الإثنين 2018/11/12

آخر تحديث: 01:01 (بيروت)

بقي الشعبُ ليقول كلمته؟

الإثنين 2018/11/12
بقي الشعبُ ليقول كلمته؟
خربّت المحاصصة السياسية والطائفية الاقتصاد وحالت دون التنمية (getty)
increase حجم الخط decrease

تعطًلت محركات النظام السياسي والاقتصادي معاً. بجردة الحساب السياسي، لبنان دولة فاشلة. حكوماته لا تؤلَف إلاً بعملية قيصرية. مؤسساته الدستورية شبه مشلولة. الانكشاف السياسي على الخارج يُستحضر لعرقلة بناء الدولة. بجردة الحساب المالي والاقتصادي لشركة، لبنان شركة مفلسة. الانكشاف الاقتصادي لم يعد كافياً لريوع التدفقات النقدية منذ 2010. عجز ميزان المدفوعات نحو 130 مليون دولار أميركي. وكان ليكون أكبر لولا هندسات مالية لاستقطاب عملات أجنبية لمصرف لبنان بتكلفة عالية. والنمو الحقيقي متاخم الركود. والشعب مدمّر اجتماعياً وفقراً وبطالة. وعاد القهقرى بالحياة الحضرية عقوداً إلى الوراء. يُعتدى على موارده الطبيعية وبيئته ومناخه. ثروته على مرّ تاريخه. وتُهجّر موارده البشرية التي كانت ميزة تفاضلية في دول المنطقة. لم يؤسس نموذجاً اقتصادياً بديلاً من نظام الريوع. وكان قادراً على ذلك بيسر لولا علّة النظام السياسي الطائفي والزبائني، الذي يتغذى من النموذج الاقتصادي. يُشرع له القوانين. يحميه، ويعطل نظام الرقابة والمحاسبة. والقضاء في قبضة السياسيين.


العيش الحضري 

إعتاش النظام السياسي - الاقتصادي على التدفقات النقدية من الخارج منذ الاستقلال. حتى في زمن الحرب لم تتوقف التحويلات الخارجية لتمويل أغراض سياسية إقليمية. إنكشاف الاقتصاد اللبناني على الخارج كان ملازماً لانكشاف النظام السياسي. إتفاق الطائف الذي بات جزءاً من الدستور اللبناني أنهى الحرب بوسائلها التقليدية، وجاء حصيلة توافق عربي ودولي. لم يفض إلى حل سياسي له صفة الديمومة، لنقل لبنان إلى نظام مدني، ودولة مواطنة حقوقاً وواجبات. المناصفة في وثيقة الطائف عنت مناصفة بين الطوائف في الوظائف الدستورية الرئيسية ووظائف الفئة الأولى. وبقيت جميعها  محصورة بزعماء الحرب، الذين يحوزون من دون غيرهم في الطائفة حق تمثيلها السياسي. الاقتصاد والتنمية لم يكن لهما حصة من الطائف والدستور سوى إشارات فضفاضة أتت سياقاً خجولاً.

 

هذا أتاح السيطرة الإدارية والسياسية على مؤسسات عامة مموَّلة من موازنة المواطن اللبناني. ومصدر تمويلها الضرائب، والرسوم، والمكوث التي يفرضها الدستور على المواطن، في صرف النظر عن طائفته، ومذهبه ومعتقده. وباتت المناصفة والميثاقية مساحة واسعة للصراع على وزارات سيادية، وأخرى خِدمية تطال كل مقومات العيش الحضري، والحقوق الإنسانية، ومستلزمات النشاط الاقتصادي والتنمية الاقتصادية والاجتماعية. ووفقاً لقاعدة من يبلغ كُله يبلغ جُله، امتدت الأيدي إلى الإدارة العامة. وفئات الوظيفة المتوسطة والدنيا خلافاً للدستور ولوثيقة الطائف.

 
الإنفاق على الفشل

في نظام كهذا يترع الفساد، وتتردى الخدمات وتبطل أن تكون موفورة وكفية. تتحول الإدارة العامة خاسرة. وننفق على الفشل ونموّله بالعجز والدين. هنا يصبح ممنوع إقصاء وزير فشل في وزارته. أثرى من وزارته وبطُر. وممنوع المسّ بمدير عام محسوب على الوزير أو على طائفة زعيم سياسي. الكهرباء عارٌ أزلي على لبنان. وأثقل عبء بلا جدوى على عجز الموازنة والدين العام. هل سمعتم محاسبة واحد من إدارتها أو إقصاء واحد من مسؤوليها؟ لا، ولن يحصل ولعلة تقاسم الإدارات العامة واقتطاعها سياسياً.

 

خربّت المحاصصة السياسية والطائفية الاقتصاد، وحالت دون التنمية الاقتصادية والاجتماعية. حتى تنمية الموارد البشرية التي ينفق عليها اللبنانيون والأسر فرادى مئات المليارات، وهي عصب التنمية الاقتصادية والاجتماعية، باتت تّعد للتصدير في مواسم قطافها. وبينما البلد في حاجة إليها لاقتصاد المعرفة والتقانة، الذي غدا ركيزة للنمو والحداثة والتنمية، رحنا نتباهى بإنجازات اللبنانيين في الخارج، وبالنجاحات التي يحققونها في بلدان الاغتراب. ونعتدّ بتحويلاتها التي وضعت لبنان في مقدم دول المنطقة على هذا الصعيد. التحويلات هي مدخلات الموارد البشرية اللبنانية في اقتصادات الخارج. وتقتضي التنمية الاقتصادية والاجتماعية عكس ذلك. فتلك الموارد يفترض أن تكون عصب المدخلات الاقتصادية للبنان لنصدر مخرجاتها قيمة اقتصادية مضافة.

 
الهروب الكبير

العمالة اللبنانية في الخارج لم تكن توصّف اغتراباً وهجرة عقوداً طويلة مضت. لاسيما منها إلى دول الخليج العربي. العمق الطبيعي للاقتصاد اللبناني عمالة وصادرات وسياحة واستثمارات. في السنوات الخمس عشرة الأخيرة، لاسيما منذ بدأ النمو يجاور الركود في 2011، وتراجع أسعار النفط، والعوامل الجيوسياسية في المنطقة، تبدّل توصيف العمالة اللبنانية في الخارج وطبيعتها. طرأ عاملان جوهريان عليها. الأول، انتقال أعداد كبيرة من اللبنانيين العاملين في الخليج إلى بلدان أوروبا والولايات المتحدة وكندا، نتيجة تراجع اقتصادات دول الخليج من جهة، والعروض التي حصل عليها لبنانيون للعمل في مؤسسات وشركات أوروبية وأميركية. وهؤلاء لن يعودوا إلى لبنان في الظروف الحالية أو غب الطلب حين تتحسن الظروف. وقد اصطحب بعضهم أسره إلى الخارج وتكيف في مجتمعات رفاه جديدة تتوفر فيها شروط العيش والتعليم والصحة وحقوق الإنسان. وقد خسر لبنان كلياً أو جزئياً تحويلات هذه الفئة التقليدية إلى لبنان. وأمّا العامل الثاني الأكثر سلبية فيعود إلى أن أجيالاً جديدة من الموارد البشرية اللبنانية المؤهلة، العاملة في الدول الصناعية، سواءٌ منها التي تلقت تعليمها العالي هناك، أم تلك التي اغتربت للعمل بعد التخرج، أسست أسراً في تلك الدول أو استدعت أسرها إلى هناك. والفئتان توقفت تحويلاتهما إلى لبنان أو تراجعت بنسبة كبيرة جداً. بعضهم حصل على جنسيات وبعض آخر في الطريق إليها. هذا السبيل الأمثل لتوطين التكنولوجيا. حاجة لا بديل منها لدولة شبه ناشئة كلبنان! ولبنان ليس مكتمل المعايير بعد لمجموعة الدول الناشئة.

 

تقرير المصرف الدولي الأخير أقرّ صراحة بعقم النموذج الاقتصادي الموروث عن إنتاج وظائف. قدّر حصة قطاع الخدمات 72.4 في المئة من الناتج الإجمالي الحقيقي 2004 – 2016. ﻓﻲ ﺣﻴﻦ شكلت اﻟﺼﻨﺎﻋﺔ والزراعة 14 في المئة و4.3 في المئة ﻣﻦ اﻟﻨﺎﺗﺞ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻮاﻟﻲ. أﻣﺎ اﻟﻌﻘﺎرات ﻓﻬﻲ الأﻛﺒﺮ في قطاع الخدمات بحصة 13.7 في المئة معدلاً وسطاً. ترتفع إﻟﻰ 17.3 في المئة مع قطاع اﻟﺒﻨﺎء. وتجارة الجملة والتجزئة 13.4 في المئة، وﺗﻠﻴﻬﺎ اﻹدارة العامة 9.4 في المئة. وباستثناء الخدمات اﻟﻤﺎﻟﻴﺔ وحصتها 7.3 في المئة ﻣﻦ اﻟﻨﺎﺗﺞ، يلحظ التقرير أن "قطاع الخدمات ذات ﻗﻴﻤﺔ ﻣﻀﺎﻓﺔ متدنية ولا يولد فرص عمل لذوي اﻟﻤﻬﺎرات اﻟﻌﺎﻟﻴﺔ. ويسيطر النمط اﻟﺮﻳﻌﻲ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ القطاعات عدا اﻟﺘﺠﺎرة".

 

الانكشاف بات عميماً، سياسة واقتصاداً. النظام نفسه عاجز عن التزام دستور صُمم على مقاسه. مستحيل على النظام السياسي – الاقتصادي أن يؤتي إصلاحاً بعد أن دمّر مفهوم الدولة ومؤسساتها. قطع الغيار ليست متوفرة إلاّ من الشعب. بقي الشعب ليقول كلمته؟

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها