الإثنين 2018/10/08

آخر تحديث: 00:16 (بيروت)

حزب الله ومسلسل العقوبات

الإثنين 2018/10/08
حزب الله ومسلسل العقوبات
مقولة "الجيش والشعب والمقاومة" لم تعد ترضي حتى الحزب (الأرشيف)
increase حجم الخط decrease
يحاول مصرف لبنان استشراف المرحلة التي ستبلغها العقوبات الاميركية على حزب الله. علمنا أن هذا الشأن كان موضوع اجتماعات الاسبوع الماضي، في واشنطن بين نائب حاكم مصرف لبنان محمد بعاصيري وبين الأجهزة المعنية في وزارة الخزانة الاميركية. يضيق هامش المناورة في وجه مصرف لبنان والهيئة الخاصة بمكافحة تبييض الاموال واموال الارهاب. الكونغرس الاميركي مستمر في تفريع الصلاحيات التي يخولها قانون العقوبات ضد الحزب للرئيس دونالد ترامب. هناك مزيد من اللوائح في الطريق. لا يفرِق ترامب بين قيادة الحزب السياسية وبين القيادة العسكرية. تصريحات ترامب والسناتور ماركو روبيو الذي أعد مشروع العقوبات الجديد الى مجلس النواب الاميركي ربطت العقوبات بالنزاع مع طهران وعلاقة الحزب بها. أي أن سلسلة العقوبات مفتوحة الى أمد مجهول.

وزارة الخزانة أكدت أن القطاع المصرفي في لبنان ليس مستهدفاً بذاته. بل حزب الله. جمعية المصارف والمصارف فرادى قالت كلمتها. لا تساهل في تنفيذ العقوبات الاميركية والدولية. وعلى اتصال بمؤسسة قانونية اميركية معروفة أوكلت اليها مهمات في المعنى المذكور. بيد أن السؤال ماذا لدى مصرف لبنان والهيئة الخاصة بمكافحة تبييض الاموال واموال الارهاب من اجراءات جديدة، للامتثال لسلسلة مفتوحة من العقوبات على خلفيات اقليمية، لا علاقة مباشرة للبنان بها، ولا مصلحة له فيها؟

واضح أن القضية باتت تتجاوز مصرف لبنان الى الدولة اللبنانية التي فقدت دليلها وتعجز عن تأليف حكومة والتقرير في الشؤون المصيرية التي باتت تحديات جسيمة تواجه اللبنانيين. في مقدمها الوضع المالي والاقتصادي والقلق من تداعي "الحصون النقدية" لو استمرت الظروف أو ساءت. بالإضافة الى التهديدات الإسرائيلية المتصاعدة. وفي حدود معلوماتنا، أن مصرف لبنان ماضٍ في تفعيل الاجراءات التي أصدرها حاكم المصرف رياض سلامة بصفته رئيس الهيئة الخاصة، وكان أبرزها التعميم رقم 137 والإعلام رقم 30. الأول طمأن المصارف المراسلة الى امتثال العقوبات درءاً للجوء الأخيرة الى تدابير خفض المخاطر (de-risking) في تعاملها مع المصارف اللبنانية، وقطع علاقاتها بها. والثاني أكد وجوب التزام المصارف والمؤسسات المالية قَفل الحسابات الدائنة والمدينة لكل الأفراد والمؤسسات الذين وردت أسماؤهم على لائحة مكتب الأصول الخارجية لوزارة الخزانة الاميركية ( OFAC ). لكن الإعلام أوجب على المصارف والمؤسسات المعنية إخطار هيئة التحقيق الخاصة بالمسوغات التي أملت عليها قَفل الحسابات أو عدم فتح حسابات جديدة لأسماء من خارج اللائحة. حتى إذا مرّت مهلة 30 يوماً من دون رد الهيئة، جاز للمصارف أن تتصرف على مسؤوليتها بما تراه مناسباً. المعروف أن حزب الله كان طلب في حينه، بمفعول رجعي الى تموز 2015 حين بدأت المصارف تطبيق اجراءات تحوطاً للعقوبات المنتظرة قبل صدورها. الأمر الذي أثار حفيظة الحزب.

ماذا تبدّل مع العقوبات في نسختها الجديدة على حزب الله؟ وفي امتثال المصارف لها؟ الحزب يعلن بلسان أمينه العام السيد حسن نصرالله أن لا علاقات للحزب بالمصارف. المصارف في المقابل على موقفها المتشدد في الامتثال. وفهمنا من ثُقاة أن بعض المصارف يتحفظ حتى في قبول وديعة دائنة من أشخاص غير لبنانيين لا سجل مصرفياً لهم. باتت المصارف مهجوسة بتنفيذ العقوبات كي لا تقع في المحظور ولو من غير قصد. لكن المشكلة تستعصي متى علمنا أن مسلسل العقوبات الاميركية يستمد ديمومته من ارتباط حزب الله السياسي والمالي بطهران. ومن تهديدات الحزب الموصولة للكيان الصهيوني. الأمران لا علاقة للمصارف بهما، ولا لمصرف لبنان. يتصلان بالدولة اللبنانية مباشرة. واذا كانت الادارة الاميركية لا تستهدف قطاع المصارف بالعقوبات، فرئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو يهدد الدولة اللبنانية والمرافق العامة والبنى التحتية في أي حرب تقع مع حزب الله. ويحمل الحكومة المسؤولية. والحزب لا يترك هنا فرصة للدولة كي تلتقط أنفاسها.

قال لنا حزب الله عملياً إن سياسة "النأي بالنفس" مجرد نكتة سخيفة. وإذ يقول نصرالله إن "ما يجري في المنطقة يرسم مصيرها ومصير لبنان"، وإن "مصير لبنان يصنع في لبنان وفي ساحات وميادين المنطقة"، يبدو أن مقولة "الجيش والشعب والمقاومة" التي يعتبرها حزب الله ذهبية، وهي موضوع خلاف كبير بين اللبنانيين، لم تعد ترضي حتى الحزب نفسه. هذه المقولة متوجبة في الضرورة في وجه أي عدوان صهيوني على الوطن ليتحول كل الشعب مقاوماً. فالحرب مع العدو الصهيوني ليست حكراً على حزب الله. ولم تكن كذلك حين أرغمت جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية العدو على الانسحاب من بيروت والبقاع الغربي وجزء واسع من الجنوب بعد عدوان 1982. ولم تكن حكراً على حزب الله حين أرغمها على الانسحاب من الشريط الحدودي. الكل سدّد فاتورة الحروب. والكل مكلّف أعباء هذه الحرب لو حصلت. كما في عدوان تموز 2006. وفاتورة الاقتصاد والخسائر المالية التي ترتبت على تلك الحرب سُجلت على كل اللبنايين.

صحيح أن حزب الله الطرف الوحيد من خارج الجيش اللبناني الذي يملك القوة العسكرية. لكنه لا يتنكر لأهمية حشد كل الجهود الوطنية في السبيل المذكور. ولأن الواقع هذا هو، فمن باب أَولى أن يكون ملف الصراع مع العدو بالكامل في يد السلطة السياسية. وحزب الله الطرف الأقوى في هذه السلطة بلا منازع. وأن تكون الحرب والسياسة الدفاعية قرار السلطة المدعوم شعبياً ووطنياً. ونقتبس من تجارب التاريخ، أن بلداً مشتتاً وقواه السياسية متنابذة على الشؤون الوطنية، وعلى إعمال مؤسساته الدستورية، بالغاً ما بلغت ترسانته العسكرية لا يمكن أن يجبه عدواً. وأن المعتدي قادر على اختراقه من فجوات الضعف البنيوية تلك. معادلة القوة الحقيقية في الحروب ليست وقفاً على السلاح. فكيف مع ترسانة العدو العسكرية؟

لذلك، فالدعوة الصادقة والجِدية لتصليب موقف لبنان تجاه الصراع مع العدو، والتصدي لاعتداءاته، إنما تكون على قاعدة تصليب الموقف الوطني والشعبي الداخلي، وتصليب حق الدولة والسلطة السياسية في تقرير شؤون الدفاع عن الوطن. وعن قطاعاته المصرفية والاقتصادية في وجه العقوبات والعدو أيضاً.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها