"تذكرة من نوع آخر"... الضحايا هنا أرقام

ربيع شاميالخميس 2025/10/09
"تذكرة من نوع آخر"
"تذكرة من نوع آخر"
حجم الخط
مشاركة عبر

عرض مسرحي بعنوان "تذكرة من نوع آخر" من كتابة وإخراج يوسف خليل، قدم على خشبة مسرح المدينة ضمن مهرجان "مشكال"، المنصة الشبابية التي تأسست العام 2012 وعادت هذا العام بعد انقطاع لسنوات بسبب الأوضاع الأمنية والاقتصادية. 

 

"تحت المظلة " قصة قصيرة لنجيب محفوظ تدور أحداثها على مقعد انتظار في شارع حيث المارة الغرباء يتجمعون تحت مظلة، لا يعرفون بعضهم ولا يجمعهم سوى الرتابة واللامبالاة. كتب محفوظ قصته القصيرة بعد هزيمة 67 في عشر صفحات ملأة بالرموز والاحداث الغريبة والفوضى التي تعمّ الشارع. لص يندفع وصياح يتعالى والمطر ينهمر ومجموعة الغرباء تحت المطر المنهمر يختبئون تحت المظلة ولا يحركون ساكنا. ثمة جرائم ترتكب من حولهم، جريمة شرف داخل كشك الهاتف، لص يلاحقه الرجال وصراخ من هنا وهناك ولوحة ضبابية مع المطر يوظفها محفوظ لتكون حاجبة الرؤية عن أشياء تحدث وكأنها مشهد سينمائي حيث الأشخاص يأتون من حيث لا ندري وجثث تتساقط وسيارات تتصادم وشرطي يقف امام باب عمارة يدخّن سجائره، وكأنّ هذا المشهد برمّته لا يعنيه، "يا لها من ضربات قاسية عنيفة" لا يحرّكون ساكناً "لقد نال الإعياء من الرجال، وكفّوا عن تبادل الضربات" أمام أعين الشرطي الذي أزاح نظره بلا مبالاة. هناك جرائم ترتكب، وهناك حقوق تنتهك، وهنا لصّ يسرق، وهناك من يستغيث، وهناك متفرّجون وشرطيّ لا يعنيه ما يحدث.

 

"تذكرة من نوع آخر"


الجميع تحت المظلّة استساغوا الشكّ أكثر من يقينية المشهد وحقيقته ويرونه مشهداً سينمائيّاً، وبالتأكيد ستتضح الصورة. يتناقشون في الأمر، لكن دون تحريك ساكن. مطاردة حامية، وسيارة تفرمل، وأخرى تصطدم بها، ونيران تشتعل، وآدميّ يزحف تحت إحدى العربات ملطّخ بالدم، يحاول الخروج والوقوف، لكنه سقط سقطته الأخيرة. قصة قصيرة مليئة بالعنف والموت والحياد الظاهر وباللامبالاة في تعداد الضحايا الذين يموتون من غير أوانهم. قصة "تحت المظلة " أتت بعد هزيمة 67، كتبت مثل صرخة إدانة عن سؤال الهزيمة والموت المجاني ولامبالاة العالم من حولك. 

 

مظلة نجيب محفوظ

ينطلق المخرج الشاب يوسف خليل من مناخات " تحت المظلة" ومشهدها الضبابي والمحايد ليبني عليها نصه وشخصياته وسينوغرافيته حيث ستارة المسرح الشفافة تقف حاجزاً بين المشاهد والأحداث التي تجري أمامه. سيدتان ورجل يقتلان في الوقت نفسه لكن في ظروف مختلفة. شخصيات تجلس على مقعد الانتظار المتخيل في محطة قطار، مقعد خشبي وكشك هاتف وآلة عود تُفترش بينهم وتتحرك مع تحركهم. شخصيات تتساءل: "كأنه طوّل، المفروض واصل، تأخرت ساعتين"، جملة تتوزع على ألسنة الشخصيات كأنها جملة موسيقية تؤدى على شكل تفريدات متنوعة من الايقاعات والنبرات والأحاسيس. جملة تنتظر اللاشيء والحدث الذي لا يحدث. شخصيات عالقة في محطة سفر الحياة، بين السماء والأرض تحاول ان تروي لنا ماذا حدث لها من قهر وظلم وتتساءل ماذا سيحدث بعد الموت؟ 

 

"تذكرة من نوع آخر"

 

يقدم يوسف خليل في "تذكرة من نوع آخر" احتفالية الموت بشفافية عالية وبأسئلة بأي ذنب تموت الناس قبل أوانها في الحروب والهجرات غير الشرعية وفي جرائم الشرف. تعددت الأسباب والموت واحد. موت يلفنا في يومياتنا ولا نبالي او نبقى عاجزين أمام دوامة العنف التي تعيشه شخصيات العرض، تقرأ خبر موتها في الجريدة وتتلاعب مع آلة العود كرمز لهذا الشرق العنيف. بينيلوب إبراهيم، عصب ممسوك بشكل دائم على خشبة المسرح، ماريا إسكندر بحساسيتها العالية ومحمد طالب صاحب الحضور الآسر بصوته ونظراته وغنائه الدرامي. "تذكرة من نوع آخر" صرخة احتجاج على الموت القريب والعاجل، على الحروب والهجرات وجرائم المجتمع وتخلفه. وذلك كله يحدث من وراء الستارة الشفافة مثل حاجب وضعه يوسف خليل امام الجمهور المتلقي على شكل إدانة اللامبالاة والعجز الذي أصابنا.

Loading...

تابعنا عبر مواقع التواصل الإجتماعي

إشترك في النشرة الإخبارية ليصلك كل جديد

اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث