الإثنين 2018/10/01

آخر تحديث: 00:45 (بيروت)

هل تنفذ إيران من نظام المقايضة؟

الإثنين 2018/10/01
هل تنفذ إيران من نظام المقايضة؟
يدرك الاتحاد الاوروبي أن لا مصالح اقتصادية للولايات المتحدة مع ايران (Getty)
increase حجم الخط decrease

ستجهد الدول الخمس المتمسكة بالاتفاق النووي مع ايران كثيراً، لاستنباط آلية للنفاذ من العقوبات الاقتصادية الاميركية على ايران بعد النسخة الجديدة منها في 4 تشرين الثاني 2018 على صادرات النفط والغاز. مفوضة الشؤون الخارجية للاتحاد الاوروبي فيديريكا موغيريني، قالت بعد لقاء وزراء دول "الخماسية" (روسيا والصين وبريطانيا وفرنسا والمانيا) في نيويورك، إن "البحث قائم لبناء كيان قانوني للتبادل الاقتصادي والتجاري مع ايران من دون التأثر بالعقوبات الاميركية المضادة". وكان الاتحاد الاوروبي قد فشل في استنان قانون يحمي مصالح الشركات الاوروبية المتعاملة مع ايران من العقوبات الاميركية.

العقوبات الملازمة لحظر استيراد النفط الايراني المتوقعة في 5 تشرين الثاني لا تقل أهمية. وتشمل الموانئ الايرانية، ووسائل النقل البحري، وشركات النقل وبناء السفن، والتأمين واعادة التامين. الآلية المقترحة قيد الدرس حالياً من أركان ثلاثة رئيسة: تصدر طهران النفط والغاز الى إحدى دول المجموعة الخماسية. تسدد الدولة المستوردة ثمن وارداتها سلعاً وخدمات تحتاج إليها ايران. في حال عدم توفر تلك السلع والخدمات في الدولة المستوردة، تقوم الدولة المستوردة بتحويل ثمن الواردات الى دولة أخرى تتولى هي تصدير السلع والخدمات بحسب الحاجة الايرانية. الآلية تقوم على نظام المقايضة. وتحجب عن طهران العملة الصعبة. ومع أن هذا النظام يقيم حاجزاً بين النقد وبين طهران، يحول دون مدّ الثانية حلفاءها في المنطقة بالدعم المالي المباشر، لكنه في حال نجاحه، يؤدي غرضاً آخر ذا أهمية.

فالاتحاد الاوروبي يتفق مع الولايات المتحدة في معارضة برنامج الصواريخ الباليستية الايرانية، وما تصفه الولايات المتحدة زعزعة الاستقرار في المنطقة. لكنه يتمسك بالاتفاق النووي ولا يعارض اعادة التفاوض على اتفاق منفصل يتناول برنامج الصواريخ الباليستية ودور طهران الاقليمي. الأمر الذي ترفضه ايران. ويدرك الاتحاد أن لا مصالح اقتصادية للولايات المتحدة مع ايران في الأصل. ولم تقم الولايات المتحدة علاقات اقتصادية مع النظام الايراني منذ قيام الجمهورية الاسلامية في 1979. خلافاً لدول الاتحاد و"المجموعة الخماسية" التي ارتبطت بعقود تجارية واستثمارية ضخمة مع النظام الايراني. وشرعت في ابرام عقود استثمارية جديدة بعد الاتفاق النووي في تموز 2015. وقد لحقت أضرار كبيرة بالشركات الفرنسية والألمانية والهولندية نتيجة العقوبات الاميركية. واضطرت شركات عملاقة الى الغاء مشاريع استثمارية في قطاعي النفط والغاز بالمليارات. وتمّ تجميد عقود تجارية، في مقدمها صفقة طائرات الاير باص وعقود تصدير خدمات التقانة العالية.

لا تخلو الآلية المفترضة من تعقيدات مالية ولوجستية في زمن التحويلات الالكترونية والحكومات الالكترونية. وسيكون على طهران تحمل تبعاتها لاختراق المنافذ الموصودة في وجهها. من ذلك أعباء رسوم التحويلات المالية بين الدول الاوروبية لمصلحة نظام المقايضة. ستتحمل طهران هذه التكلفة من ثمن صادراتها النفطية. تضاف الى تكلفة النقل والتأمين لسلع المقايضة. الأمر الذي يخفض بالضرورة مردود صادراتها. بينما ستفيد المؤسسات الاوروبية المالية والمصرفية من تلك الأعباء والأعمال اللوجستية وخلافها. وستضطر طهران الى اعتماد آلية تكيف جديدة على هذا الصعيد. وكان الأمر ليكون مختلفاً تماماً لو تمت تلك العمليات من داخل النظام المصرفي والمالي الدولي المحظور على طهران. بالاضافة الى ما تمثله التدفقات النقدية الطازجة لطهران من أهمية قصوى لموازنتها ونظامها النقدي، ولعملتها التي تسجل تراجعاً مطرداً على الدولار الاميركي. وقد عُرض في طهران الأسبوع الماضي لقاء 170 ألف ريال ايراني.

صحيح أن تأمين جزء من حاجات الاستهلاك من السلع والخدمات للسوق الايرانية والمشتريات الحكومية من خلال المقايضة سيخفض بالضرورة الطلب على العملات الأجنبية وفاتورة الاستيراد، لكنه لن يتيح لايران تصرفاً مريحاً لتضييق الفجوات في الموازنة العامة التي تعتمد بنحو 80% على ايرادات النفط والغاز من العملات الأجنبية. وبالمثل سيضيق الهامش كثيراً أمام المصرف المركزي للتدخل في سوق القطع لحماية الريال، وتلبية الطلب التجاري الحر للقطاع الخاص، والطلب الادخاري الوقائي من الجمهور. وقد عانى المصرف المركزي كثيراً في الشهور الأخيرة للدفاع عن الريال ولصد المضاربات الجائرة ضد العملة الوطنية. ولم تتمكن الحكومة من ضبط الطلب المقنن المخصص للتجار والاعتمادات المستندية. وحصل كثير من التجاوزات على هذا الصعيد لم يكن مسؤولون كبار حكوميون بعيدين منها. عزل محافظ المصرف المركزي ووزير الاقتصاد وآخرين لا يحدث الصدمة المطلوبة.

سوق القطع تتحدث لغة واحدة. طلب العملات الأجنبية لا يلبى إلاّ بمثله من العملات أجنبية. نظام المقايضة لا يوفر ذلك. وسلع المقايضة وخدماتها لا تعرض في السوق لتلبية الطلب على العملات الصعبة. المطبعة جاهزة لطباعة الريال الايراني فحسب. سيادة الدول النقدية تقف عند حدود عملتها كما في كل دول العالم. معادلة القوة هنا، والصواريخ الباليستية والنووية لا حول ولا قوة. وكلما أسرفت الدول في استخدام حقها السيادي بطبع عملتها  في ظروف كتلك التي تعيشها ايران، كلما افتقدت العملة روحها النقدية وقوتها الشرائية. واستولدت مزيداً من الذخيرة تستخدم ضد العملة نفسها، ومزيداً من التضخم والإفقار. واحد فقط في العالم يملك وكالة حصرية لإصدار عملته الوطنية والصعبة في آن. إنه دونالد ترامب. ضحاياه يفتقرون. وتترنح دول وتخنرب شعوب.

لا أحد يكفل عدم التفاف الادارة الاميركية على نظام المقايضة. نسخة العقوبات الجديدة لا تقول من يتعامل مع طهران لا يتعامل معنا كما في النسخ السابقة فحسب. ولا تمنع ايران من تصدير نفطها. تمنع الآخرين من استيراده! وقد تتفتق عبقرية ترامب لقطع الطريق على المقايضة غير المباشرة حين يتم تحويل ثمن النفط الى دولة ثالثة لقاء سلع وخدمات الى ايران. ومن يعلم، يمكنه فرض عقوبات على المصارف الاوروبية والمؤسسات المالية التي تُستخدم لتحويل ثمن النفط الايراني بعملتها وبتحويلات بينية اوروبية لإتمام عملية المقايضة من خلال أطراف ثالثين.

يسير ترامب في الاتجاه المعاكس للنظام العالمي ويتمكن. ربما الى حين. وحيث يستعصي على ايران استثمار مواردها الاقتصادية الكبيرة وتصدير نفطها وغازها بالسعر العادل لتصدير مشاريعها السياسية، فإنما تستورد المعاناة لشعبها وتبدد مواردها، وتفتح منطقة بأكملها على الحروب والفوضى. المرحلة تنبئ بكثير منها.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها