يسرا في الجونة: كدت أغادر الفن وأنا في بداية الطريق

أشرف غريبالجمعة 2025/10/24
يسرا
احتفى بها مهرجان الجونة السينمائي من خلال معرض "خمسين سنة يسرا"
حجم الخط
مشاركة عبر

 أتمت يسرا في هذا العام – 2025 – عامها السبعين، هي لا تنكر هذا ولا ترى في ذلك ما يخدش نجوميتها وألقها الدائم، وأتمت معه نصف قرن من عمرها الفني، احتلت خلاله صدارة ملصقات أفلامها ومقدماتها المرئية من دون أن تتنازل عن تلك المكانة رغم تقلبات السينما ونوات الأيام والسنين. وقد أعاد مهرجان الجونة السينمائي في دورته الثامنة في منتجع على شاطئ البحر الأحمر بمصر، إلى الأذهان رحلة تلك العقود الخمسة التي شكلت مشوار هذه النجمة الأيقونية من خلال معرض احتفائي مهم تحت عنوان "خمسين سنة يسرا" قدم سردية بصرية لأهم المراحل الإنسانية والفنية التي مرت بها الفنانة الكبيرة عبر هذه الحقبة من الزمان منذ مولدها في منتصف الخمسينيات وحتي اليوم، ليس فقط من خلال عشرات الصور والملصقات الدعائية لأبرز أعمالها الفنية، وإنما كذلك عبر مجموعة من مقتنياتها الخاصة، فضلاً عن شاشة بانورامية ضخمة عرضت بصورة تفاعلية مجموعة من أفلامها ذات التأثير في مسيرتها، بل وفي مسيرة السينما المصرية.

 

وجوه يسرا في الجونة
وجوه يسرا

 

وفي احتفالية افتتاح المعرض، وسط كوكبة من ضيوفه وصناع دورته الحالية كما في ندوتها التي أقيمت على هامشه، أعربت يسرا عن بالغ سعادتها بهذه اللفتة من جانب إدارة المهرجان التي تقودها أسرة ساويرس، أكثر الأسر المصرية ثراء، وأكدت أنها شديدة الامتنان لكل من ساند تجربتها الفنية منذ بدايتها حتى اليوم، مؤكدة أن هذا المعرض ليس فقط تحية لها، وإنما كذلك لكل من رافقها في خطواتها عبر مشوارها الفني. وبدت يسرا واضحة التأثر وهي تستدعي في مخيلتها ذكريات نصف قرن من المعاناة والتعب على حد وصفها، وأشارت إلى إحباط مرحلة البدايات حينما وصمت أفلامها الأربعة الأولى بالفشل الذريع، وأنها كادت حيال هذه الحالة تقرر الابتعاد عن الفن، وطرحت على نفسها الكثير من التساؤلات حول جدية ما تفعله، لكها أصرّت على الاستمرار وعدم الاستسلام لذلك الفشل الذي واجهته بكل شجاعة وإصرار.

 

أهدت فستان الإرهاب والكباب إلى المعرض
أهدت فستان الإرهاب والكباب إلى المعرض 

 

وفي يقيني أن هاتين الصفتين – الشجاعة والإصرار – هما اللتان صنعتا هذا النجاح المتراكم الذي حققته يسرا، يكفي أنها واجهت ظروفاً سينمائية غير مواتية منذ اكتشفها مدير التصوير والمنتج عبد الحليم نصر، وأخرج لها العام 1975 أول افلامها "قصر في الهواء" عن نص روائي لمحمد عبد الحليم عبد الله. فلئن حظيت سيفين محمد حافظ نسيم، وهذا هو اسمها الحقيقي، بمَن يأخذ بيدها في إطلالتها السينمائية الأولى فإنها ظهرت في وقت لم تكن فيه السينما المصرية ترحب باستقبال أسماء جديدة، تاركة كل الفرص تقريبا لنجمات سبقت يسرا إلى الشاشة بسنوات وربما بعقود، فضلاً عن تراجع عدد صالات العرض السينمائي في ظل هدم الكثير منها لصالح الأبراج السكنية ومشاريع الانفتاح الاقتصادي منذ منتصف السبعينيات، فنشأت ظاهرة "أفلام العلب" التي كانت يسرا أبرز ضحاياها، ما جعلها تنتظر لسنوات قبل عرض أفلامها في ترتيب زمني غير الذي صورت فيه. تكفي الإشارة إلى أن أول الأفلام التي صوّرتها "قصر في الهواء" كان ترتيبه الرابع من حيث تاريخ العرض، وهكذا نظر إليها النقاد على أنها ذات موهبة متذبذبة المستوى من دون الوضع في الاعتبار أن موهبتها التصاعدية قد أصابها العطب بفعل هذا الارتباك في عرض الأفلام، وأن تراكم خبراتها الذي تحققته فيلماً بعد آخر، قد التهمه واقع سينمائي غير مؤاتٍ يدعو للإحباط. لكنها نجحت في تجاوز كل هذه العثرات، وشقت لجيلها من النجمات، أمثال ليلى علوي وإلهام شاهين ومعالي زايد وآثار الحكيم، طريقاً نحو الصفوف الأولى، ما أزاح – تدريجياً – أجيالاً ظلت جاثمة طويلاً على صدر المشهد السينمائي.

 

جانب من الندوة
جانب من الندوة

 

أما عن إصرارها فهذه واحدة من أهم مكونات شخصية يسرا، ولولا هذا الإصرار لوهنت شجاعتها وربما استسلمت لما واجهته من إحباطات في أول الطريق. أذكر حين التقيتها  في خريف 1992 في المركز الثقافي الفرنسي بالقاهرة، أثناء تصوير مشاهدها في فيلم "مرسيدس" للمخرج يسري نصر الله والذي عرض في العام التالي، أني لاحظت توترها وانزعاجها من غياب بعض التفاصيل البسيطة في المشهد الذي تصوره. يومها بادرتها: هذا هو فيلمك الرقم 62 بكل ما في هذه اللائحة من نجاحات مع يوسف شاهين وصلاح أبو سيف وبركات وعاطف سالم وغيرهم، فضلاً عن عشرات المسلسلات الناجحة وعلى رأسها "رأفت الهجان"، فلماذا كل هذا التوتر؟ فكان جوابها أنها تتعامل مع كل فيلم على أنه فيلمها الأول، لأن الجمهور لا يرحم وفي انتظارها دائما عند كل مشهد ولقطة، وأن النجاح الفعلي هو نتاج الاهتمام بتلك التفاصيل الدقيقة، من دون أن تنكر أهمية الخبرة في التعامل مع مثل هذه المواقف. وأكدت يسرا أنها ستظل على هذا الإصرار على النجاح حتى آخر أيام حياتها، وأضافت مبتسمة: "وابقى تعالى حاسبني بعد عشرين أو ثلاثين سنة".

 

يسرا تستقبل ضيوف معرضها
يسرا تستقبل ضيوف معرضها

 

وها هي 33 عاماً مرت على هذه التصريحات العابرة، ولا تزال يسرا كما هي، على إصرارها ودأبها مهما كان حجم الدور. أسمعها تقول في ندوة على هامش معرضها في مهرجان الجونة، عن مشهدها الوحيد في فيلم "معالي الوزير" أمام أحمد زكي، أنها تعاملت معه على أنها بطلة الفيلم، لأنه كان المشهد المحوري الذي بنى عليه الكاتب وحيد حامد تركيبة شخصية بطل الفيلم، وكان لا بد أن يظهر في أكمل صوره من حيث الأداء. وأسمعها تتحدث أيضاً عن رفضها في البداية لدورها في فيلم "الإرهاب والكباب" أمام عادل إمام، لأن الدور جاءها في أول الأمر بلا ملامح واضحة، كان الورق الذي كتبه وحيد حامد أيضاً فيه جملة واحدة "هند فتاة ليل"، فقط. لكن ثقتها في أطراف الفيلم، أي عادل إمام ووحيد حامد وشريف عرفه، جعلتها تخوض التحدي، وتم العمل على تنمية الشخصية أثناء الكتابة حتى ظهرت بالصورة التي شاهدها الجمهور لدى عرض الفيلم العام 1993.

 

المهاجر أحد تجاربها مع يوسف شاهين
المهاجر أحد تجاربها مع يوسف شاهين

 

وربما كان اعتزاز يسرا بتجربتها العريضة مع كل من عادل إمام ووحيد حامد ومعهما المخرج شريف عرفة، السبب وراء اختيارها لاثنين من فساتينها الثلاثة التي أهدتها إلى معرضها بالجونة، فقد زين المعرض فستانها الشهير في "الإرهاب والكباب"، وكذلك ما ارتدته في فيلم "طيور الظلام"، فضلاً فستان "خوشيار هانم" في المسلسل التاريخي "سراي عابدين". وفي ظني أن هذه المقتنيات التي ضمها المعرض، إلى جانب الصور والملصقات، أضفت عليه بُعداً شخصياً وإنسانياً حرره من تلك الطبيعة الجافة التي تصاحب مثل هذه المعارض. فبدا معرض "خمسين سنة يسرا"، بفضل براعة تنفيذه وحضور نجمته، واحداً من أبرز فعاليات الدورة الحالية لمهرجان الجونة الذي استضاف أيضاً في خطوة استباقية معرضاً آخر يحتفي بمئوية المخرج يوسف شاهين المولود في 25 كانون الثاني/ يناير 1926. والملفت أن يسرا كانت تصطحب ضيوفها أولاً إلى معرض يوسف شاهين، قبل أن تأخذهم في جولة داخل معرضها، في لفتة تعبّر عن امتنانها لواحد من أهم أساتذتها وصاحب تجاربها السينمائية المميزة في "حدوتة مصرية" و"اسكندريا كمان وكمان" و"المهاجر" و"اسكندرية نيويورك". 

     

       

Loading...

تابعنا عبر مواقع التواصل الإجتماعي

إشترك في النشرة الإخبارية ليصلك كل جديد

اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث