الجذور والأدوار والمسار النهضويّ: العرب المسيحيّون في عمّان

أسعد قطّانالأحد 2025/11/02
«العرب المسيحيّون: الجذور والأدوار والمسار النهضويّ»
العرب المسيحيون: الجذور والأدوار والمسار النهضوي
حجم الخط
مشاركة عبر

على وقع صوت فيروز إذ تشدو بهائيّة سعيد عقل الجميلة «عمّان في القلب أنت الجمر والجاهُ/ ببال عودي مرّي مثلما الآهُ»، التقى رهط من الباحثات والباحثين في عمّان، في إطار مؤتمر بعنوان «العرب المسيحيّون: الجذور والأدوار والمسار النهضويّ»، وذلك بدعوة من «جمعيّة الثقافة والتعليم الأرثوذكسيّة»، وفي حمى مركزها الثقافيّ والرياضيّ القائم في ضاحية الشميسانيّ الأنيقة. الإقبال على المؤتمر، الذي توزّعت مداخلات المشاركين فيه على يومين (٢٤-٢٥ أكتوبر/تشرين الأوّل)، تخطّى التوقّعات جميعها، إذ فاق عدد الحاضرات والحاضرين الخمسمائة أحياناً. وكان اللافت، إلى جانب الحضور المحلّيّ، أنّ بعض المستمعين جاؤوا من مصر والعراق وسوريا. أمّا المفكّرون المحاضرون، الآتون من الأردنّ ومصر وفلسطين وسوريا ولبنان وكندا وروسيا وألمانيا وهولندا، فقد أحسّوا جميعاً بمعنى قول الشاعر العربيّ «يا ضيفنا إن زرتنا لرأيتنا/نحن الضيوف وأنت ربّ المنزل»، إذ اختبروا ضيافةً ما بعدها ضيافة، وكثافةً في الاهتمام بهم والسهر على راحتهم تشهد على ما فُطر عليه أهل الأردنّ السعيد من ودٍّ وكرم وطيب سريرة

مؤتمر

شدّدت كلمات الترحيب والافتتاح على أنّ العروبة في فلسفة المؤتمر ورؤيته عروبة اللسان والثقافة كإطار حضاريّ جامع تنويريّ ومنفتح. وأكّدت تأصّل المسيحيّة في تربة المشرق العربيّ عموماً، والتربة الأردنيّة على وجه الخصوص، وأنّ الهويّة العربيّة كانت، منذ انبلاج فجر المسيحيّة على أرض فلسطين الرومانيّة، موئلاً من موائل الدين الجديد، تدلّ على ذلك شهادة الإنجيليّ لوقا في كتابه «أعمال الرسل»، إذ يذكر العرب بين الذين شهدوا واقعة العنصرة في المدينة المقدّسة وحلول الروح القدس على تلاميذ المسيح وصحبه. يضاف إلى ذلك شهادة المصادر القديمة، التي أشارت إلى مشاركة أساقفة عرب في المجامع المسيحيّة الأولى، يُرجّح أنّ بعضهم ارتبط بجماعات كانت لا تزال على شيء من البداوة. أمّا مداخلات المؤتمر العلميّة، فتوزّعت على ثلاثة محاور تستند إلى مقاربة تاريخيّة تعاقبيّة: أوّلاً: العرب المسيحيّون قبل الإسلام ودورهم في تكوين الحضارة العربيّة (النهضة العربيّة الأولى)؛ ثانياً: مساهمات العرب المسيحيّين في القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين (النهضة العربيّة الثانية)؛ ثالثاً: العرب المسيحيّون والتحدّيات الراهنة

انبثق من أعمال المؤتمر عدد من التوصيات لعلّ أبرزها الدعوة إلى العزوف عن النظر إلى العرب المسيحيّين بوصفهم «أقلّيّات» أو «طوائف» أو «كوتات»، وإلى حسبانهم مواطنين يتساوون في الحقوق والواجبات مع سائر المواطنين من دون أيّ تمييز. كذلك طالب المؤتمرون بِ «إدماج تاريخ العرب المسيحيّين وإسهاماتهم في المناهج التعليميّة المدرسيّة والجامعيّة (…) وإبراز التاريخ والآثار المسيحيّة التي تؤكّد الوجود العربيّ المسيحيّ في الأردنّ والمنطقة». ولفت المؤتمر في توصياته أيضاً إلى «ضرورة بلورة خطاب لاهوتيّ عربيّ أصيل قادر على مواجهة التأويلات والسرديّات الصهيونيّة المغلوطة للمسيحيّة الأصيلة». علاوةً على ذلك، ثمّن المؤتمر الحوار الفكريّ التنويريّ بين الشباب، بما يخدم إرساء الدولة المدنيّة والمواطنة كإطار جامع يضمن الحرّيّة والعدالة والمساواة بين الجميع، ولا سيّما بين الرجل والمرأة (وهذه ملاحظة ذات شأن في السياق الأردنيّ، الذي يتّسم بظلم للنساء اجتماعيّ وتشريعيّ). كذلك أكّد المؤتمرون أهمّيّة سنّ تشريعات تحافظ على التنوّع الدينيّ وما يتّصف به من بعد أخلاقيّ، لكن من دون إقحام الدين والشعارات الدينيّة في الحياة السياسيّة. أخيراً، أوصى المؤتمر بإنشاء متحف يتولّى أرشفة التراث المسيحيّ في الأردنّ على قاعدة رقميّة، وتأسيس مركز للدراسات بريادة جمعيّة الثقافة والتعليم الأرثوذكسيّة «يعنى بتشجيع تحقيق المخطوطات العربيّة المسيحيّة ونشرها، ودراسة الأطروحات الفكريّة التنويريّة للعرب المسيحيّين في تاريخ النهضة العربيّة الحديثة، والقيام بدراسات معمّقة حول أوضاع العرب المسيحيّين الراهنة في المنطقة العربيّة والمهاجر، وبالبحث في الآفاق المستقبليّة".

Loading...

تابعنا عبر مواقع التواصل الإجتماعي

إشترك في النشرة الإخبارية ليصلك كل جديد

اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث