قبل نحو عام، في 31 تشرين الأول 2016، انتخب ميشال عون رئيساً للجمهورية ليفتتح عهداً جديداً عنوانه الإصلاح ومكافحة الفساد وسد مزاريب الهدر في مفاصل الدولة ومرافقها. لكن، العهد الجديد تصادم مع سياسة "التناتش" والمحاصصة القائمة والمتجذّرة منذ سنوات بين أركان السلطة ومن بينهم أبناء البيت الواحد من رجال العهد الجديد.
لا شك أن العهد الجديد ساهم بضبط آلية العمل في بعض مرافق الدولة، إن من خلال مكافحة الفساد أو من خلال تعيين أشخاص مشهود بنزاهتهم. لكن، رجال العهد الجديد وسياسييه لم تردعهم القوانين عن تحقيق تجاوزات لا يمكن وضعها سوى في خانة "سلب أموال الدولة" عبر صوغ قرارات وتفصيل مناقصات وصفقات لا تصب سوى في جيوبهم.
منذ عام وحتى اليوم مرّت على العهد الجديد ملفات حقق في بعضها أهدافاً، في حين ترك بعضها الآخر وصمة عار في سجل العهد. إليكم أبرز الملفات:
1- مراسيم النفط
أقر مجلس الوزراء مراسيم تنظيم قطاع النفط، في 4 كانون الثاني 2017، بعد تأخير دام ثلاث سنوات، ليضع بذلك الدولة اللبنانية على طريق الدول النفطية، إذ بات بمقدورها فتح الباب أمام الشركات الراغبة في التنقيب عن النفط والغاز.
2- بواخر الطاقة
في 28 آذار 2017، أقرّ مجلس الوزراء "خطة إنقاذية لقطاع الكهرباء لصيف 2017". وكلف وزير الطاقة سيزار أبو خليل "استدراج العروض وإعداد المناقصات اللازمة". وفي مطلع شهر نيسان أطلقت وزارة الطاقة استدراج عروض لاستقدام معامل توليد الكهرباء، فتقدّمت مطلع شهر أيار 8 شركات أو تحالف شركات. وبعد أيام بدأ فض العروض ليتبيّن أن هناك مخالفات تعود إلى إدخال تعديلات جوهرية على دفتر الشروط من دون الإعلان عنها. وكانت النتيجة مطابقة عارض واحد لدفتر الشروط بنسبة 100% وهو شركة كاربور إنترناشيونال (كارادينيز التركية). فرفضت إدارة المناقصات فتح العرض المالي وأعيد الملف إلى مربعه الأول، أي إعادة المناقصة.
لكن، إطلاق المناقصة من جديد وتعديل دفتر الشروط لم يخلُ من مخالفات قانونية صارخة، استدعت من إدارة المناقصات رد دفتر الشروط من جديد، لاسيما أن الشروط جرى تفصيلها على قياس شركة واحدة هي كارادينيز التركية. فأحيل الملف بكامله إلى مجلس الوزراء، الذي قرّر في 20 تشرين الأول 2017، تسلّم ملف بواخر الطاقة وتمديد المهلة أمام الشركات لاستكمال المستندات المطلوبة الأمر الذي أدخل مجلس الوزراء في مخالفة لقانون المحاسبة العمومية.
والنتيجة أن صيف 2017 انتهى من دون كهرباء، وملف استقدام البواخر لا يزال عالقاً، ووزير العهد الجديد سيزار بو خليل لا يزال متحمساً لاستقدام "كارادينيز" التركية لأسباب "معلومة" وغير مُعلنة.
3- هندسة مالية
بهدف جذب مزيد من الودائع بالدولار وتعزيز موجوداته بالعملات الأجنبية وامتصاص السيولة المتراكمة بالليرة لدى المصارف، نفّذ مصرف لبنان ابتداءً من النصف الثاني من العام 2016 وحتى منتصف العام 2017 "هندسة مالية" رتبت أكلافاً باهظة قدّرت بنحو 15 مليار دولار على 10 سنوات، منها 5.6 مليارات دولار تقاضتها المصارف وكبار المودعين كأرباح استثنائية فورية.
ورغم التشكيك بأهداف الهندسة المالية من قبل بعض خبراء الإقتصاد، وأمام صمت السلطة إزاء إجراءات مصرف لبنان وعدم استيضاحها للأمر، عمد مصرف لبنان، في شهر حزيران 2017، إلى تنفيذ عمليات جديدة مع المصارف، بتشجيعها على زيادة ودائعها بالدولار لديه، عبر منحها علاوة إضافية بقيمة نصف نقطة مئوية على سعر الفائدة المعلن على الدولار ونقطة مئوية إضافية على سعر الفائدة المعلن على الليرة.
4- التجديد لرياض سلامة
في 24 أيار 2017، جُدد لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة لولاية جديدة تنتهي في العام 2023. واللافت أن التجديد لسلامة جاء بعد رفض رئيس الجمهورية لإعادة تعيين سلامة، غير أن المعطيات داخل الحكومة اختلفت بعد إرضاء فريق رئيس الجمهورية أي التيار الوطني الحر بتعيينات أخرى على مستوى المحافظين في المناطق وغيرها من مراكز الفئة الأولى.
5- سلسلة الرتب والرواتب
في 18 تموز 2017 أقر مجلس النواب سلسلة الرتب والرواتب للعاملين في القطاع العام، ببنودها كافة، بعد 5 سنوات من المماطلة. لكن، تم ربط تنفيذها بتأمين التمويل اللازم لها، كمدخل للسلطة لإقرار ضرائب جديدة.
ولم تمر السلسلة بسهولة. إذ تم ربطها بقانون الضرائب الممول لها والذي أقر في 21 آب 2017. لكن، قانون الضرائب طعن به 10 نواب أمام المجلس الدستوري في 30 آب 2017.
وفي 22 أيلول 2017، أصدر المجلس الدستوري قراراً بالاجماع قضى بإبطال قانون الضرائب، ورده إلى مجلس النواب. ما أحدث إرباكاً للعهد الجديد لا نظير له. فدخل البلد لأسابيع في فوضى من المواقف والمزايدات والإعتصامات والتفسيرات القانونية، إلى أن توافق رجال العهد الجديد على إيجاد مخرج "سياسي" للأزمة.
6- قانون الضرائب
في 8 تشرين الأول 2017، أقر مجلس النواب بغالبية الأصوات قانوناً ضريبياً يتضمّن 17 مادة ضريبية تطال بغالبيتها الطبقة المتوسطة والفقيرة، وذلك بحجة تأمين تمويل لسلسلة الرتب والرواتب.
وقد جاء إقرار قانون الضرائب بعد إدخال تعديلات عليه تتلاءم مع قرار المجلس الدستوري، الذي سبق له أن أبطل قانون الضرائب لمخالفته الدستور.
ولاعتبار المجلس الدستوري أن إقرار قانون ضرائب خارج إطار الموازنة العامة وقطع الحساب يشكل انتهاكاً للدستور، عمد مجلس النواب إلى الدعوة إلى جلسة تشريعية مخصصة لإقرار الموازنة العامة.
7- موازنة 2017
في 19 تشرين الأول 2017، صادق مجلس النواب بأقل من نصف الأعضاء على الموازنة العامة للعام 2017، وهي الموازنة الأولى منذ 12 عاماً. لكن، إنجاز الموازنة جاء "مُفرّغاً" من مضمونه، لتجاوزه المهل الدستورية المحددة لإقرارها وكذلك لخلوّها من أي خطط اقتصادية أو إصلاحية.
ولعل أبرز الثغرات والعيوب التي رافقت إقرار الموازنة وسجّلت في دفاتر العهد الجديد هو توافق القوى السياسية بغالبيتها على تجاوز مسألة قطع الحساب. فأقرت موازنة 2017 من دون قطع حساب مسجّلة بذلك خرقاً جديداً للدستور يُعد الأخطر على الإطلاق وفق قانون المحاسبة العمومية.
8- وفر مالي
لم يغفل العهد الجديد بعض الإجراءات الإصلاحية، لاسيما على صعيد التشدد بالرقابة في مرفأ بيروت ومرافق أخرى و"عصر" بعض النفقات في موازنة العام 2017. ما أثمر وفراً مالياً قدّر بنحو 1000 مليار ليرة. غير أن هذا الوفر لم يتجاوز "الحبر على الورق"، إذ طار خلال الجلسة التشريعية الأخيرة لمجلس النواب، في 19 تشرين الأول 2017، بعد إدخال نفقات استثنائية وإعادة اعتمادات لجمعيات ومؤسسات تعود جميعها إلى محسوبيات سياسية.
9- حصص العهد الجديد
أبرز ما امتاز به العهد الجديد هو "تمدد" عناصر التيار الوطني الحر في الإدارات والمؤسسات. فلم يشهد العهد إقالة واحدة إلا وقابلها تعيين آخر من التيار الوطني الحر، ابتداءً من مدير إهراءات مرفأ بيروت مروراً بمجلس شورى الدولة ووصولاً إلى كازينو لبنان وغيره من المرافق والمؤسسات، حتى وصل الأمر برجال العهد الجديد إلى تعطيل انتخابات مجالس إدارة عدد من المؤسسات على خلفية الحصص، ومن بينها انتخابات مجلس إدارة طيران الشرق الأوسط.
هذا ما حققه عهد عون: مخالفات وتناتش حصص
عزة الحاج حسنالخميس 2017/10/26

امتاز العهد الجديد بـ"تمدد" التيار الوطني الحر في الإدارات والمؤسسات (ريشار سمور)
حجم الخط
مشاركة عبر
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها