الإثنين 2018/10/15

آخر تحديث: 00:12 (بيروت)

رسالة القلق الفرنسية

الإثنين 2018/10/15
رسالة القلق الفرنسية
فرنسا محرجة بسبب الوضع اللبناني أمام من دعتهم إلى مؤتمر سيدر (الأرشيف)
increase حجم الخط decrease

أن تهتم فرنسا إيمانويل ماكرون بحض لبنان على تسريع تأليف الحكومة، وحث الخطى نحو الاجراءات التنفيذية لقرارات مؤتمر سيدر، أمرٌ له ما يسوغه من أسباب سياسية واقتصادية تتجاوز العلاقات التقليدية بين البلدين. اختيار مؤتمر منظمة الفرانكوفونية الذي انعقد في يريفان بيروت مقراً للمنظمة في الشرق الأوسط، جاء توكيداً لتلك العلاقات.

ما تسرّب من معلومات عن الزيارة التي قام بها موفد ماكرون بيار دوكان الى بيروت الأسبوع الماضي، اتسم بالقلق الفرنسي على الوضع في لبنان وقت تشهد فيه المنطقة تطورات دقيقة سياسياً وأمنياً، بينما يزداد الوضع الداخلي تعقيداً بلا حكومة، وينزلق الوضع المالي الى دائرة الخطر في غياب حكومة قادرة على الإمساك بتلك التطورات. وفهم من لقاءات دوكان مع المسؤولين اللبنانيين، أن بلاده قلقة من الفوضى العارمة التي تسود المنطقة في هذه الظروف. ما يجعل لبنان شبه وحيد لتحمل مسؤولياته السياسية والاقتصادية، ويرتب أعباء على فرنسا لمساعدة لبنان في غياب حكومة، وحد أدنى من التوافق السياسي الداخلي. وتردد أن دوكان لم يتلقّ إجابات مقنعة عن أسئلة صريحة طرحها على الجانب اللبناني لجبه المخاطر التي يواجهها لبنان.

في الشأن الاقتصادي والمالي كان الحرج واضحاً في اللقاءات. استنتج المسؤولون اللبنانيون أن تنفيذ تعهدات مؤتمر سيدر، النافذة الوحيدة المتاحة للبنان لتفادي أزمة مالية كبيرة يملك الجانب الفرنسي كثيراً من معطياتها وخفاياها. ويتهيب حدوثها ونتائجها على لبنان واستقراره. وكان صريحاً حين نقل كرة سيدر وتعهداته الى الملعب اللبناني. ولربما تواجه باريس أيضاً حرجاً مع شركائها في المؤتمر من نحو 42 دولة ووكالة دولية معنية تنتظر هي الأخرى تأليف الحكومة اللبنانية والبدء بتفعيل تعهدات لبنان بالاصلاحين القطاعي والهيكلي إيذاناً بانطلاق المرحلة الأولى من تنفيذ التعهدات تتيح للحكومة التقاط أنفاسها حداً أدنى. وما يماثل من استعادة ثقة مفقودة في الداخل، ومهزوزة من المؤسسات المالية الدولية. أخطر ما في ذلك، إن لبنان يحاول الآن شراء الثقة بمزيد من الدين والفوائد، لتدوير استحقاقات محلية وخارجية داهمة في 2019. وقد تجاوز المردود المثقّل على سندات الدين الخارجي يوروبوندز فوق 10% في المئة، وهامش مقايضة المخاطر الائتمانية لـ5 سنوات 7%.

كل قرارات سيدر في نيسان 2018، بنيت على أساس تأليف الحكومة بعد الانتخابات النيابية في أيار. ورد ذلك في بيان المؤتمر الختامي. وكان يفترض أن تبدأ الحكومة في تموز لقاءاتها الثنائية مع عواصم الدول المشاركة في المؤتمر لاطلاعها على برنامج الحكومة المفترض، للبدء في روزنامة مشاريع البنية التحتية في مرحلتها الأولى من سنوات ست. كلٌ بحسب حصتها من التعهدات ودورها. ووفق المعلومات، فالحكومة الفرنسية بوصفها رئيسة المؤتمر وراعيته، تتلقى مراجعات من الدول المعنية لإنشاء آلية تنسيق بين دول المؤتمر ووكالاته الدولية المشاركة وفي مقدمها المصرف الدولي من جهة، وبين الحكومة اللبنانية من جهة ثانية. لم يحصل شيء من هذا القبيل. وفرنسا ليست مقتنعة بهذا الوضع الشاذ كي تتولى إقناع من استجابوا دعوتها الى سيدر. حرجٌ كبير لا تستشعره القوى السياسية اللبنانية المتناحرة على حصصها من الحقائب الوزارية والتصنيف السيادي لكل منها. وتتجاهل أن لبنان نفسه في درجة تصنيف سيادي مخفوضة. وأن التصرفات الرعناء، وعرقلة تأليف الحكومة ستؤدي الى مزيد من خفض التصنيف. يؤدي ذلك بدوره الى تراكم الصعوبات امام ولوج الأسواق الدولية، والى ازدياد تكلفة الفوائد وخدمة الدين على نحو خطير. نحن الآن في صميم هذه الحلقة الجهنمية.

ربما سها عن الرئيس الفرنسي الشاب، وبلاده تعلم بالتفاصيل عمق الأزمة في لبنان بكل أوجهها السياسية والاقتصادية، أن ما سمّاه مؤتمر سيدر اصلاحاً قطاعياً وآخر هيكلياً في لبنان لقاء 10.2 مليارات دولار اميركي قروضاً ميسرة و860 مليون أخرى هبات، فيه من الاستعصاء مقادير. فالنظام السياسي والسياسيون ورجال الحكم في لبنان يشكلون في ذواتهم أزمة وطنية عصية. الاصلاح القطاعي يتصل بالمؤسسات التي يشوب عملها العجز الكامل الخِدمي والمالي والفشل في وقت واحد. والاصلاح الهيكلي هو تحسين اداء الادارة اللبنانية ووقف الإهدار والفساد وسرقة المواطنين، وتطوير العمل الحكومي بشرياً وتكنولوجياً ليس على وجه الحصر. الاصلاحان كما نراهما يفترض أن يتزامنا. بخيارات الضرورة نرى الاصلاح الهيكلي يتقدم الاصلاح القطاعي. كثيرة هي المؤسسات التي تحتاج الى الأخير. مؤتمر سيدر سمّى تحديداً قطاعات ثلاثة. الكهرباء والمياه والنفايات. "تكتل لبنان القوي"، أي التيار الوطني الحر الممثل الشرعي الوحيد لما يسمونه "العهد"، هو الممسك بوزارة الطاقة والمياه ووزارة البيئة. وقد فشل فشلاً ذريعاً في تأمين التيار الكهربائي. ويرفض أي اصلاح لقطاع الكهرباء وتنفيذ القانون 462 لتنظيم القطاع ادارياً ومالياً وخدمة. وحده التكتل لا يعترف بفشل وزيره الفصيح سيزار أبي خليل، والأفصح جبران باسيل الذي انتقل الى الخارجية مكافأة على نجاحه وزيراً للطاقة والمياه. وزير البيئة طارق الخطيب لا يتحمل منفرداً وزر أزمة النفايات. لكنها تفاقمت في عهدته خطراً كبيراً على الصحة والحيوات الثلاث. ويصر على المحارق سبيلاً وحيداً لمعالجة الملف، إصرار نظيريه باسيل وأبي خليل على خيار البواخر أو العتمة الشاملة. لا بأس، لكن من يقنع التكتل بحقيبة أخرى غير الطاقة والمياه في الحكومة الجديدة؟ ومن يقنعه أن لبنان بات منهكاً ولم يبق منه إلاّ "التكتل القوي" يتعنتر على لبنان ومواطنيه؟ الاصلاح القطاعي متوقف هنا والأسباب سياسية ومعروفة. وزارة مكافحة الفساد أعطيت للتيار نفسه. لم تتمكن بعد من اكتشاف حالة فساد واحدة!

يا جماعة.. ألفوا الحكومة واستمروا في التدليس بعضكم على البعض الآخر. لا ينتظر الشعب كثيراً منكم أكثر مما فعلتموه به وتفعلون. أنتم لستم خليقين أصلاً بتنفيذ الركن الأساس من تعهداتكم في مؤتمر سيدر، لا الاصلاح القطاعي ولا الاصلاح الهيكلي، كي يساعدكم من مددتم أياديكم اليه باسم لبنان وشعبه. القلق الفرنسي مشروع. ألا تخجلون بعد!

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها