الثلاثاء 2017/01/17

آخر تحديث: 01:00 (بيروت)

لبنان بلا شركة نفط وغاز وطنيّة: إلى السمسرة در

الثلاثاء 2017/01/17
لبنان بلا شركة نفط وغاز وطنيّة: إلى السمسرة در
لن يستفيد لبنان من قدرة البترول على تعزيز الإقتصاد (خليل حسن)
increase حجم الخط decrease
لن يؤسس لبنان شركة نفط وغاز وطنية بحسب المرسوم التطبيقي الخاص بقانون الموارد البترولية. فالمرسوم التطبيقي حصر دور الدولة بصفة المراقب في لجان إدارة الشركات العاملة، رغم كون القانون الأساسي نفسه نص عند إقراره في العام 2010، على امكانية تأسيس هذه الشركة عند وجود فرص تجارية واعدة.


السماسرة بدلاً من الدولة
عملياً، لن يكون البديل سوى مجموعة من الشركات التي تم تأهيلها رسمياً في دورة التراخيص الأولى للتنقيب عن موارد لبنان النفطية، بما فيها شركات وهمية تم تأسيسها مؤخراً وعلى عجل، برساميل لم تتجاوز آلاف الدولارات. ومن المتوقع أن يكون الهدف من هذه الشركات الوهمية، وفق الخبير النفطي الدولي نقولا سركيس فرضها- مع من تمثّله من وجوه محلية مقنّعة- كشريك مع الشركات الكبرى التي ستلعب دور المشغل.

بمعنى آخر، مكانة الدولة كشريك أساسي في عملية التنقيب عن النفط واستخراجه تم محوها بجرّة قلم، ليأخذ دورها مجموعة من السماسرة المحليين الذين سيفاوضون- من خلال هذه الشركات المتأهلة في الواجهة- الشركات الأجنبية الكبرى ويشاركونها عائدات الحقول النفطية اللبنانية.

هكذا، بكل بساطة تجري أكبر عملية نقل منظمة لثروة لبنان النفطية لمصلحة وسطاء محليين، بينما تغرق عملية تنظيم القطاع النفطي بأقصى درجات التعتيم الإعلامي. وهي عمليّة تنازل ستكون ملزمة للبنان مع الشركات الدولية لمدة لن تقل عن 40 سنة، إذ لن يكون بمقدور لبنان الضغط لتعديل شروط الإتفاقيات التي ستبرمها الدولة مع هذه الشركات في المستقبل.

وبذلك، سيكون لبنان الدولة الوحيدة على إمتداد العالم العربي التي تمتنع عن تأسيس شركة نفط وغاز وطنية لمشاركة الشركات الأجنبية في استكشاف النفط والتنقيب عنه (ولاحقاً استخراجه). وسيسير أيضاً بعكس اتجاهات تطور قطاع النفط دولياً، إذ يخضع بحسب البنك الدولي أكثر من 90% من النفط الثابت وجوده في العالم لسيطرة شركات نفط وغاز وطنية.

تمنُّع لبنان عن تأسيس شركة نفط وغاز وطنية سيعني ببساطة- فضلاً عن التنازل عن الثروة النفطية لمصلحة دوائر السمسرة المحلية- حرمانه من القدرة على المشاركة في إدارة القطاع. وسيعني ذلك أيضاً حرمانه من القدرة على اكتساب الخبرات المحلية في مجال إدارة الأنشطة البترولية. وبالتالي، سيحرم هذا لبنان من أي قدرة تفاوضية مع الشركات المشغلة، في ظل إنعدام الخبرات المحلية في إدارة هذا المجال.

النموذج العالمي
ما يسير به لبنان وفق المرسوم الأخير يناقض عملياً التجارب العالمية التي أدت مع الوقت إلى هيمنة نموذج الشركات الوطنية على سوق النفط والغاز العالمية. فالشركات المحلية التي تحمل أولوية توظيف القدرات الوطنية والاستعانة بالموردين المحليين، أثبتت أن في امكانها أن تؤدي أدواراً في استثمار القطاع البترولي لا يمكن أن تلعبها الشركات الدولية.

في العام 1974، أسست ماليزيا مثلاً شركة بتروناس لاستثمار مواردها النفطية من خلال شركة وطنية. ودخلت في شراكة طويلة الأمد مع شركتي شيل وإكسون موبيل، واكتسبت مع الوقت الخبرة في إدارة القطاع للتحول اليوم إلى لاعب دولي كبير ينافس كبرى الشركات العالمية.

ولعل دور الشركة الوطنية في تنمية الإقتصاديات المحلية يبرز بقوة في النموذج الماليزي، إذ تجاوز عدد موردي بتروناس المحليين مثلاً- بحسب الشركة- الـ2500 مورّد. ما ساهم في إنعاش السوق المحلية إلى حد بعيد، بينما لا يوجد لدى الشركات الدولية أولوية الاستعانة بالقدرات المحليّة على أجندتها.

في نماذج أخرى، زاد الاعتماد على الشركات الوطنية لاكتشاف واستخراج النفط نسبة الاستعانة بالقدرات المحلية في هذه العمليات لغاية 70%، كما في نموذج بتروبراس في البرازيل. وهي الشركة التي تأسست في العام 1953 لاستثمار قطاع البرازيل النفطي، وتحوّلت اليوم إلى شركة بقيمة موجودات ناهزت 299 مليار دولار، فيما وصل عدد موظفيها إلى نحو 81 ألف موظّف.

تمكّنت هذه الشركات الوطنية أيضاً من تحرير هذه البلدان من قدرة الشركات الأجنبية على فرض شروطها، في ظل زيادة القدرة المحلية على استثمار القطاع النفطي. كما تمكّنت الشركات الوطنية من زيادة مداخيل الدولة من العائدات النفطية واكتسابها خبرات من خلال الشراكة مع الشركات الأجنبيّة.

في نماذج عربية مثل السعودية تؤدي الشركات الوطنية أدواراً رياديّة في انشاء برامج تدريب تتكامل مع القطاع الأكاديمي وبمشاركة جامعات محلية. وقد ساهم هذا الأمر في تطوير القدرة على تلبية حاجات القطاع النفطي للأدمغة محلياً قدر الإمكان.

لن يستفيد لبنان بالتالي من قدرة البترول على تعزيز الإقتصاد من خلال شركة وطنية توجه توظيفات ومنافع الإستثمار نحو سوقه المحلي، لتحل محلها واجهة من مجموعة شركات وسيطة تمثل مصالح أصحاب النفوذ السياسي والإقتصادي. وهذه الخطوة النادرة في التجارب الحديثة للدول النفطيّة ليست سوى واحدة من شوائب وانحرافات المراسيم التطبيقية الخاصة بالقطاع البترولي في لبنان. وذلك يفسّر قلة الحديث على ألسنة السياسيين عن تفاصيلها، وعن التجارب المماثلة وطرق استثمار هذا القطاع. لكنّ المدهش في هذه التجربة يبقى في حجم التنازل عن صلاحيات الدولة ودورها في هذا القطاع الحساس، وربطه بعقود ستلزم لبنان لعشرات السنوات بشركات أجنبية كبرى.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها