بعد أكثر من عقدين نال الكاتب والسياسي الأسير الفلسطيني، كميل أبو حنيش حريته، وطلبت سلطات الاحتلال الإسرائيلي إبعاده إلى مصر، وهو صاحب سيرة طويلة بين السجن والكتابة، ويعتبر أحد أبرز منظّري التجربة التنظيمية داخل المعتقلات، ووصف بـ"المثقف الثوري على خطى غسان كنفاني".
ولد كميل أبو حنيش في قرية بيت دجن في محافظة نابلس، في 26 من سبتمبر 1975، ودرس في جامعة النجاح بنابلس، نال البكالوريوس في الاقتصاد العام 1999، وأصبح مسؤولًا لـ"جبهة العمل الطلّابي" ولـ"المكتب الطلّابي" في الضفّة المحتلة. ثم التحق بجامعة بيرزيت لدراسة العلاقات الدولية، وحصل على الماجستير في الشؤون الإسرائيلية والإقليمية عام 2019.
اعتقله العدوّ الإسرائيليّ سجنه عدّة مرات. كما سُجن لدى أجهزة السلطة الفلسطينيّة. وما إنْ بدأت الانتفاضةُ الثانية حتى حمل سلاحَه وتقدّم الصفوفَ الأولى، ثمّ أسّس مع رفاقه في الأرض المحتلّة "كتائب الشهيد أبي علي مصطفى" ــ الذراعَ المسلّحة للجبهة الشعبيّة. واعتُقِل أبو حنيش من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي عام 2003، وقضي حكما بالسجن المؤبد تسع مرات، وقد أصيب أثناء مطاردته عام 2001 في هجوم بسيارة مفخخة، جُرِح فيها بإصابات متوسطة.
هدمتْ قواتُ الاحتلال منزلَ عائلته أثناء ملاحقته، بعد اعتقاله بتاريخ 15/4/2005. وطالبتْه "المحكمة" بدفع مبلغ 15 مليون دولار ردًّا على عمليّة مستوطنة "ايتمار" التي اتهمتْه بالتخطيط لها (نُفّذتْ في حزيران 2002 وأسفرتْ عن مصرع خمسة مستوطنين). وقد وَجّهت "المحكمةُ" الصهيونيّة إليه تهمًا أخرى، بينها تجنيدُ منفِّذ العملية الاستشهاديّة في سوق نتانيا في أيّار 2002 (أسفرتْ عن مصرع ثلاثة مستوطنين).
وخلال سنوات سجنه الطويلة، استخدم أبو حنيش الكتابة سلاحاً وفضاءً للمقاومة، بشكل أدبي وسياسي وفكري، فهو ليس فقط روائيًّا فحسب، بل أيضًا هو باحث وكاتب مقال، وقد نشر دراسات نقدية وسِيَرًا وأعمالًا أدبية متنوعة. ومن أعماله: روايات مثل: خبر عاجل، وبشائر، ووجع بلا قرار، والجهة السابعة، والكبسولة، ومريم/ مريام، وتعويذة الجليلة، وجدلية المكان والزمان في الشعر العربي، وكتاب مشترك مع الأسير وائل الجاغوب بعنوان التجربة التنظيمية والسياسية في السجون، وكتاب "الكتابة والسجن: عالم الكتابة في السجن (2023)، ضمن مشروع "كلمات حرة"، حيث قدم تجاربه في الكتابة داخل السجن متحدثا عن أدوات الكتابة، وآلياتها، وكيف تولد الأفكار داخل الزنزانة، والعوائق التي تواجه السجين في الكتابة. إضافة إلى كتاب نقدي بعنوان "مع فرناندو بيسوا: قراءة نقدية في كتاب اللاطمأنينة"، والذي أنجزه في سجن "ريمون"، والكتاب تحليل لعمل الكاتب البرتغالي فرناندو بيسوا.
وشكل الحكم المؤبد تسع مرّات، وسنوات الاعتقال الطويلة، والمحاولات السابقة للاعتقال والاغتيال، والمعاناة المادية والمعنوية، خلفية صعبة لأبي حنيش الذي اختار أن يجعل الكتابة صمّام الأمان، ووسيلة المقاومة الثقافية والفكرية. يقول أبو حنيش: "إن فكرة الكتابة والسجن وُلدت نتيجة إحساسي بالإحباط، حين شعرت بأن الكتابة ربما باتت عبئًا لا طائل منه، في ظل الحالة الفلسطينية والعربية التي أعتبرها متدهورة، وتمسك بعض الأنظمة بتطبيع العلاقات مع إسرائيل".
