اغتيل لقمان سليم في مثل هذا اليوم قبل أربعة أعوام. ومنذ ذلك الحين ينتظر أهله إعلان السلطات اللبنانية نتائج التحقيق بالجريمة، التي جرت في منطقة تقع أمنياً تحت سلطة حزب الله، وضمن ظرف كان فيه الضحية على خلاف سياسي صريح مع توجهات الحزب، وكان يجاهر برأيه ولا يخفيه كتابة وقولاً، وقبل اغتياله كان قد تقى تهديدات وتعرض لأكثر من اعتداء.
وكشفت زوجته مونيكا بيرغمان منذ أيام في تسجيل، أن الملف متوقف الآن بعدما تعاقب عليه ثلاثة قضاة لبنانيين. وقالت إن القاضي الأول قام ببعض التحقيقات، لكن القاضي الحالي بلال حلاوي جمّد الملف كلياً، ولم يفعل شيئاً رغم ان هناك معطيات كثيرة يتضمنها الملف، يمكن أن تشكل مادة لمواصلة التحقيق والتقدم بالقضية إلى الأمام. وترى مونيكا، السينمائية ألمانية الأصل، أن المسألة سياسية، ولذلك تعول عائلة الشهيد لقمان، على المرحلة الجديدة، التي بدأت بسقوط نظام بشار الأسد في سوريا، وانتخاب رئيس جديد في لبنان وتكليف رئيس حكومة. وإذ عبّرت عن اصرارها على متابعة القضية وعدم الاستسلام، لفتت إلى احتمال أن يكون لانفجار مرفأ بيروت في آب 2020 علاقة باغتيال لقمان، الذي كشف أن جزءاً من نترات الأمونيا نُقل إلى سوريا لاستخدامه في البراميل المتفجرة.
لست بصدد التعريف بلقمان في هذه المقالة، لأن هدفها هو المساهمة في كسر جدار الصمت من حول اغتياله، ومع ذلك هناك واجب أخلاقي، يستدعي التوقف دائماً أمام المنجز المهم، الذي تركه هذا الكاتب التنويري الموسوعي، الذي كان يتصرف من موقعه كمثقف معني بالشأن العام، وكأحد قادة الرأي العام يتدخل في شتى القضايا التي تعني مجتمعه، والمجتمعات المجاورة، ومنها الشأن السوري، وقضايا انتهاكات حقوق الإنسان، لا سيما الإضاءة على سجون النظام. وهنا يحضر الحديث عن فيلم "تدمر" الذي أخرجه بمشاركة زوجته، حول السجن الرهيب الذي كان مختبر النظام السوري للوحشية والإعدامات. أبطاله مجموعة من المعتقلين السياسيين اللبنانيين السابقين، الذين نجوا من جحيم أبشع السجون السورية على الإطلاق.
إلى جانب نشاطه المدني من أجل قيم المواطنة والديموقراطية وحقوق الإنسان، لقمان ناشر شريك فعال ومؤسس في دار الجديد منذ العام 1990 مع شقيقته الروائية رشا الأمير. وخلال زمن قصير، نجحا في ترك بصمة خاصة في ميدان نشر الكتب، وتعددت اهتماماتها خارج لبنان، لتغطي مساحة مهمة من خارطة الكتابة العربية، وغير العربية.
لم يكن لقمان سليم الشخصية الأولى التي اتُهم حزب الله باغتيالها، هناك عدد غير قليل من الكتاب ورجال الدين والسياسيين والمسؤولين، من أمثال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري، الكاتب حسين مروة، المفكر مهدي عامل، الكاتب والسياسي سمير قصير، أمين عام الحزب الشيوعي السابق جورج حاوي، ورجل الأمن وسام الحسن. وباستثناء الحريري الذي تولى القضاء الدولي التحقيق في جريمة اغتياله، وكشف ملابساتها، لم يصدر عن القضاء اللبناني أي اعلان عن نتائج التحقيق، وترك تلك الاغتيالات كلها من دون إجابة محددة.
لا تفسير لعدم إعلان نتائج تحقيقات القضاء اللبناني سوى أن هناك جهة أقوى من الدولة تعطل ذلك، وليس بمقدور أي قاض أن يتحمل مسؤولية قول الحقيقة، خوفاً على حياته. ولو كانت قضية اغتيال الحريري في عهدة القضاء اللبناني، لكان مصيرها مثل بقية الاغتيالات الأخرى. ورغم أن عملية التحقيق الدولي استغرقت زمناً طويلاً، ولكنها انتهت الى توجيه الاتهام إلى خمسة من حزب الله من بينهم مصطفى بدر الدين أحد القادة الكبار، وسليم عياش، الذي رفض الحزب تسليمه، وشاع في حينه أنه نقله إلى خارج لبنان.
لا تسقط العدالة بالتقادم، ولا يقلل من مفعولها حتى رحيل المتهم، ولذلك يبقى من المُلحّ الإعلان عن نتائج التحقيق بكل الجرائم السابقة، وهذا حق أهالي الضحايا والرأي العام، ومسؤولية الدولة اللبنانية، أن تكشف الحقيقة كاملة في كل قضية. وقد حان الوقت لذلك، طالما أن لبنان يدخل عهدا جديداً، بدأ يتحرر فيه من سطوة أجهزة حزب الله، والخوف الذي كانت تبثه في البلد، بل ومن مصلحة الحزب نفسه أن تتم كشف الملابسات كافة، حتى يؤكد أن ما بقي منه على استعداد بأن يتحمل مسؤولية مواجهة ملفات الماضي، وتكون لديه شجاعة الانفتاح على المستقبل بعقلية جديدة، تقوم على المراجعة والاعتراف بالجرائم التي ارتكبها قادته، والاعتذار لأهالي الضحايا. ومن دون ذلك ستبقى العدالة منقوصة، عرجاء، والاتهامات تلاحق الجناة.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها