الإثنين 2018/11/12

آخر تحديث: 16:15 (بيروت)

كهرباء زحلة: من الفرمان العثماني إلى عهد باسيل

الإثنين 2018/11/12
كهرباء زحلة: من الفرمان العثماني إلى عهد باسيل
اقترن توليد الكهرباء في زحلة بالنهضة التي عرفتها المدينة في مطلع القرن العشرين (المدن، لوسي بارسخيان)
increase حجم الخط decrease

منذ سنوات يتخوف الكثير من أهالي زحلة من فقدان امتياز مدينتهم، وتنعّمها بالطاقة الكهربائية على مدار ساعات اليوم من غير انقطاع أو تقنين. الخوف يتجدد كلما تم طرح التجديد لرخصة الشركة المنتجة، خصوصاً وأن شركة كهرباء لبنان هي جالبة للعتمة أكثر مما هي "مضيئة".

 
مع طرح تجديد الرخصة كبند على جلسات مجلس النواب، عادت زحلة بتاريخها، يوم الاثنين في 16 تشرين الثاني الحالي، نحو مئة سنة إلى الوراء، إلى زمن المطالبات بتأمين الطاقة في عهد المتصرفية، عندما أُعِدّ مشروع لتوليد الطاقة من مياه نهر البردوني، ورُفع مع عريضة إلى مقام المتصرفية للاطلاع عليه، وطرحه على المراجع "الإيجابية" في الأستانة.

 

الأب الكاهن والمتصرفية

فمصير "الجنّة" الكهربائية، التي تميزت بها زحلة عن سائر المدن اللبنانية بتغذية كهربائية متواصلة 24 ساعة، منذ أربع سنوات، وُضع على جدول الاجتماع المقرر للهيئة العامة لمجلس النواب، من خلال اقتراح قانون حظي بتوقيع أربعة من نواب زحلة، وتوافقت عليه القوات اللبنانية مع حزب الله وتيار المستقبل، على مشارف انتهاء المهلة الممدة للامتياز، في نهاية العام الجاري. وبالتزامن، نظمت الهيئة العامة لمتابعة الملف اعتصاماً حاشداً في المدينة، شددت أثناءه الكلمات على رفض إنهاء عقد شركة كهرباء زحلة، وحذرت من العودة إلى "العتمة".

إلا أن قصة زحلة مع الكهرباء أبعد من تغذية متواصلة. هي ميزة جعلت "شركة كهرباء زحلة" من المسلمات التي دخلت في تاريخ المدينة، وشاهدة على نزعتها للـ"مبادرة" في اتخاذ قراراتها منفردة.

 

اقترن توليد الكهرباء في زحلة بالنهضة التي عرفتها المدينة في مطلع القرن العشرين، في محاولة للاستفادة من  مياه نهر البردوني "الهدّارة" حينها، والتي تجري بانحدار 1350 متر من منبعها. فكان أهم هذه الدراسات ما تقدم به الأب يعقوب الرياشي، كاهن الرهبانية الباسيلية الشويرية، الذي كان أيضاً من مؤسسي الكلية الشرقية، وفندق قادري الكبير، دافعه لذلك  أملاك وقف دير مار الياس الطوق، التي  تمتد  غربا باتجاه وادي العرائش، بجوار نهر البردوني مباشرة.

 

حينها دعا الرياشي عضو مجلس إدارة متصرفية جبل لبنان يوسف البريدي، وقائمقامها ابراهيم أبو خاطر، والمهندس سالم رياشي، إلى اجتماع في 28 كانون الاول سنة 1907 للبحث في إمكانية الاستفادة من مياه البردوني المتدفقة، على بعد خمسة كيلومترات من زحلة، بمنسوب مائي يبقى صالحا لتوليد القوة الكهربائية في أشد شهور السنة جفافا. فكلف مجلس الإدارة لجنة مختصة بدراسة مشروع، وافق عليه في سنة 1910، وحوله إلى المراجع العليا في الأستانة، التي تمكَّن الأب يعقوب الرياشي في سنة 1912 من انتزاع  فرمانها الـ"شاهيني" بإمتياز، حددت مدته بسبعين سنة.

 

إلى زمن الانتداب

تعاقد الأب رياشي مع شركة "والتر سيجار" على تأسيس شركة مساهمة مغفلة برأسمال 20 الف ليرة عثمانية، موزعة على 20 ألف سهم. ومع أن نشوء الحرب العالمية الاولى حال دون تنفيذ المشروع، فقد أصرّ الأب رياشي على السير به، حتى بعد انتخابه رئيسا عاما للرهبنة الشويرية في سنة 1917. وبذل جهوداً مع شريكه البريدي عند بداية عهد الانتداب، إلى أن بدأ تنفيذ المشروع منذ العام 1920.

 

في 6 شباط من سنة 1927 تم تدشين "الشركة الكبرى لكهرباء زحلة". وفي اجتماع عقد لمجلس إدارة الشركة في آذار سنة 1934 كشف رئيسه يوسف البريدي عن توسعها لتضم 20 ألف سهم  برأسمال 4 ملايين فرنك فرنسي.

 


تغيب التفاصيل الإدارية، التي جعلت من شركة كهرباء زحلة المساهمة مؤسسة كبيرة، تمتد خدمتها لنحو 40 ألف مشترك في 15 بلدة بين زحلة وقرى قضائها. إلا أن المعلوم أنه بعد استحداث محطة الكرك، تمكنت الشركة من تحقيق استقلالية سمحت بتأمين كفاية زحلة ونطاقها للكهرباء، حتى سنة 1969، تاريخ حصر الإنتاج بمؤسسة كهرباء لبنان، التي نعمت لفترة بفائض إنتاج. حينها صارت مهمة الشركة  توزيع الطاقة التي باعتها إياها المؤسسة "مدعومة"، وتأمين أعمال الصيانة.

 

الصراع المرير

في تسعينيات القرن الماضي انتهت مدة امتياز شركة كهرباء زحلة، كغيره من الامتيازات التي جددت الدولة عقود توزيعها للطاقة، ولكن بعد أن حددت كلفة الكيلو المباع ب 75 ليرة. إلا أن شركة كهرباء زحلة رفضت التسعيرة، وتقدمت بطعن لدى مجلس شورى الدولة، لم يُقبل به حتى سنة 2005 ، عندما اتخذ مجلس الوزراء قراراً، استثنى بموجبه شركة كهرباء زحلة بتسعيرة 50 ليرة للكيلوواط، وسط ما ذُكر عن ضغوطات مورست لصالحها، من قبل السلطة السورية الحاكمة حينها.

 

كانت هذه فترة التميز في الشركة، التي دخلت في طور "خدمة ممتازة"، أرساها خصوصا المهندس أسعد نكد، الذي كان قد تسلم إدارة الشركة منذ الثمانينات، وبدأ البحث عن كيفية تأمين الكهرباء 24 ساعة متواصلة.

 

أما بارقة الأمل الأولى فقد حلت في سنة 2006، مع صدورقانون ينظم قطاع الكهرباء ويسمح من خلال بعض التعديلات بمنح أذونات وتراخيص الإنتاج بقرارات من مجلس الوزراء، بناء على اقتراح وزير الطاقة لسنة واحدة، ولحين تعيين أعضاء الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء. وقد تمكن نكد فعلا من انتزاع مذكرة تفاهم من زارة الطاقة، تسمح لشركة كهرباء زحلة باستكمال كل الاجراءات المطلوبة، للحصول على رخصة الإنتاج.

 

المفارقة  كانت أن الفريقين اللذين وقعا هذه المذكرة هما من المناطق الأكثر حرماناً، أي البقاع وعكار، إلا أن شركة كهرباء زحلة كانت السبّاقة في هذا المجال، واستكملت المذكرة بموافقات بيئية وإجراءات ورقية، حالت الظروف السياسية دون اتخاذ القرارات الجريئة بشأنها، إلى أن تمكن نكد من انتزاع إذن لتأمين الكهرباء في أوقات التقنين، وذلك بعد صراع مرير مع عهد الوزير جبران باسيل بوزارة الطاقة، منهياً ظاهرة "مولدات الأحياء" في زحلة وقضائها.

 

النكد والعونيون

منذ سنة 2014، تحول "امتياز زحلة" إلى تميّز، ساهمت الحملات الإعلامية للشركة في إرسائه كخصوصية، جعلت من زحلة "جنة كهربائية"، صورها أحد إعلانات الشركة "وجهة للهجرة إليها من باقي المناطق اللبنانية".

ونجح أسعد نكد من جهته بتسويق نفسه منقذا لزحلة من "العتمة"، ومن "مافيا المولدات"، ما عزز حظوظه بالفوز في الانتخابات النيابية الأخيرة، التي خاضها تحت شعار "صوّت ع ضو"، من دون أن ينصفه القانون الجديد. 

 

هكذا، صار كل صوت "متحفّظ" على أداء الشركة، أو تسعيرتها، يُتَّهم بضرب مصلحة زحلة، واستغل البعض ذلك لتصفية الحسابات السياسية، ولا سيما مع التيار الوطني الحر، الرافض لتمديد الامتياز بظل  شروط التعاقد السابقة. فيما نجح نكد بتأليب الرأي العام لمصلحته، ليس فقط من باب "فزّاعة" العتمة التي تهدد الزحليين، وإنما أيضاً من باب خدماته والمساهمات المالية، التي يحاول استثمارها في محنته السياسية، حتى صارت  النكتة الأكثر تداولاً على هواتف الزحليين حاليا تقول "عنا بزحلة كله بالعكس، النكد بفيدك، والسليم (نسبة لنائب التيار في زحلة سليم عون) بيضرّك".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها