تصرّ مؤسسة كهرباء لبنان على نشر ثقافة التعتيم على الصعد كافة. من التقنين الذي يغطي مساحة البلاد، الى أزمة الباخرتين اللتين صُوّرتا على أنهما أمل الكهرباء في لبنان، وحلم "لبنان منور 24/24". لكن الأمل والحلم شابتهما فضائح فساد إمتدت من باكستان الى المياه الإقليمية اللبنانية، وتخللتهما أموال وأرباح لم تُدفع للدولة، وبنود جزائية لم يُعمل بها... أما البند الجديد على جدول ثقافة التعتيم، فهو الخلل الحاصل في معمل إبراهيم عبد العال (معمل مركبا). وعبد العال هو مهندس ومبتكر مشروع الليطاني لإنتاج الكهرباء، والذي صمم واخترع آلات رصد مبدعة لكي يزيح العتمة عن لبنان، معتبراً ان تشغيل المشروع سيؤمن ثلث حاجة لبنان من الكهرباء. إلا أن عبد العال لم يفكر يوماً بان اسمه سيرتبط بملفات الفساد اللبنانية! فقد أُزيح الستار عن فساد لم تكتمل بعد خيوط الكشف عنه، بعد توقف أحد المولدات الكهربائية عن العمل في المعمل. ما أدخل المنطقة التي تتغذى من المعمل في نفق التقنين والتساؤلات. وسبب عدم الوصول الى الحقيقة، هو بجزئه الأكبر، عدم المسّ بـ"التحالف".
في التفاصيل، تغرق منذ حوالي الأسبوعين، مناطق مشغرة، القرعون، صغبين، وصولاً الى لبّايا ويحمر وسحمر... وغيرها من المناطق التي تشملهما تغطية معمل مركبا، بتقنين في عدد ساعات التغذية بالتيار الكهربائي. وسبب التقنين هو "تعطّل أحد المولّدات الكهربائية في المعمل، إذ لم يعد المولّدان الباقيان من أصل ثلاثة مولدات، قادرين على توزيع كمية الكهرباء المطلوبة. فقد أُضيفت قريتا خربة قنفار وكفريّا على خط القرى التي تتغذى من المعمل الذي كان يحتوي في الأصل على مولدين إثنين. ولتغطية تحميل عبء القريتين الجديدتين، إستُقدِمَ مولد ثالث من معمل الزهراني، لكنّه لم يكن صالحاً لهذه المهمّة بسبب قِدَم عهده وحالته المتردّية"، بحسب ما تفيد مصادر "المدن" داخل المعمل. وفي النتيجة، تضرّر المولّد وغرقت القرى في التقنين.
لكن المسألة ليست بهذه البراءة، أو أنها تتوقف عند عطل عادة ما تعمل مؤسسة الكهرباء على إصلاحه. فقد أُشيع أن إضافة القريتين على خط التغذية من معمل مركبا، (بعد أن كانت تتم تغذيتهما من منطقة جب جنّين)، سببه وجود مستشارٌ ومقرّبين من وزير الطاقة والمياه في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل، وقد ضغط باسيل على مصلحة مياه الليطاني - التي يتبع معظم العاملين فيها الى جهة سياسية متحالفة مع فريق باسيل - وعلى مؤسسة كهرباء لبنان لضم القريتين، لأن المؤسسة هي المسؤولة عن تقسيم المناطق المستفيدة، وعن عملية توزيع الكهرباء. وتتمثّل المسألة الأخرى بإحضار مولّد من الزهراني هدفه المساهمة في سد عجز المعمل عن تأمين التغطية المطلوبة. وقد رفض رئيس دائرة مؤسسة كهرباء لبنان في جب جنّين، محمّد الشل، الكشف لـ"المدن" عن سبب نقل القريتين المذكورتين، وإعطاء أي تفاصيل أخرى، بحجّة أنّه غير مخوّل إعطاء المعلومات.
وتفيد مصادر "المدن"، أن تكتّماً يسود أروقة معمل مركبا حول الموضوع عموماً، لأنّ المعمل أيضاً، وإن لم يكن مسؤولاً عن توزيع الكهرباء، فان "إدارته مسؤولة من خلال إهمال الكشف عن الحالة المتردّية للمولد المُلحق. إذ ان المولد مزوّد بساعات وإشارات تدل على أي ضعف في الأداء، وأي عطل يطرأ عليه، وبالتالي فإن إدارة المعمل لم تُعر إهتماماً بكل المؤشرات التي أبرزها المولّد قبل توقّفه عن العمل". أمّا المعلومات المصرّح بها من داخل المعمل، فلا تتعدّى الإعتراف بأن "المولّد توقّف عن العمل، وستأتي مؤسسة الكهرباء بمولّد جديد". وبالطبع دون تحديد موعد وصول ذلك المولّد.
توسّم سكّان المنطقة خيراً بعد وعود مؤسسة كهرباء لبنان بإستبدال المولد القديم بالمولّد الجديد، لكن صبرهم بدأ بالنفاد، خصوصاً بعد إنتهاء المهلة المحدّدة للتبديل، يوم الثلاثاء. إلاّ انّ السكّان برغم إمتعاضهم ونفاد صبرهم، لم يبادروا الى التحرّك "بسبب التحالف بين الأحزاب المسيطرة في تلك المناطق وبين التيار الوطني الحر المنتمي إليه باسيل. ولو كان وزير الطاقة يتبع لجهة سياسية أخرى، خارج التحالف، لكان الوضع تغيّر، ولكانت شوارع المنطقة شهدت تحركات وإعتصامات".