الجمعة 2014/05/09

آخر تحديث: 01:11 (بيروت)

هروب رؤوس الأموال... خرافة المصارف

الجمعة 2014/05/09
هروب رؤوس الأموال... خرافة المصارف
تقارير صندوق النقد الدولي تثبت أن الفوائد في لبنان هي الأعلى عربياً (علي علوش)
increase حجم الخط decrease
عادت سلسلة الرتب والرواتب وما تتضمنه من بنود لتمويلها والإشكاليات المتفرعة عنها إلى الواجهة من جديد. فقد وضعت على طاولة مجلس النواب مجدداً، من خلال اللجنة النيابية المكلفة اعادة الدراسة والتي انهت تقريرها قبل أيام، من دون أن تتطرق الى "المغالطات القانونية"  التي تحدثت عنها جمعية المصارف. فاللجنة انكبت على سبل تمويل السلسلة، بعيداً من هواجس المصارف المتعلقة بالإزدواج الضريبي، وبالخوف من فرض ضرائب على فوائد الودائع، متجاهلة التهويل الذي رافق مجرد التفكير في رفع تلك الضرائب، خصوصاً لناحية هروب رؤوس الأموال والودائع من المصارف اللبنانية، وبالتالي الخوف من انهيار اقتصاد قائم على ما يضخه المغتربون والمستثمرون من أموال في شرايين المصارف. 
 
وبين البحث والإقرار، ارتفعت أصوات المصارف تارة غائصة في ثنايا الإزدواج الضريبي، وطوراً في ثنايا التلويح بهروب الودائع من المصارف اللبنانية. فرضيات وضعتها اللجنة المنبثقة لدراسة إعادة التمويل في سلم أولوياتها، لكنها أنجزت تقريرها من دون إعتبار لحجج المصارف المعارضة للمس بأرباحها.

 فما الذي استندت إليها اللجنة للخلوص إلى ما خلصت إليه؟

بلغة الأرقام وصل حجم الموجودات في القطاع المصرفي اللبناني الى نهاية شباط العام 2014 إلى 166,01 مليار دولار، فيما وصل حجم  الودائع المصرفية الى 108,5 مليارات دولار اميركي، منها 43,5 ملياراً بالليرة اللبنانية و65 مليار دولار بالعملات الاجنبية بحسب النشرة الصادرة عن مصرف لبنان. هذه الأرقام تظهر حجم الإقبال على المصارف اللبنانية، وتظهر في الوقت عينه ما معنى هروبها من المصارف اللبنانية الى مصارف عالمية أخرى، تتفاوت لديها معدلات الفوائد والضرائب مقارنة مع لبنان.

فإنطلاقاً  من تقارير صندوق النقد حول تطور نسب الفوائد في العالم من العام 2008 حتى العام 2013،  أجرت "المدن" دراسة صغيرة حول مدى وجاهة الكلام عن إمكان هروب الودائع، والأماكن التي يمكن ان تكون ملاذاً آمناً بعيداً كن لبنان. إذ اتضح أن هروب رؤوس الأموال الى مصارف اخرى ليس أكثر من فقاعة هوائية. فبحسب الدراسة، تمنح مصارف الدول العربية فوائد أقل من لبنان، الامارات العربية صفر فائدة، المملكة العربية السعودية صفر فائدة، البحرين 1.1 في المئة، عمان 2.6 في المئة، قطر 1.7 في المئة، الجزائر 1.8 في المئة، المغرب 3.8 في المئة، تونس صفر في المئة، العراق 5.9 في المئة، لكن توجه المستثمرين لوضع اموالهم في المصارف العراقية أمر من الصعوبة بمكان، نظراً لظروف العراق وتركيبته السياسية والأمنية. وتبدو مصر الدولة الأعلى عربياً من حيث نسب الفائدة، 7.6 في المئة. غير ان فكرة هروب رؤوس الأموال الى مصر أيضاً يعد ضرباً من الخيال بفعل الأوضاع الأمنية و السياسية المتردية، وبفعل غياب الثقة العالمية بالمصارف المصرية.

هكذا، إذن، يتبين إن الفائدة على المصارف اللبنانية البالغة 5.8 في المئة لاتزال الأفضل، وستبقى كذلك حتى لو زادت الضرائب على الودائع. بالإنتقال، مثلاً، الى الدول الاجنبية، يلاحظ غياب الفوائد في كل من الولايات المتحدة وبريطانيا، واليونان، وايطاليا، واسبانيا ، والبرتغال، فيما تصل النسبة في فرنسا إلى 2.3 في المئة، بحسب صندوق النقد الدولي. ووفق هذه الأرقام، يتبين أنه بالإمكان استخدام حجج المصارف المتغنية بالثقة العالمية بالقطاع المصرفي وبقدرة الأخير على الصمود في وجه الأزمات الإقتصادية الدولية، ضدهم. فيغدو الحديث عن تهرب الودائع من لبنان غير مستند إلى وقائع ملموسة. 

الخبير الاقتصادي ايلي يشوعي يشرح لـ"المدن" ان الخوض في تفاصيل رفع الفائدة، لا يتصل بالودائع، بقدر ما يرتبط بخوف المصارف من خفض هوامش أرباحها. فالحديث عن هروب الودائع لا يعدو إثارة الخوف لدى المسؤولين عن إدارة الحكم في لبنان، خصوصاً ان نسبة الدين العام وصلت الى ما يقارب 66 مليار دولار، وبالتالي فإن الحكومة تخشى من تهديد المصارف بحصول إنهيار إقتصادي ونقدي. يضيف: "الإنهيار الحقيقي يتمثل بإستكمال حلقة الدين وتمويله، وإغراق الدولة بديون يعجز الإقتصاد عن إيجاد مخرج لها في المدى المتوسط و البعيد".

المصارف، وعلى لسان رئيس جمعيتها فرنسوا باسيل، تقول ان الاقتصاد اللبناني لن يستطيع الصمود في حال رفع الضرائب على المصارف، خصوصاً ان المصارف اللبنانية لعبت دوراً في بناء الاقتصاد. هذا المنطق يؤكده كبير الاقتصاديين في بنك "بيبلوس" نسيب غبريل مشيراً لـ"المدن" إلى ان "إقرار السلسلة في هذا التوقيت، حيث الإنكماش الإقتصادي، وانخفاض نسب النمو سيعرض الاقتصاد الى هزات عنيفة، كما ان تمويل السلسلة  من طريق فرض ضرائب على فوائد الودائع سيعرض مشاريع اقتصادية هامة في لبنان للانهيار، ابرزها رفع سقف الفوائد لتسليفات القطاع الخاص، و بالتالي عزوف القطاع الخاص عن الاستدانة، نظراً لعدم قدرة الأخير على دفع الضرائب، ما يسهم في إنكماش متزايد للإقتصاد، وحصول إنهيارات لدى قطاعات كبيرة في لبنان". 
هروب، رؤوس الأموال، مجرد خرافة، إذن، لكن المصارف ستظل تردّدها طالما أن احداً لا يسألها عن الوقائع الداعمة لمخاوفها. 
 
increase حجم الخط decrease