في آخر تقرير صادر عن "منظمة الشفافية الدولية"، العام 2013، والذي وزعته "الجمعية اللبنانية لتعزيز الشفافية"- لا فساد - احتل لبنان المرتبة 127 من أصل 177 دولة مشاركة من مختلف أنحاء العالم. إذ أحرز أكثر من ثلثيها أقل من 50 نقطة على مقياس يراوح بين صفر (حيث يسود الفساد) و100 (حيث يتلاشى الفساد). وقد كانت الدانمرك ونيوزيلاندا صاحبتي أعلى ترتيب على المؤشر بـ91 درجة لكل منهما، وحصلت كل من أفغانستان وكوريا الشمالية والصومال أسوأ النتائج بمعدل 8 درجات لكل منها.
وتقول "الشفافية الدولية"، التي تعد أكبر منظمة غير حكومية في العالم لمحاربة الفساد، إن الفساد هو "إساءة استغلال السلطة المؤتمنة من أجل المصلحة الشخصية". والمنظمة منذ تأسيسها تقوم بإصدار سنوي لمؤشر دولي لملاحظة الفساد، والذي يعرف بمؤشر مدركات الفساد. لكن ما يمكن تسليط الضوء عليه في هذا الإطار، هو تأثير أرقام الفساد على الدول، ومدى دقة الأرقام والإحصاءات المنشورة.
ويعتمد مؤشر مدركات الفساد في تقييمه للدول وترتيبها، على درجة إدراك وجود الفساد بين الموظفين المسؤولين والسياسيين في الدولة، وكذلك على مجريات تعامل القطاع الخاص مع القطاع العام. إلا أن المؤشر يقيس مستوى إدراك الفساد لا الفساد نفسه، وبالتالي يستند المؤشر في دراساته إلى أراء الخبراء في مجال فساد القطاع العام لا الموظفين والسياسين أنفسهم. والمؤشر هو مؤشر مركب يعتمد على بيانات ذات صلة بالفساد يتم جمعها من طريق استقصاءات متخصصة تقوم بها مؤسسات مستقلة حسنة السمعة، ويتضمن متخصصين من الدولة موضوع التقييم ويعكس أراء أصحاب أعمال ومحللين من أنحاء العالم. أما المرتبة التي يحتلها البلد، فتشير إلى الموقع الذي يحتله بالنسبة إلى البلدان الأخرى المدرجة في المؤشر. ويمكن للمراتب أن تتغير لمجرد أن يطرأ أي تغيير على عدد البلدان التي تم إدراجها في المؤشر.
فساد متجذر
يقول الخبير الإقتصادي غالب أبو مصلح، لـ "المدن"، أن "الفساد لا يتمحور حول الحصول على رشوة أو قيام صفقة في ظل انعدام الرقابة والمحاسبة فحسب، إنما يدخل في تركيبة النظام ككل بسبب البنية الإحتكارية للإقتصاد في لبنان، والتي تتعاظم يوما بعد يوم بسبب النظام السياسي القائم. فمنذ التسعينات تم تبني الليبرالية الجديدة التي أسست في ما بعد الى توسع الفروقات الإقتصادية وزيادة الفقر وتقلص الطبقة الوسطى مما أدى الى عرقلة النمو الإقتصادي". ونتيجة تركيبة النظام التي تستدعي وجود الفساد، وصل لبنان إلى مراتب متقدمة في تصنيفات الفساد العالمي. لكن بالرغم من ذلك، تبقى الأرقام محط ملاحظة لجهة دقّتها، إذ وجهت العديد من الإنتقادات حول دقة هذا المؤشر في تصنيف الدول، كونه يدرس مجموعة صغيرة من الأفراد، والإحصائيات من هذا النوع غالبا ما تكون غامضة وقابلة للتغيير باستبدال العينات والطريقة المنهجية للعمل في المؤشر، فيما يشتكي البعض من أن المؤشر يأخذ ملاحظات مجردة وأن الأساليب المستخدمة في إعداد المؤشر لا يمكنها قياس الفساد المؤسساتي.
ويضيف أبو مصلح أنه "لا وجود لمؤشر دقيق مئة بالمئة". وفي ما خص المرتبة التي حاز عليها لبنان بين ترتيب الدول موضوع التقييم، اعتبر ابومصلح أنه "من الطبيعي أن يحتل لبنان مرتبة كهذه بسبب تفشي الفساد في تركيبة النظام ككل".
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث