاً على تلوث مياه الشفة وإصابات بالكوليرا وغيرها من الأمراض، وتآكل الخدمات العامة (تعطل محطات تكرير المياه وعدم إضافة الكلور إلى مياه الشفة...) ووقوف السلطات العامة موقف المتفرج أمام التصحر، لا بل مساهمة سياسات هدر المياه وإنشاء السدود العشوائية في مفاقمة التصحر. ويعرض، لوي (س) أمبير، موفد "لو موند" الفرنسية إلى إيران في مطلع الشهر الجاري (4-5/11/2018) أحوالها، ويسلط الضوء على الأزمة الاقتصادية والبيئية والخدماتية في البلد هذا، فيما يلي موجز واسع من مقاله الموسوم بـ إيران: بين العقوبات والدولة المجتمع يفقد الأمل:

حلم الصقور
منذ أشهر، تتراكم قضايا الطلاق ومتأخرات المهور أمام المحاكم الإيرانية، وتغص السجون بالأزواج العاجزين عن تسديد المتأخرات هذه. فالذهب، وتُحرر عقود الزواج به، باهظ الثمن، بينما تغرق إيران في الأزمة. وقيمة الريال، العملة الوطنية، خسرت 300 في المئة، وربما 400 في المئة، منذ مطلع 2018. وارتفعت الأسعار على نحو عشوائي ولا يحتمل. وشاغل الناس تتبع سعر صرف العملات مرات وليس مرة واحدة في أثناء النهار. فتجديد العقوبات الأميركية أصاب طهران في مقتل، وذلك منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق على البرنامج النووي الإيراني. ومنذ الخامس من تشرين الثاني (نوفمبر) طاولت العقوبات صادرات النفط، أي قلب اقتصاد إيران.

 وتريد واشنطن تغذية تذمر الطبقات الشعبية والفقيرة، آن تستعد طهران للاحتفال بانقضاء 40 سنة على الثورة الاسلامية، في شباط (فبراير) المقبل. ويحلم "صقور" الإدارة الأميركية بإسقاط الحكم الذي خلف الثورة. وإذا لم يسقط الحكم، وسع الإدارة التنويه أمام الناخبين الأميركيين بحزمها في معالجة المسألة. فإيران قضية سياسية داخلية في الولايات المتحدة، وتحدٍ لا تستسيغه القوة الأميركية، ويحملها بعضهم على تجسيد "الشر".

تحركات مبعثرة
وعشية العقوبات المتجددة، في أواخر 2017، اضطرب المجتمع الايراني وبادر إلى التظاهر والاحتجاج. أما اليوم فيغلب عليه القنوط واليأس. والدولة حائرة في أمرها. وتتكاثر تظاهرات سواقي الشاحنات وأساتذة المدارس وعمال المنشآت النفطية والصناعات الكيماوية وصناعة السكر، وإضراباتهم. ويحتج المزارعون الذين يشكون الجفاف، ومتقاعدو المصارف الحكومية الذين حرموا تعويضاتهم. وهذه التحركات مبعثرة، وتقتصر مطاليبها على مصالح جزئية. ومعظمها الغالب لا يشكك علناً في مشروعية الدولة، وتمتلك قوى الأمن وسائل كفيلة بالسيطرة عليها. وإلى ذلك، يرى إيرانيون كثر بلدهم واحة سلام في وسط منطقة مضطربة، والفوضى مخيفة. ولكن ما لا جدال فيه هو أن الحال الاقتصادية تتردى، والنظام السياسي معطل.

وتبعث التحركات المطلبية الانقسام في صفوف الايرانيين. فبينما يعلن بعض سكان دُرود، وهي مدينة صغيرة على سفح جبال زاغروس، فخرهم بمشاركتهم المبكرة في الحركة التي شملت 80 بلدة ومدينة في أواخر العام الماضي، ومطالع العام الحالي، وسقوط قتيلين في صفوفهم، تتجاهل الأوساط الليبرالية والتقدمية حركة "الطبقات الخطيرة". فهي تخشى إفضاء رد أجهزة الأمن العنيف على التظاهرات والإضرابات إلى إضعاف الرئيس المعتدل، حسن روحاني. وعمدت أجهزة الأمن إلى اعتقال المتظاهرين في منازلهم، وقسرتهم على ترك إقامة شعائر العزاء بالقتيلين اللذين أردتهما. ونظمت تظاهرات مضادة في أنحاء البلاد.

الجفاف
ومذ ذاك يسود الضيق والقلق درود. ويدهش بعض أهلها ويخيفهم انقلاب متطوعي "الباسيج" على جيرانهم، وتوليهم حفظ الأمن بشدة وعنف قاسيين. فهؤلاء المتطوعون الذين تسوقهم الإيديولوجيا، وتربطهم بالحرس الثوري علاقات قوية، خسروا شطراً راجحاً من نفوذهم منذ تولي حسن روحاني الرئاسة، وعلى الأخص في محافظة جيلان الليبرالية، على ساحل بحر قزوين. ويكاد "الباسيج" لا يُرون في أحياء طهران الميسورة، على خلاف حالهم في درود حيث مدوا شبكاتهم في المصانع والجامعات ومساجد الأحياء، وألبوا الناس بعضهم على بعض. ويقتص القمع من صنوف التحركات السياسية كلها، فحُكم على نساء حاسرات بعقوبات قاسية. ويتكرر توقيف الصحافيين واعتقالهم. ولكن السلطة اضطرت إلى الإغضاء عن قيام المزارعين في ريف يزد بكسر القسطل الذي ينقل مياه نهر زاينده رود إلى صناعات المدينة، على بعد 200 كلم شرقاً، في 16 تشرين الأول (أوكتوبر) المنصرم. واستقبل المزارعون انبجاس الماء من الأنبوب بفرح وهتفوا: "إنه نهرنا".

ويذكر المزارعون أنهم كانوا، قبل اقتصار نهر زاينده رود، على ساقية، يزرعون بساتين من الفاكهة على أنواعها، ويصدرون أحمالاً من الخيار والفليفلة الحلوة والبندورة إلى روسيا والعراق. وحلت صحراء غبراء محل البساتين ومساكب الخضار. فالجمهورية الاسلامية تسيء استغلال مياهها. فهي لم تحل دون تكاثر الزراعات وتوسعها، ولم تراقب تبديد المياه وصرفها كيفما اتفق. واستهلكت مصانع الصلب في يزد وأصفهان الموارد المائية من غير حساب. وقد تمسي إيران، بعد 30 سنة، صحراء يستحيل سكنها. وتشبه هذه الحال انتحاراً بطيئاً. ولكن ما العمل؟ فلا يعقل أن تبلغ الدولة المزارعين أن عليهم اختيار مهنة أخرى وإلا قضى أمرهم وكان مصيرهم الاندثار. ومع عودة العقوبات، يحل الانتقال البيئي مرتبة متأخرة على سلم الأولويات. ويروي أهالي زيار، إلى الشرق من أصفهان وتعد 1300 عائلة، أن أحد سكانها وكبار ملاكيها يملك 30 قطعة أرض، ولكنه يعتاش من جمع صناديق الكرتون في شوارع أصفهان وبيعها، ويبلغ من العمر 60 عاماً.

الركض وراء الدولار
ويتهم آية الله يوسف طباطبائي نجاد، خطيب الجمعة في مسجد أصفهان الكبير، المزارعين باللعب بالنار، وبالقيام على "النظام" وتعكير الأمن وتهديده. ويبعث السكان على الهزء والضحك قول الخطيب، في 2016، أن النساء اللواتي يهملن غطاء الرأس يسبب الجفاف بوقاحتهن. ويرد السكان على الرجل بالقول أن مطلبهم لا يتجاوز الماء. وينعي إيرانيون كثر على الحكومة إرجاءها إلى وقت متأخر، وبعد فوات الأوان، الدفاع عن العملة الوطنية. فما أن تحققت عودة العقوبات حتى تراكض الإيرانيون على شراء الدولار والتخفف من الريال. ووظف الأثرياء أموالهم في العقارات، واشترى الفقراء جرار الزيت. وتبددت الثقة في العملة الوطنية ولم يبق من يرغب في حيازتها.

ويتوقع المراقبون أن يتابع الريال الخسارة، وإن على نحو أكثر انضباطاً. واسعار الواردات قفزت قفزات خيالية. وتصيب أسعار الصرف المتحركة على الحدود الصناعيين بالجنون. ومن حسن طالع إيران أن سعر النفط يشهد ارتفاعاً يكفي معه بيع البلد مليون برميل في اليوم (نظيره 1.85 مليون في تشرين الأول) لينجو من الانهيار. ويتوقع صندوق النقد الدولي هبوط متوسط النمو إلى 3.7 في المئة سالبة في 2017، وإلى 3.6 سالبة في 2019. واستدراج الاستثمارات، شأن الاصلاحات، طواه النسيان. وألزمت الشركات الحكومية، وهي تبلغ 70 في المئة من الاقتصاد، بالكف عن صرف عاملين فيها. ولم تزد الرواتب. فترتب على التضخم وقوع معظم العمال والمستخدمين تحت خطر الفقر، على قول أحد الصناعيين الفرنسيين المعفيين من العقوبات.

المصانع المعطّلة
وقطاع السيارات لا يزال ينتج المركبات. ولكنه يفتقر إلى المواد والخامات الأولى، وإلى قطع الغيار. وعلى هذا، يضطر إلى تجميع مركبات غير مكتملة. وتوقف الشركتان الكبيرتان، سايبا وإيران خودرو، سياراتهما المعطوبة في مواقف ومرائب شاسعة. وكانت الشركتان تنتجان 6 آلاف مركبة في اليوم، قبل انسحاب رينو وبيجو. وتنتجان اليوم 2000 عربة في اليوم. وحين يبلغ الانتاج 300 ألف عربة كاسدة لن يسع الدولة إلا مساعدة الشركتين وتعويض خسارتهما. واضطر تجار الجملة والوكلاء إلى صرف 30-50 في المئة من اليد العاملة منذ أيار (مايو). والمجالس النقابية التي تضطلع بالدفاع عن العاملين لا يأمن أعضاؤها التوقيف والمحاكمة، على ما حصل في كانون الثاني (يناير) وآب (أغسطس)، حين أقال مجلس الشورى (البرلمان) وزير العمل.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها