الجمعة 2018/10/12

آخر تحديث: 08:47 (بيروت)

البترول في البر اللبناني.. في الضباب

الجمعة 2018/10/12
البترول في البر اللبناني.. في الضباب
ثمّة اعتبارات تتعلّق بمواقع السلطة التي تسيطر عليها كل طائفة (علي علوش)
increase حجم الخط decrease

يستمر السجال في اللجان النيابيّة المشتركة بشأن مستقبل مشروع قانون الموارد البتروليّة في البرّ اللبناني، بعدما أنجزت اللجنة الفرعيّة برئاسة النائب السابق جوزيف معلوف دراسته. وبالتوازي، يطول النقاش داخل اللجنة النيابيّة المكلّفة مناقشة مشروع قانون الصندوق السيادي. أمّا المسألة المشتركة في الموضوعين، فهي الكباش التقليدي بين مراكز النفوذ على الصلاحيّات، بعيداً من أي تخطيط متكامل للموضوع.

ضبابيّة في قانون البترول البرّي
في نقاشات اللجان المشتركة بشأن مشروع قانون الموارد البتروليّة في البرّ اللبناني برز الفرز الحاد بين النواب لجهة صلاحيّة منح تراخيص التنقيب او الاستثمار في البرّ. وزير الطاقة سيزار أبي خليل مع عدد من النواب العونيين ونواب المستقبل أصرّوا على منح هذه الصلاحيّة للحكومة، كما نصّت المسودّة الأولى لمشروع القانون، واسوة بتراخيص التنقيب والاستثمار في البحر. في المقابل، أصرّ نواب حزب الله وأمل والقوات اللبنانية وعدد من النواب العونيين على منح هذه الصلاحيّة للمجلس النيابي، تطبيقاً للمادة 89 من الدستور التي لا تتيح اعطاء الامتياز لاستثمار موارد طبيعيّة إلّا بقانون خاص.

في المحصّلة سارت الأغلبيّة بخيار العودة إلى مجلس النواب لمنح التراخيص، على أن يكون البت النهائي بهذه النقطة في الهيئة العامّة لاحقاً عند إقرار القانون. لكنّ السؤال يبقى عن سر يقظة الأغلبيّة اليوم للمادّة 89 عند الحديث عن الموارد البتروليّة على البر، خصوصاً أنّ تلزيمات الموارد البتروليّة في البحر سارت سابقاً من دون إقرار او رقابة مجلس النوّاب، ولا يبدو أنّ هناك توجّهاً لتعديل هذا الإطار القانوني قبيل دورة التراخيص الثانية للبلوكات البحريّة.

وبمعزل عن صراعات النفوذ والصلاحيّات، تتحدّث لـ"المدن" المديرة التنفيذيّة للمبادرة اللبنانيّة للنفط والغاز ديانا القيسي عن شوائب أعمق يتضمّنها مشروع القانون موضوع الدرس. فثمّة ضرورة أولاً لتوزيع الصلاحيّات بين الأطراف المعنيّة، إذ لا يمكن أن يكون وزير الطاقّة مسؤولاً عن تطوير القطاع من جهة، وفي الوقت نفسه يقترح الأماكن المحظورة من جهة أخرى. وتعتبر قيسي أنّ هناك كثيراً من الأمور الضبابيّة في مسودّة مشروع القانون، خصوصاً أنّ فكرة الاستملاكات والاشغالات المؤقّتة لهذه الغاية كانت موضوع مشاكل وصراعات في كثير من البلدان التي مرّت بتجارب مماثلة.

فعلى سبيل المثال، يتم تطبيق مبدأ الاشغال المؤقّت للأراضي ذات الملكيّة الخاصّة للتنقيب عن البترول فيها، وإذا تبيّن وجود كميّات تجاريّة فيها يتم الاستملاك. لكنّ لا يوضح مشروع القانون مصير هذه الأراضي في حال لم يتم العثور على كميّات تجاريّة، خصوصاً أنّ كثيراً من تقنيّات التنقيب تجعلها غير صالحة للاستخدام الزراعي في المستقبل. أمّا صلاحيّات البلديات في هذا الإطار فهي غير واضحة أو مفصّلة.

الصندوق السيادي: من الوصي؟
النقاش بشأن الصندوق السيادي ذهب في الاتجاه نفسه في اللجنة الفرعيّة المخصصة لدراسة مقترح قانونه، إذ طغى على اللجنة السجال بشأن صلاحيّة الوصاية عليه بين الأطراف المختلفة. فمقترح القانون الذي تقدّم به النائب ياسين جابر لحظ إنشاء الصندوق تحت وصاية وزير المال. في المقابل، ذهب وزير الطاقة إلى صيغة إنشاء حساب لدى مصرف لبنان لهذه العائدات، إذ اعتبر أنّ عائدات النفط لن تصل في فترة قصيرة، وهو ما يعني عدم الحاجة إلى التسريع في عمليّة إنشاء الصندوق وهيكليّته قبل التأكّد من وجود هذه العائدات.

ووفق قيسي ثمّة تواصل تمّ بين المبادرة اللبنانيّة للنفط والغاز والأطراف المشاركة في هذه المداولات، للضغط في اتجاه وضع استراتيجيّة عامّة تحدد الأهداف الاقتصاديّة والماليّة من الصندوق قبل الانتقال لدراسة الطريقة الأمثل لحوكمته. "فالصندوق قبل كل شيء هو وسيلة وليس هدفاً بحد ذاته، وعند وضع القواعد العامّة يمكن الاتفاق على الآليّة بما يتناسب مع هذه القواعد العامّة".

المحاصصة قبل كل شيء

في الخلاصة، ثمّة اعتبارات تتعلّق بمواقع السلطة التي تسيطر عليها كل طائفة، وهذه الاعتبارات هي ما يتحكّم اليوم بمواقف جميع الأطراف في ما يخص قوانين النفط. وبينما يتسلّح كل طرف بتجارب أجنبيّة سابقة لتبرير إحدى الصيغ التي يدفع في اتجاهها، يغيب عن بال الجميع ضرورة تحديد أهداف خاصّة بالتجربة اللبنانيّة في هذا القطاع قبل تحديد الأطر التشريعيّة المناسبة.

الأهم، لا يبدو أنّ النقاش في مسائل بالغة الأهميّة يحظى حتّى اللحظة باهتمام إعلامي كافٍ، لا بل لم يسع المشرّعون إلى مشاركة الإعلام وأصحاب الخبرة في هذه المداولات على حساسيّتها، التي ترتبط بثروة وطنيّة بالغة الأهميّة. وبدل الدخول في هذه النقاشات البرلمانيّة من زاوية الخطط الإقتصاديّة والإشكاليّات التقنيّة مع الرأي العام وأصحاب الخبرة، يتم التعاطي معها بعقليّة تجاذب الصلاحيّات المعتادة في لبنان.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها