فجع الوسط الإعلامي برحيل الزميل بسام برّاك، الذي توفي بعد صراع طويل مع المرض عن عمر ناهز 53 عامًا.
بدأ براك مسيرته الإعلامية العام 1991، عبر شاشة المؤسسة اللبنانية للإرسال وإذاعة صوت لبنان، كما كان مدربًا لفن الأداء الإخباري والإلقاء بالفصحى في مؤسسات إعلامية داخل لبنان وخارجه، ومن بين برامجه التدريبية "مذيع العرب"، إضافة إلى عمله كأستاذ جامعي في كلية الإعلام بالجامعة الأنطونية. في العام 2018، أصدر كتابه "توالي الحبر" عن دار الإبداع - الحرف الذهبي، ليترك إرثًا أدبيًا يوازي عطاءه الإعلامي. وهنا أبرز الفسبكات التي رثته.
قزحيا ساسين
عا إيّام الجامعَه، من تلاتَه وتلاتين سنِه، لِقَّمْت القَهوِه وحِطَّيت بالغلط حامض اللّيمون بْدال السُّكَّر. بلَّش بسّام برّاك يشرَب من فنجانو قَبْلي، وْما إلو عَين قَلّي قَهوتَك ما بتِنشرَب. ولمّا شْرِبت أنا أوّل شَفِّه جِنَّيت، وقلتلّو: مَعقولِه بَعد ما ضرَبِتني بالفنجان؟
فنجان... ما بْيِنشَرَب
ما قْدِرت عَ غيابَك بِ كلْمِه تمُون
وجُرح بْ غُمِق وادي... شو بِتقِلُّو؟
نِيسان غَطّاك بْ تَلِج كانُون
وعم تِقشع تْرَيِّةْ وَرِد بِ عيُون
جْفُونا تَحِت حِمْل البِكي انْشَلُّو
والعمر قَهوِه ب حامِض اللَّيمُون
شْرِبتو بِ فنجان الوَجَع... كِلُّو
جورج يرق
بسّام بَرَّاك، سَفَرًا مَيْمُونًا
خَبَرٌ حَزِينٌ جِدًّا. بسّام بَرّاك مَضَى إلى البِلاد التي لا يَعُودُ منها أحد. وهو، على مَدَى سنوات، عانى مَرَضًا صعبًا لم يَقْوَ الطِّبُّ على التصدي له. لكنّه لم يستسلم، بَقِيَ مُتَعَلِّقًا بخيط الأمل، وبـ"فلتكن مشيئتك".
وفي خاتمة الطريق، حَصَلَ ما حَصَلَ. فعلًا، لا أحد يَعْرِفُ ماذا يَحْمِلُ الغَدُ إليه. عِلْمًا بأنّ بسّام كان يَعْرِف الذي ينتظره. مَرّة، سألته "كيف صِحَّتُك؟". قال "مِتْلَمَا إنت شَايف". وأنا شفتُه غير ذلك الشاب الوَسِيم النَّشِط المَحْبُوب الذي عَرَفْتُهُ في السَّنَة الأولى في الماجستير، (في اللغة العربية وآدابها) بكلية الآداب في الجامعة اللبنانية. شِفْتُهُ تَعِبًا، أكبر من عُمْرِهِ، مُقْتَنِعًا اقْتِنَاعَ "مَن كُتِبَتْ عليه خُطًى مَشَاها".
آخر مَرَّة التَقَيتُهُ، مُصَادَفَةً، شتاء 2024، في فُرْن المَنَاقِيش، بساحة جونيه، قُرْبَ مدرسة "العائلة المُقَدَّسَة" حيث يُدَرِّس ويَتَوَلَّى منصب مُنَسِّق اللغة العربية في صفوفها التَكْمِيلِيَّة. عَرَفَ أني أصْدَرْتُ رِوَايَة "صَبِي القَجَّة" (للفتيان)، وأنّ مَدَارِسَ عِدّة أدرجتها في قائمة المُطَالَعَة، وطلب أن أُزَوِّدَهُ نسخةً منها. وَعَدْتُهُ وأَخْلَفْتُ في الوَعْد مَنْعًا للإحراج.
بَرَزَ بسّام في جميع المجالات التي عَمِلَ فيها، وكُلُّهَا ذات صِلَة بالإعلام. ولا سيما في إعداد الوَثَائِقِيَّات وتدريب المُذِيعِين والمُذِيعَات على أُصُول الإلْقَاء، هو المُتَضَلِّعُ من اللغة العربية تَضَلُّعًا عاليًا جعله المُعِدَّ لِمُسَابَقَة الإملاء السنوية ومُلْقِيَها. وكثيرًا ما خاطب بها مُحَدِّثَهُ من غير قَصْد، لِفَرْطِ عُشقه لها حتى باتت صِنْو طَبْعِهِ.
اللّهم خُذْ برُوحِهِ وامْنَحْ أُسْرَتَهُ وأَهْلَهُ والأَحِبَّةَ الصَّبْر.
سحر الخطيب
لم يحمل أحد قط من صفات اسمه على النحو الذي فعله الصديق والزميل بسّام برّاك. اذ ندُر ألا ترى البسمة الخفرة على وجهه وألا تشعر وأنت تحادثه بأنه من طينة مباركة. سنوات قليلة جمعتنا في تلفزيون المستقبل بعدما غادرتَ ال ل بي سي وأقل منها بكثير كانت لقاءاتنا الجانبية في اروقة فرّقتنا وتفرّقت وبقي منها ظل الذكريات الدافئة ووجهك المطل بين حين وآخر -كساحة سلام -على شاشات تشغلها الحروب. كنت أطل على كلماتك لأطمئن عنك وأنا خارج لبنان، وتراك اليوم أيها هالمؤمن بالله قد أرحت رأسك المتعب في رحابه.
العزاء لكل من أحبك وهم كثر، ولكل من رأى صفاتك وهم ليسوا قلّة ولكل من سيحاول بعدك صون اللغة العربية وقد رحل حارسها وهم ثلّة من قلة. وختاماً ولانتزاع بسمة أخيرة منك ها هنا- على أن تشع البسمات على ثغرك هناك - فلقد كنت حاضرا في أحاديث اصدقاء كثر كلما لاح وجه توم برّاك الثقيل في لبنان وكنا نقول بانك وحدك البرّاك الذي أحببنا.
نبيل بو منصف
ان تقول أخلاق الإعلام والصحافة… ان تقول الراقي صاحب اللياقة الرفيعة.. ان تقول المحترف حارس اللغة العربية والأستاذ الساهر عليها.. ان تقول المؤمن الذي كافح المرض بيسوع… فهو بسام براك الذي طوي وجع المعاناة وانتقل تاركا الطيب الفواح في ذكراه. وداعا أيها الصديق الغالي.
وفاء أبو شقرا
كان يناديني دائماً "وفائي" ونبدأ محادثتنا وكلامنا الذي يتشعّب وينتهي بالضحك وقهقهة بسام.. بعد مغادرة كِليْنا الـ LBCI، حافظت على علاقتي به وكنا نتواصل بتقطّع.. الخريف ما قبل الماضي، اتصلت به لأطلب منه أن يكتب مقدّمة لكتابٍ أُعدّه حول "التحولات التي طرأت على اللغة الإعلامية"، ومَن أهمّ من بسام برّاك ليكتب هكذا مقدّمة؟! وجاءني ردّه بعد أسبوع:
"أمسّيكِ بالخير وأعتذر لعدم التواصل منذ أسبوع.. في الواقع أفرح لإنجازاتك الزميلة العزيزة وفاء متمنياً لكِ الخير دوماً.. بالنسبة لطرحك، الموضوع مهمّ وأُدرك عمقه ولكنّني في هذه المرحلة (من العلاج) أُفكّر وأحاور أكثر من الكتابة.. تحياتي ونتحاكى".. لم نتحاكَ للأسف.. فلقد جرفتني الحرب وأنستني الكثير الكثير.. وأبعدتني عن كثيرين كثيرين ومنهم بسام.. نمّ يا صديقي واسترح بعد طول عذاب.. وإلى الملتقى💔💔😢
جوزفين حبشي
رحلت اللغة حين تستقيم، والصوت حين يتأدّب، والحضور حين يُعلّم الصمت كيف ينصت. رحل بسام براك تاركاً وراءه فراغاً لا تملأه الضوضاء ولا الكلمات المستعارة من قاموس المجاملة الفارغة.
رحل من منه تعلّمنا أنّ الميكروفون والكاميرا لا يُغريان، بل يُثقِلان. وأنّ الإعلام ليس عرضاً للأنا، بل التزام تجاه الحقيقة.
من يعرف بسام براك، يعرف كم كان صعباً عليه أن يرى اللغة تُهان على ألسنةٍ لا تعرف وزنها. لذلك ظلّ يحرسها، حرفاً حرفاً، كما يحرس المؤمن صلاته.
وداعاً أيها النبيل الذي جعل من الكلمة بيتاً يليق بالصدق، ومن الشاشة مساحة للوقار. لن نرثيك بصخب، لأنك كنتَ تؤمن أنّ العظمة لا تحتاج ضجيجاً.
كلود صوما
رحل بسام براك…
رحل الصوت الذي حمل اللغة على كتفيه، ومشى بها بخفّة المحبّ وخشوع المؤمن.
إعلاميّ من ضوء الحرف، وصوت لا يعرف سوى الرقيّ والصدق.
من إذاعة "صوت لبنان" بدأت الحكاية، ومن خلف الميكروفون نثر احترامه في الأرجاء، ينطق اللغة العربية كأنّه يؤدي صلاة، ويحملها كما يُحمل الورد بحذرٍ وهيبةٍ وحنين.
تنقّل بين الشاشات، من الـLBC إلى تلفزيون المستقبل، وفي كلّ محطةٍ ترك بصمته المضيئة، وصوته الذي ما عرف الزيف. كان مذيعًا وأستاذًا وراهبًا في محراب اللغة، يعلّم طلابه أن الإلقاء ليس نطقًا فحسب، بل روحٌ تُلقى قبل الحروف.
وفي الجامعة الأنطونية، كان المنسّق بين العقول واللغة، يحرس العربية من غبار النسيان، ومن خوفه عليها، كتب "توالي الحبر"، كتابًا يشهد أن الكلمة ما زالت قادرة على الإضاءة حتى في عتمة الأزمنة.
قاوم المرض بصمت الكبار، وواجه الألم بابتسامةٍ لا تخون. واليوم، يبتعد الجسد، ويبقى الصدى…
يبقى الصوت الذي علّمنا أن الفصاحة أناقة، وأن النطق الصحيح شكلٌ من أشكال الاحترام.
وداعًا بسام براك…
يا سيّد النبرة الرصينة، ويا من جعل من اللغة وطنًا..
نمْ قرير العين، فصوتك سيبقى في الذاكرة دليلًا على أن الجمال لا يموت، وأن الكلمة متى صدقت تخلّد صاحبها...
المسيح قام.
