الخميس 2017/01/26

آخر تحديث: 00:37 (بيروت)

البترول اللبناني: قصة الشركات الوهمية

الخميس 2017/01/26
البترول اللبناني: قصة الشركات الوهمية
دورة التراخيص شملت أخطر عمليّة تهريب لشركات لا تملك خبرة (خليل حسن)
increase حجم الخط decrease

إذا كانت الدولة قد تنازلت عن حقها في تملّك الاستثمار النفطي وإدارته عبر شركة وطنيّة وبالشراكة مع الشركات الكبرى المشغّلة، فإن السؤال الذي يطرح نفسه: كيف حصل هذا الأمر، ولمصلحة من؟

الشركات المتأهلة
بدأت المسألة عند تأهيل هيئة إدارة قطاع البترول، في العام 2013، 46 شركة في دورة التراخيص الأولى، للمشاركة في مناقصات التنقيب عن النفط والغاز في لبنان. انتمت 12 من هذه الشركات المتأهّلة إلى فئة الشركات المشغّلة، أي الشركات التي ستقوم عمليّاً بأعمال التنقيب ولاحقاً الاستخراج. وهي شركات عالمية، مثل توتال وشل وإكسون موبيل ومثيلاتها.

أمّا الشركات الأخرى فهي من صنف الشركات غير المشغّلة، وعددها 34 شركة من المفترض أن تقوم بأعمال الإستشارة والرقابة والتمويل وغيرها. ويفترض بكل شركة مشغّلة أن تشكّل ائتلافاً مع شركتين على الأقل من الشركات غير المشغّلة، حيث لن يكون للدولة لاحقاً أي دور في إدارة الاستثمارات سوى تعيين مراقب في لجان الإدارة.

وما إن ظهرت أسماء الشركات غير المشغّلة حتّى تبيّن أنّ دورة التراخيص الأولى شملت أخطر عمليّة تهريب قانونيّة لأسماء شركات لا تملك أي خبرة أو تاريخ في هذا المجال. أي أنّها شركات سمسرة وسيطة حلّت ببساطة مكان الدولة في السيطرة على الاستثمارات والشراكة مع الشركات المشغّلة من دون أي قيمة مضافة. فمن هي هذه الشركات؟

شركات وهميّة وسماسرة
لا تملك شركة بترولاب في سجلّها نشاطاً نفطياً واحداً يدل على أهليتها. وفي الواقع لم تكن الشركة موجودة قبل العام 2011، أي قبل سنتين فقط من تأهيلها في دورة التراخيص الأولى. أمّا الشركاء فليسوا سوى عائلة رجل أعمال ومقاولات لبناني.

وبما أن الشركة وسيطة بطبيعتها، فهي دخلت في ائتلاف مع شركة جيوبارك المشغّلة التي تملك الحد المطلوب للتأهّل وفق دفتر الشروط الموضوع. هكذا، تأهّلت الشركة من دون أن يكون واضحاً دورها أو قيمتها المضافة، غير دورها الوسيط.

ولم يخلُ عمل الشركة من بعض الأمور اللافتة، إذ استفادت مثلاً من خدمات أنطوان داغر كأحد المديرين أولاً، وبعدها استمر في عمله مستشاراً معها، علماً أنّه عمل أيضاً مستشاراً مع هيئة إدارة قطاع البترول المسؤولة عن التأهيل. أمّا محامي الشركة كريم قبيسي فهو ليس سوى أحد المستشارين السابقين لوزارة الطاقة والمساهم في صوغ "قانون الموارد البتروليّة في المياه البحريّة".

أما شركة أبيكس فنشأت في العام 2012، أي قبل سنة واحدة من تأهيلها في دورة التراخيص وهي لا تملك أي سجل في أعمال التنقيب عن النفط. تسجّلت الشركة في هونغ كونغ، لاخفاء المالكين الحقيقيّين عبر نظام السريّة المعتمد هناك، ولا يتجاوز رأسمالها سبعة آلاف دولار فقط.

بالتأكيد، دخلت أبيكس مع شركة نفطيّة كبرى أخرى هي كريسينت بتروليوم، كون أبيكس لا تملك أياً من مقومات الاستثمار الجدي. وكما في حالة بترولاب، تأهلت من دون أن نعرف دورها أو قيمتها المضافة في الاستثمار.

في خلاصة الحالتين، لا يبدو أن هناك أي سبب منطقي لتأهيل هذا النوع من الشركات المستحدثة والوهميّة، إذ لا تبرّر مؤهّلاتها أو تاريخها حلولها مكان شركة النفط الوطنيّة (التي لم تتأسس)، في هذه الإئتلافات، باستثناء استفادة أصحاب النفوذ.

أبواب إضافيّة للتلاعب
لم تخل العمليّة بأسرها من أبواب إضافيّة بقيت مفتوحة للتلاعب والمساس بحقوق لبنان في عائدات الاستثمارات النفطيّة. فمثلاً، لم تلتزم الدولة بالكشف عن أصحاب الحق الإقتصادي في الشركات المتأهّلة في الدورة الأولى، كما أن عدداً من الشركات المتأهّلة لديها ملكيات مشتركة للأسهم تصل إلى 100% في بعض الحالات. والحالتان تعتبران من أبواب التلاعب في المناقصات، إذ بإمكان الشركات صاحبة الملكيات والمصالح المشتركة والمتضاربة التلاعب عبر التواطؤ وخفض عائدات الدولة.

أمّا مسودة الإتفاقيات مع الشركات الأجنبية فتنص صراحة على الالتزام بالسرية مع الشركات النفطية. وهو باب لمنع أي إمكانية لاطلاع الرأي العام على الشؤون المالية والإدارية لأعمال استثمار النفط اللبناني. بالتالي، لا إمكانية لفرض رقابة شعبية على هذه الأعمال، خصوصاً أن الدولة نفسها ليست شريكاً في إدارة هذا القطاع أو استثماره.

أمام هذا الواقع يصبح واضحاً أن التعطيل الذي مارسته الطبقة السياسية في وجه دخول الدولة مجال إدارة قطاع النفط والغاز واستثماره لم يكن صدفة، ولم يكن مسألة مبنية على خيارات اقتصادية. جلّ ما في الأمر أن ما جرى كان تمهيداً لدخول أصحاب النفوذ المالي والسياسي واستفادتهم من الفرص الاستثمارية مع الشركات الأجنبية بدلاً من الدولة نفسها.

أما المسألة الأخطر، فهي أن هذه الشراكات تعني تنازل الدولة عن الملكية والإنتاج الفعلي للنفط المستخرج، عبر أغرب وأخطر المواد القانونية، وللبحث في هذه النقطة بالذات تتمة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها