السبت 2018/10/13

آخر تحديث: 07:53 (بيروت)

البقاع: التقلبات المناخية تهدد الزراعة

السبت 2018/10/13
البقاع: التقلبات المناخية تهدد الزراعة
كارثة تسببت بها كمية الامطار الهائلة التي تساقطت خلال ساعة ونصف (لوسي بارسخيان)
increase حجم الخط decrease

نام عدد كبير من مزارعي البقاع متفائلين بكميات المطر التي هطلت ليل الخميس في 11 تشرين الأول 2018، بعد معاناة طويلة مع صيف جاف كانوا يتحينون فيه كل قطرة مياه لري مزروعاتهم، ليستيقظوا على ما وصفه رئيس تجمع مزارعي البقاع إبراهيم الترشيشي لـ"المدن" بـ"الوضع المبكي، وفاجعة طالت كل مواسم البقاع المتبقية، من بندورة، خيار، باذنجان، لوبياء، كوسا، قرنبيط، بروكلي، ملفوف، بطاطا، خس، وخصوصاً كروم العنب".

"الكارثة" التي تسببت بها كمية الامطار الهائلة التي تساقطت خلال ساعة ونصف من بعد ظهر الخميس، ووصلت إلى 40 ملمتراً في سهلي رياق وتربل، وفقاً لرئيس مصلحة البحوث العلمية الزراعية ميشال افرام، تركزت خصوصاً في القرى المحاذية للسلسلة الشرقية بدءاً من الفاعور وكفرزبد الى رياق وتربل وماسا وحشمش وحارة الفيكاني وصولاً إلى طليا وبريتال.

على طول هذا السهل، تحطمت آمال مزارعين، أخّر بعضهم حصاد الأراضي أملاً بسوق أفضل لمنتجاتهم مع نهاية فصل الصيف، وإذا بهم يفجعون بخسائر فادحة استدعت اطلاق الترشيشي نداء الاستغاثة لإعلان البقاع "منطقة منكوبة"، مطالباً بالتعويض الفوري للمتضررين.

يقول الترشيشي إن ما شهده المزارعون مساء الخميس ظاهرة لم يسبق أن شهدوها في السنوات الماضية، لأن كمية الامطار التي هطلت، لا تشبه تلك التي اعتدنا عليها في منطقتنا المعتدلة مناخياً. وهذا إن دل على شيء فهو يدل على أننا اصبحنا في قلب التقلبات المناخية، بالتالي لم يعد مجدياً أن "نشحد" بعد كل كارثة التعويض على المزارعين، وآن الأوان لتحقيق المطلب المزمن بإنشاء "صندوق التعويضات للكوارث الزراعية" الذي يشكل بالنسبة إلى المزارع "قرشاً أبيض يخبأ لليوم الاسود".

علمياً، يشرح افرام لـ"المدن" أسباب ظاهرة تضخم الامطار التي صارت متكررة في لبنان. فيشير إلى أن ما شهدناه مساء الخميس والذي رأينا مثيلاً له في شهر حزيران الماضي وقد يتكرر في الأيام المقبلة، هو نتيجة لالتقاء الرياح الشمالية الباردة مع رياح جنوبية حارة محملة بالغبار، ما يتسبب بعواصف رعدية محلية قوية، تحمل معها امطاراً غزيرة جداً، وتهطل بشكل "قمع" كونها تتركز في مكان واحد وبكمية كبيرة جداً في فترة قصيرة. من هنا، رأينا كيف أنه في تربل ورياق هطلت كمية 40 ملمتراً من الامطار في ساعة ونصف. بينما هذه تستغرق أحياناً أسبوعاً كاملاً في حال هطول الامطار العادية.

هذه الظاهرة هي نتيجة تبدل العوامل المناخية، وهي عادة، وفقاً لافرام، تترافق مع برق ورعد قويين نتيجة لالتقاء الرياح الباردة مع الرياح الدافئة، ما يؤدي إلى تشكل البرَد، وقد رأينا كيف أن حباته التي تساقطت بقوة لنحو ساعة ونصف مساء الخميس كانت كبيرة جداً وبعضها بحجم حبة الزيتون. ما جعلها تستغرق وقتاً أطول لتذوب.

أضرار هذا البرد، وفقاً لافرام، كانت كبيرة جداً على الخضار، أي الخس والبقدونس والنعنع، وعلى بعض البطاطا، وعلى التفاح في المناطق الجبلية، وعلى كروم العنب التي لم يغطيها أصحابها، رغم التحذيرات المسبقة التي وجهتها المصلحة منذ 29 أيلول الماضي.

ولكن، رغم الضرر يرى افرام ايجابية لهذه الامطار في كونها تزامنت مع انتهاء معظم المواسم بالبقاع. بالتالي، يمكن اعتبارها بشرى خير ليبدأ المزارعون تهيئة اراضيهم للزراعات الشتوية أي القمح والشعير والبصل والثوم.

علماً أن لتكرر الظاهرة تداعيات أيضاً على التربة، لأنها كما يشرح افرام تؤدي إلى تعريتها، وقد رأينا كيف أن لون السيل مساء الخميس صار أحمر، كونه اصطبغ بالتراب الذي حملت العاصفة عشرات السنتمترات من طبقاته، بينما المعروف في لبنان أن كل ثلاثة سنتمترات من التراب تحتاج إلى الف سنة لتتشكل.

يوضح افرام أن تدارك التداعيات لا يمكن أن يكون جذرياً، لأن هناك استحالة للوقوف بمواجهة الطبيعة مئة في المئة، وانما يمكن أن نخفف من الآثار السلبية لهذه العوامل المناخية، وذلك عبر ملاءمتها مع البنية التحتية المنفذة بدقة، والحفاظ على نظافة مجاري الانهر ومنع التعديات عليها. ومع استحداث ممرات في الاماكن التي تظهر كمسلك للسيول، كي لا تفيض على الطرقات. إضافة إلى مراعاة اهمية الارتفاع بمداخل البيوت والمحال عن مستوى الطرقات، وتجهيز هذه الطرقات بالمسارب التي تستوعب كميات المياه الهائلة، والحرص على تنظيفها من الاوساخ قبل موسم الشتاء.

برأي "العلم" أيضاً أن تركز كمية الامطار الكبيرة في فترة قصيرة يجعلها غير ذي جدوى بالنسبة لتغذية الآبار الجوفية والتي يعاني البقاع خصوصاً تراجعاً كبيراً في مخزونها، إلا أن ذلك لا يعني وفقاً لافرام أننا غير قادرين على الاستفادة القصوى من كميات هذه الامطار، انما ذلك يتطلب رؤية مستقبلية لانشاء الآبار في المناطق الجبلية، التي يمكن أن تشكل عاملاً مساعداً في تغذية الجوف. بالتالي، منع ذهاب كميات الامطار الهاطلة بغزارة هدراً إلى البحر.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها