قصة المكتبة الوطنية في بعقلين جديرة بأن تروى. فهي قبل أن تكون أكبر وأهم مكتبة عامة في لبنان اليوم، كانت في تاريخها واحدة من ست سرايا أنشاها المتصرف في جبل لبنان، نعوم باشا، لتكون مركز قائمقامية الشوف. شيد المبنى العريق في العام 1897 زمن السلطان عبد الحميد الثاني. وأشرف على بنائه على الطراز المعماري الإسلامي، القائمقام الأمير مصطفى ارسلان (يقال إنه استملكها من الشيخ شبلي حمادة)، وصارت تعرف باسم سرايا بعقلين. ولا يزال حتى اليوم ظاهراً في سقف المبنى الختم والشعار السلطاني.
بعد الحرب العالمية الأولى وخروج الأتراك من بلادنا، أصبح لبنان تحت الانتداب الفرنسي الذي استخدم المبنى كسرايا لسلطة الانتداب وتم تحويله في العام 1931 كمركز لإدارة الجبل. في زمن الاستقلال استخدم المبنى كمركز إدارة ومقر للبلدية ودائرة النفوس والأحوال الشخصية كما استخدم الطابق الأرضي منه كسجن مركزي في منطقة الشوف.

في 13 نيسان 1975 اندلعت الحرب اللبنانية، ومع تفكك الدولة، فقَد المبنى وظيفته كسجن ومركز إدارة واستخدمته اللجان الشعبية كمركز لتوزيع الطحين والمحروقات. وعندما دخلت القوات السورية إلى لبنان استخدمت المبنى كمركز لها وبقيت فيه حتى العام 1985.
إثر ذلك طالبت الدولة اللبنانية باستعادة المبنى وتحويله إلى سجن، لكن الزعيم الشوفي وليد جنبلاط رفض الفكرة من أساسها وقرر ترميم المبنى وإصلاحه وتحويله إلى مكتبة. وفي 23 آذار 1987 دشن وليد جنبلاط المبنى كمكتبة بحسب أمينها غازي صعب الذي رافق المكتبة ورعاها منذ ذلك الوقت حتى اليوم. وتحتوي المكتبة اليوم على 225 ألف كتاب و285 الف مطبوعة دورية. وفيها قاعة محاضرات ومسرح. والمكتبة مجهزة بأجهزة الكمبيوتر الموصولة بالأنترنت. وهناك قسم الأرشيف والوثائق للباحثين والمتخصصين. ويستفيد منها اكثر من 40 ألف شخص في مجال خدمات المصادر والمعلومات وفي إعارة الكتب مجاناً. ويدخل إلى موقعها الإلكتروني ما يقارب ثلاثة ملايين زائر. هذا عدا النشاطات والندوات وتوقيع الكتب والمحاضرات اليومية والأسبوعية خلال السنة. وبحسب غازي صعب فان الحجوزات لإقامة النشاطات قائمة حتى نهاية تموز المقبل.

كيف أصبحت المكتبة تابعة لوزارة الثقافة؟
سبقت ذلك تظاهرات ومواجهة بين الأهالي والجيش اللبناني الذي طوق المبنى بهدف استعادته واستمر اعتصام الأهالي ثلاثة أيام في ساحة المكتبة. في العام 1996 صدر قرار في مجلس الوزراء بضم المكتبة إلى وزارة الثقافة، وأصبح أمينها غازي صعب مستشاراً لوزير الثقافة براتب قدره ليرة لبنانية واحدة.
يستقبلك في ساحة المكتبة، تمثال برونزي للأمير فخر الدين، وهو مِن نحت الإخوة عساف، واستغرق العمل فيه أكثر من ستة أشهر. وهذا التمثال لا صلة له أو علاقة بالتمثال المشهور للأمير فخرالدين على حصانه والذي رفع الستار عنه الرئيس سليمان فرنجيه في 23 أب 1975 وتعرض للتدمير خلال الحرب.
تسعى المكتبة الوطنية في بعقلين اليوم، إلى تطوير إمكاناتها التقنية الحديثة. لكن ضعف الموارد المالية يجعل كل حلم لتطوير المكتبة صعب المنال. غير أنك، كلما رأيت شاباً أو صبية يخرجان من مبنى المكتبة وفي اليد كتاب أو كتابين، تدرك أن هذا المكان ليس فقط شاهداً على التاريخ بل جسراً للوعي والمعرفة والتغيير.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها