الإثنين 2014/02/10

آخر تحديث: 21:49 (بيروت)

حرب عملات... إفتراضية

الإثنين 2014/02/10
حرب عملات... إفتراضية
العملات الإفتراضية تدخل سوق العملات في مواجهة الدولار (ريشار سمور)
increase حجم الخط decrease
حروب جديدة تشن داخل العالم الافتراضي. أنماط جديدة  شرعتها الشبكة العنكبوتية لتتلاءم مع التطور الهائل  في صناعة التكنولوجيا. عمليات مصرفية، بيع وشراء، أسهم  وبورصة، حسابات جارية وعمليات ايداع وسحب. هذه الخدمات التي تتنافس على تقديمها المؤسسات المالية والمصرفية، بدأت تثير بعض المخاوف، خصوصاً ان فرسان التكنولوجيا ومن يقف وراءهم يشنون حروباً افتراضية بقواعد وأساليب جديدة. فهم يبتدعون أسلحتهم الخاصة، يخترقون الأنظمة القانونية ويحققون هوامش أرباح هائلة، أو خسائر لا تقدر. غير أن الجديد كل الجدّة في هذه الإبتكارات حرب العملات التي تشنها مجموعات  مالية لا مصلحة لها ببقاء الوضع النقدي على ما هو عليه.
عملة "بيتكوين"Bitcoin  كناية عن عملة إفتراضية جديدة، بدأت تتصدر قائمة إهتمام المستهلكين الباحثين عن نظام نقدي بعيداً من الدولار واليورو والين وغيرها من العملات ذات الحجم الأكبر في التعاملات المصرفية العالمية. وقد بدأ تداولها في العام 2009. 
حرب العملات الجديدة هذه، والتي بدأت تشن منذ أعوام لم تكن تأخذ بالحسبان دخول ساحتها عملات افتراضية، تطلق بعيداً من أي قاعدة تحميها وتحمي مستهلكيها، لكنها بدأت تشكل منافساً قوياً للعملات الأجنبية، نظراً لإتساع نشاطاتها حول العالم، وخوف الاقتصادات الكبرى من هيمنتها. الولايات المتحدة، الإتحاد الاوروبي، والصين وصولاً حتى لبنان، كلها دول طالبت بوقف التعامل بها تحت طائلة المساءلة القانونية، لأسباب عدة، أهمها، ربّما، أنها تشكل خطراً على هيمنة عملة جديدة على الاقتصاد العالمي.
محلياً، أصدر مصرف لبنان تعميماً أخيراً حمل الرقم 900 في 19 كانون الأول 2013، طالباً من المصارف والمؤسسات المالية والصرافة والوساطة المالية، ضرورة الإمتناع عن تداولها، نظراً الى  القرار الأساسي الذي يحمل الرقم 7548 تاريخ 30 آذار للعام 2000، المتعلق بالعمليات المالية والمصرفية بالوسائل الإلكترونية، والذي يحظر إصدار النقود الإلكترونية (Electronic Money) من أي كان، ويمنع التعامل بها بأي شكل من الأشكال.
وقد بني تعميم مصرف لبنان على أسس قانونية تتعلق بغياب التشريعات المنظمة لعملها، وغياب إرتباطها بأي عملات أجنبية، أو أي تغطية ذهبية، لكن هل يحق لمصرف لبنان إصدار تعميم بالامتناع عن تداولها، أم انه يتوجب  عليه تحذير المستهلكين؟ وهل لهذه العملة أي تأثيرات جانبية على الليرة اللبنانية؟
لا يرى الاقتصادي لويس حبيقة أي تأثيرات جانبية للـ"بيتكوين" على الليرة اللبنانية، أو على الإقتصاد اللبناني، ويعتبر أن خلق عملات جديدة إفتراضية نوع جديد من حروب العملات التي تشن منذ سنوات. ويقول لـ"المدن": "الإقتصاد العالمي اليوم على مفترق طرق، فلا يوجد أي نظام مالي قادر على السيطرة على الإقتصاد، فالولايات المتحدة ظلّت لعقود مهيمنة على الإقتصاد العالمي وفرضت الدولار كعملة أساسية، لكن اليوم تراجع الدولار ولم يعد المسيطر. أضف الى ذلك فإن اليورو لم يستطع فرض نفسه كعملة عالمية مهيمنة على الإقتصاد بسبب الأزمة، وبالتالي وجدت بعض المؤسسات المالية ان فقدان الهيمنة الأميركية والأوروبية على الإقتصاد العالمي يفتح المجال أمام فرض عملة جديدة كلياً. ويضيف: ان التحذير العالمي من منع إستخدامها ليس أكثر من ضجة إعلامية، تحاول الدول العظمى إثارتها خوفاً من هيمنتها على الأسواق المالية، نظراً لعدم قدرتها على فرض نفسها، وبالتالي فإن التحذيرات من إستخدامها لا تعبر سوى عن خوف المتضررين منها على مصالحهم.
ويتابع حبيقة: "حاول صندوق النقد الدولي إصدار عملة شبيهة بعملة "البيتكوين"، وهي "حقوق السحب الخاصة"  SDR SPECIAL DRAWING RIGHTS، الا أنها لم تنجح بسبب عدم وقوف أي دولة وراءها، وجوبهت بالرفض من الإقتصادات الكبرى، لكن ذلك لا يحول دون دخول عملات جديدة على النظام المالي تنافس العملات الموجودة على الساحة العالمية".
 
"أخطأ مصرف لبنان لناحية إصدار تعميم يمنع تداولها، فهو لا يستطيع تجاهلها ولا منعها، بل كان يتوجب عليه اصدار تعاميم تنبه المستهلك لمخاطرها، وبالنتيجة على الأخير ان يقرر إمّا الخوض في غمار التداول بها، أو الإمتناع عن ذلك، خصوصاً أنها لا تملك أي تاثير على الإقتصاد اللبناني أو على الليرة اللبنانية، بل على العكس فهي عملة افراضية أثارت ضجيجاً إعلامياً أكثر من حجمها"، يشرح حبيقة.
أمّا المصرفيون اللبنانيون فيرون ان دخول عملة إفتراضية دون تغطية قانونية أمر يضر بالمستهلك، والمصارف اللبنانية لا تعترف بتداولها.  إذ يقول رئيس وحدة الدراسات الاقتصادية في بنك "بيبلوس" نسيب غبريل ان "المصارف اللبنانية لا تعترف بالعملات الإلكترونية، نظراً لعدم وجود أي قاعدة مالية أو حكومية لتبنيها، وبالتالي فإن استخدامها وإنتشارها لن يؤدّيا الا لزيادة عدد المضاربات عبر شبكات الإنترنت. وهكذا يمكن ان تؤدي الى خسائر، وفي هذه الحالة لا يمكن للمتداول أن يلجأ الى القضاء لإسترجاع حقوقه، نظراَ لغياب الحماية القانونية لهذه العملات الافتراضية".
وعلى الرغم من منع تداولها، لكن مستثمرين كثر حول العالم، ومنهم لبنانيون يتداولون بها، ويقومون بعمليات شراء وبيع عبرها. ففي الزمن الإفتراضي، العملات والتداولات أبت ان تغرد خارج السرب، فدخلت معترك العالم الإلكتروني مثيرة غيوماً من القلق لدى الجهات النقدية التقليدية. 
على أن الأهم من هذه الولادة الإفتراضية لعملة جديدة  يكمن في تحرّي الأسباب الكامنة خلف إطلاقها، والبحث عن الجهات المستفيدة منها؟ إذ عبر الإجابة عن هذين السؤالين يتضح ما إذا كنّا سنشهد في المرحلة القريبة المقبلة إنتهاء زمن العملات الورقية، وتبدّد هيمنتها على الاقتصاد العالمي، وبدء زمن العملات الإفتراضية.
 
increase حجم الخط decrease