الأربعاء 2018/10/03

آخر تحديث: 17:36 (بيروت)

أزمة تشكيل الحكومة تنعكس على ملف النفط؟

الأربعاء 2018/10/03
أزمة تشكيل الحكومة تنعكس على ملف النفط؟
الدولة ما زالت تتعاطى مع الملف وفق منطق تمرير الاستحقاقات بالمفرّق (Getty)
increase حجم الخط decrease

الجدول الزمني السريع لدورة التراخيص الثانية، والذي يسابق إقرار قانون شركة النفط الوطنيّة في البرلمان، يعني تغييب دور الشركة الوطنيّة وحصّة الدولة من خلالها مرّة أخرى. فدورة التراخيص الأولى ذهبت في اتجاه نموذج يقضي بتلزيم البلوكات من دون فرض حصّة لشركة بترول وطنيّة في حال العثور على كميّات تجاريّة فيها، واستعاضت عن هذه المشاركة بالتلزيم لمصلحة تحالف من شركة مشغّلة وشركات غير مشغّلة. ورغم سعي المجلس إلى إقرار قانون يفرض هذه الحصّة في التلزيمات المستقبليّة، يبدو أنّ دورة التراخيص المقبلة ستسير في اتجاه الانطلاق قبل فرض هذه الحصّة. ما يعني غياب حصّة الشركة الوطنيّة في التلزيمات التي ستتم لبلوكات دورة التراخيص الثانية.

من المفترض أن تنطلق دورة التراخيص الثانية مطلع 2019، مع فتح الباب أمام تقدّم الشركات لطلبات التأهيل المسبق لدورة التراخيص الثانية. هذا التأهيل سيحدد الشركات التي ستملك الحق في تقديم عروض للمنافسة على رخص التنقيب والاستكشاف وبعدها الاستخراج. وكانت دورة التراخيص الأولى قد شهدت مفارقات عدّة عبر تأهيل شركات صوريّة أو لا تملك سجلاً في أعمال مشابهة. وهو ما يدفع الخبراء اليوم إلى طرح أسئلة عن المعايير التي سيتم اعتمادها لضمان عدم تسرّب شركات مماثلة لا تملك قيمة مضافة في هذا المجال، ويمكن لتأهيلها أن يفتح الباب أمام اعتمادها كشركات وسيطة أو واجهة لمصالح معيّنة.

ووفق الجدول الزمني الذي قدّمته هيئة إدارة قطاع البترول، سيتم إعلان نتيجة التأهيل المسبق خلال أيار 2019، على أن يتم منح الشركات بعدها ستّة أشهر بين أيار وتشرين الأوّل لتحضير العروض وتقديمها. وفي المحصّلة، يجب أن يكون لبنان جاهزاً بحسب هذا الجدول الزمني للاتفاق على تلزيم الاستكشاف والإنتاج في نهاية العام 2019.

ووفق مطّلعين على مسار دورة التراخيص، يعكس تغييب الشركة الوطنيّة مرّة جديدة وعدم التريّث في انتظار إقرار القانون اتجاهاً صارماً يقضي بتجاهل دور الشركة ومشاركتها، خصوصاً أنّ إقرار القانون وفرض هذه الحصّة لا يعنيان تأسيس الشركة وتكبيد الدولة نفقاتها اليوم، بل يعنيان فرض هذه الحصّة عند توافر الكميّات التجاريّة في المستقبل. كما أنّ السير بدورة التراخيص وتوقيع العقود بعدها من دون لحظ دور الشركة سيلزمان لبنان بهذا النموذج مع الشركات العالميّة لعشرات السنوات في البلوكات موضوع التلزيم.

وبمعزل عن إشكاليّة الشركة، يظهر في مسار دورة التراخيص إشكاليّة أخرى. فولاية هيئة إدارة قطاع البترول التي من المفترض أن تشرف على هذا المسار تنتهي في كانون الأوّل المقبل، وهو الشهر الذي يسبق إطلاق دورة التراخيص مباشرةً. وفي حين أنّ القانون يسمح بتجديد هذه الولاية لمرّة واحدة، يبدو أنّ ليس هناك أي تصوّر أو مداولات جديّة حتّى الآن لدى المعنيين في ما يتعلّق بهذا الملف، الذي يرتبط بتوازنات وتسويات سياسيّة حسّاسة، ويخضع لمنطق المحاصصات التقليديّة.

وتعتبر مصادر متابعة لهذا المسار أنّ الهاجس الأساسي يكمن في احتمال استمرار تعثّر تشكيل الحكومة والخلاف بشأن الحصص فيها، وأثره على ملف التعيينات في هيئة إدارة قطاع البترول. وفي حين أنّ التجديد للهيئة يحتاج إلى قرار سياسي بالدرجة الأولى، يبدو أن خيار تغيير أعضاء فيها مستبعد، خصوصاً أنّ الاتفاق على أعضاء جدد سيحتاج إلى عمليّة تمتد على مدى أشهر. لكنّ التخوّف الأساسي يبقى في الوصول إلى شهر كانون الأوّل من دون وجود قرار أو اتفاق واضح في هذا الملف.

ومن ناحية التوقيت، يعني التسريع في ملف دورة التراخيص الثانية أيضاً استباق نتائج التنقيب الذي يقوم به تحالف الشركات الثلاثي توتال– إيني– نوفاتيك، الذي حاز تلزيمين في دورة التراخيص الأولى (بلوكا 4 و9). فمن المفترض أن يبدأ التنقيب من جانب تحالف هذه الشركات في نهاية العام 2019، بينما سيكون على الشركات المشاركة في دورة التراخيص الثانية أن تقدّم عروضها بحلول تشرين الأوّل من العام نفسه.

من حيث المبدأ، يعني هذا الأمر وفق المتابعين خسارة قوّة تفاوضيّة معيّنة للدولة ضمن دورة التراخيص الثانية إذا ما كشف التنقيب لاحقاً عن وجود كميّات تجاريّة في مناطق محاذية. إذ إنّ اكتشاف هذه الكميّات سيفتح شهيّة الشركات المشاركة في دورة التراخيص الثانية للتنقيب في البلوكات المحاذية. أما إذا ما حدث العكس، وجاءت نتيجة التنقيب سلبيّة، فستكون الدولة نجحت في تمرير دورة التراخيص الثانية بمعزل عن النتائج السلبيّة. وفي الحالين، يبدو أنّ الدولة فضّلت تحييد نتائج التنقيب في البلوكات 4 و9 عن مسألة دورة التراخيص الثانية عبر تسريع جدول دورة التراخيص المقبلة واستباق نتائج التنقيب.

بين إشكاليّات الشركة الوطنيّة، والتخوّف من التجاذبات السياسيّة على مشارف انتهاء ولاية هيئة إدارة القطاع، وعدم انسجام الجداول الزمنيّة مع الملفّات التشريعيّة في مجلس النوّاب، يبدو أنّ المسألة الأكيدة هي أنّ الدولة ما زالت تتعاطى مع الملف وفق منطق تمرير الاستحقاقات بالمفرّق، وهي الطريقة التي تُدار بها الشؤون اليوميّة في لبنان. في حين أنّ قطاعاً حسّاساً يُعنى بثروة وطنيّة يحتاج بالدرجة الأولى إلى نظرة متكاملة واستراتيجيّة، تتخطّى منطق التسويات المُعتمد عند كل مرحلة على حدة. فهل هناك من يعمل لإنقاذ القطاع من هذا المأزق؟

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها