أسعار النفط.: انخفاض مرحلي.. والارتفاع مسألة وقت

خلال الأسابيع الأربعة الماضية انخفضت أسعار النفط بشكل ملحوظ فوصل سعر خام القياس العالمي مزيج "برنت" إلى أدنى مستوى في 14 شهراً، متأثراً ببوادر لنمو المعروض فاقت التوقعات وطغت بدورها على انعكاسات التوترات الجيوسياسية المتنامية في مناطق مختلفة كسوريا وأوكرانيا، والأوضاع غير المستقرة في دول منتجة مثل ليبيا والعراق اللتين سجلتا ارتفاعاً في الانتاج. واتضح تأثر معنويات الأسواق عبر انخفاض حاد في العلاوات خلال الأسبوعين الماضيين.

لكن يبدو أن الاتجاه النزولي لأسعار الخام لن يستمر طويلاً وأن الأسعار هذه ستعاود الارتفاع، وهذا ما يتوقعه المراقبون إذ يرون أن هذا التذبذب في الأسعار موسمي، معتبرين أن المعارك الجارية في العراق مع تنظيم "الدولة الاسلامية" من شأنها أن تؤثر مباشرة في الأسواق، على الرغم من ابتعاد مناطق الانتاج الرئيسية عن مواقع النزاع.

كما أن ما يلوح في الأفق من احتمال عمل عسكري أوسع نطاقاً ضد هذا التنظيم سيلقي بظلال ثقيلة على أسواق النفط العالمية وسيدفع بالأسعار إلى الارتفاع مجدداً. إضافة إلى أن مجريات الاوضاع الأمنية في ليبيا ليست مطمئنة، وبالتالي فإن أي انتكاسة جديدة للانتاج النفطي الليبي الذي كافح طويلاً ليعود إلى مستوى 650 ألف برميل ارتفاعاً من 200 ألف برميل وصل إليها في وقت سابق، ستساهم بلا شك في عودة النفط إلى نطاق سعري أعلى.

حالياً، يتجه "برنت" و"الخام الأميركي الخفيف" إلى تسجيل ثاني انخفاض شهري في آب لأن تباطؤ النمو في الصين وأوروبا يقيّد الطلب على النفط ويؤدى إلى وفرة في المعروض، ما يبدد تأثير التوترات السياسية العالمية على الأسعار.

وإذا كانت هذه البيانات أذكت بعض المخاوف، إلا أن بيانات اقتصادية اميركية ايجابية غطت عليها. فطلبات السلع المعمرة زادت 22.6 في المئة في تموز، وهي الزيادة الشهرية الأكبر على الإطلاق، وفي ذلك دليل على انتعاش معين في اقتصاد أكبر بلد مستهلك للنفط في العالم.

في هذا السياق، أصدر "بنك باركليز" مذكرة بحثية شدد فيها على أن إنتاج النفط من "مجموعة الدول الأكثر عرضة للخطر" في "منظمة الدول المصدرة للنفط" (أوبك) مثل إيران وليبيا والعراق ونيجيريا آخذ في الارتفاع. ولفتت المذكرة إلى أن إجمالي الإمدادات التي تعطلت من هذه الدول بلغ أقل من 400 ألف برميل يومياً في تموز، انخفاضاً من 1.6 مليون برميل يومياً في أيلول 2013.

وبشكل عام تحوم أسعار عقود "برنت" في نطاق بين 102.5 دولارا و103.4 دولارا للبرميل، بينما يتحرك "الخام الاميركي" بين مستوى 93.8 دولارا للبرميل وحاجز مقاومة عند 94.3 دولارا.

وعند الحديث عن أسواق النفط العالمية لا بد من النظر إلى مستويات الانتاج السعودي خصوصاً أن المملكة السعودية هي الوحيدة التي تملك طاقة فائضة للانتاج تمكنها من الوصول إلى 12.5 مليون برميل يومياً مقارنة بما بين تسعة ملايين إلى 9.5 مليون برميل تنتجها حالياً. لذلك، ينظر إلى السعودية على أنها صمام آمان لأي هزة في سوق النفط وهي أبدت في أكثر من مناسبة استعدادها لتلبية أي طلب إضافي من زبائنها، وحرصت على تسليم كل الطلبات في موعدها خلال الأشهر الأخيرة. وزاد إنتاج المملكة في حزيران إلى 9.780 مليون برميل يومياً من 9.705 مليون برميل يومياً في أيار، وذلك بحسب أرقام "مبادرة البيانات النفطية المشتركة".

إذاً يمكن اختصار المشهد النفطي العالمي على الشكل التالي، الأسعار الحالية منخفضة نسبياً بسبب عوامل مؤقتة، في طليعتها وفرة المعروض وتكدس كميات من الخام في المخزون لدى الولايات المتحدة والصين، لكن هذه الحال لن تستمر طويلاً لأن العوامل المساعدة لارتفاع الأسعار ستلعب دوراً طاغياً في المرحلة المقبلة سواء تمثلت في توترات سياسية ـ عسكرية في بعض مناطق الانتاج أو ببيانات انتعاش في الاقتصادات الكبرى، ما يعني حكما زيادة الطلب على النفط وارتفاع أسعاره.