"ديڤا" في بيروت: نظرات مختلسة إلى خزائن فنانات العرب

المدن - ثقافةالثلاثاء 2025/10/07
سعاد حسني
سيحظى رواد المعرض بفرصة مشاهدة فيلم "اختفاءات سعاد حسني الثلاثة" للمخرجة اللبنانية رانيا اسطفان
حجم الخط
مشاركة عبر

دعا متحف سرسق الى افتتاح معرض "ديفا: من أم كلثوم إلى فيروز إلى داليدا" الجمعة 17 تشرين الأول (أكتوبر) 2025 بين الساعة الثامنة والعاشرة مساءً، بحضور الدكتور طارق متري نائب رئيس مجلس الوزراء نواف سلام ورئيس مجلس أمناء متحف سرسق، وبرعاية وحضور الدكتور غسان سلامة وزير الثقافة اللبناني، وجاك لانغ رئيس معهد العالم العربي في باريس ووزير الثقافة الفرنسي السابق.

 

المعرض المتعدّد الوسائط من تنظيم معهد العالم العربي في باريس، وهو يحطّ رحاله في بيروت بعد نجاحه في باريس وأمستردام وعمّان، لتكريم إرث أشهر نجمات العالم العربي والاحتفاء ببصماتهن الفنية الخالدة.

 

مــن أم كلثــوم إلى وردة الجزائريــة، ومــن أســمهان إلى فيروز، ومــن ليلــى مــراد إلى ســامية جمــال، مــرورا بســعاد حــسني وصبــاح، دون إغفــال ذكــر دائمــة الشــباب داليــدا، يطمــح هــذا المعــرض إلى أخــذ الجمهــور في رحلــة حالمة إلى قلــب حيــاة وفــن هــؤلاء المطربــات والممثلات والراقصات الأسطوريات، وكذلك التعرف على ما تركنه من أثر وتغيير عميقين.

 

هؤلاء الرائدات يمثّلن رمــوزاً خلدهــا الزمــان لنســوة تمتعــن بصلابــة العزيمــة، رمــوز لهــا مكانتهــا في المجتمعــات العربيــة لــفترة مــا بعــد الحــرب العالميــة. نجمــات يعجــز القــول عــن وصــف مسيرتهــن الفنيــة، فنانــات فرضــن أنفســهن في الســاحة الفنيــة مــن القاهــرة إلى بيروت، ومــن المغــرب العــربي إلى باريــس. فنانــات أشرقــت مسيراتهــن في فترة مــن الجيشــان والحماســة الفنيــة والفكريــة، وقدمــن صــورة جديــدة للمــرأة، وكذلــك لتجديــد ســياسي في أوطانهــن أينعــت زهــوره منــذ أوائــل العشرينيــات وبخاصــة في مصر، حتى الســبعينيات مــن القــرن العشريــن. وهكــذا يســلط المعــرض الضــوء، مــن خلال هــؤلاء النجمــات، علــى التاريــخ الاجتماعــي للمــرأة العربيــة وولادة النســوية داخــل هــذه المجتمعــات الأبويــة، وعلــى دورهــن في الدفــاع عــن القوميــة العربيــة والنضــال مــن أجــل الاســتقلال في الســياق التاريخــي مــن وجــوده، - قبــل كل شيء - وكذلــك دورهــن المركــزي في المجــالات الفنيــة المختلفــة التي ســاهمن في إحداث ثورة فيها.

 

نجمات بين القاهرة وبيروت

وقالت مديرة متحف سرسق كارينا الحلو: "في ستينيات القرن الماضي، كانت بيروت إضافة إلى القاهرة، عاصمةً للموسيقى العربية، هنا لعبت مطربات نجمات مثل "كوكب الشرق" أم كلثوم التي قدمت أداءً لا يُنسى في مهرجان بعلبك؛ وفيروز "سفيرة لبنان الى النجوم" التي لاقت شهرةً عالميةً؛ ووردة وأسمهان، دوراً حاسماً في تشكيل الموسيقى العربية الحديثة ودفعها إلى الواجهة على المستوى العالمي". وأضافت الحلو: "لطالما أكدت بيروت استمرارية حيويتها الثقافية رغم الصراعات التي عصفت بها، من خلال الموسيقى والمسرح والمهرجانات... ويعكس هذا المعرض ذكريات الماضي المجيد، ويؤكد في الوقت نفسه على التراث الحي الذي لا يزال مصدر إلهام ويستحق الالتفات إليه من جديد".

 

صباح

 

 مساحات فريدة بين فيروز وصباح

يختلف معرض "ديفاز" البيروتي عن سابقاته في باريس وأمستردام وعمّان، بطريقة العرض وإضافة مساحات أرشيفية وأزياء وأفلام فيديو وصور فوتوغرافية في ركن الديفاز الرئيس وفي ركن الفنانين المعاصرين.

 

ففي الركن الخاص بفيروز، ينفرد متحف سرسق بعرض فساتين ارتدتها "جارة القمر" في مسرحية "قصيدة حب" في مهرجانات بعلبك الدولية العام 1973  للمصمم اللبناني الأرمني جان بيير ديليفر وهو من أبرز الأسماء التي صاغت صورة فيروز على المسرح في السبعينيات. بعد رحيل مدام صالحة، أصبح ديلفر المصمّم الموثوق للنجمة، فابتكر لها أزياء حفلات بعلبك وجولتها الأميركية العام 1971. اتسمت أعماله بالألوان الزاهية والخطوط البسيطة والأنيقة، كثيراً ما استلهم فيها الزخارف البدوية التي تعكس مواضيع أغانيها. كان يؤمن بأن الموضة حوار بين الشرق والغرب، ساعياً إلى «تغريب الشرق وتعريب الغرب»، عبر مزج تقنيات الخياطة الأوروبية بالقصّات الشرقية.

 

 ومن مسرحية "أيام فخر الدين" التي قدمت في العام 1966 في مهرجانات بعلبك الدولية عام 1966، يعرض المتحف فستان ارتدته فيروز حينها من تصميم مارسيل ربيز وسامية صعب التي تُعدّ رائدة في تصميم الأزياء اللبنانية وكرّست مسيرتها للحفاظ على التراث الثقافي للبلاد وإعادة ابتكاره.

 

فيروز

 

فيروز

درست صعب (1933 – 2023) الفنون الجميلة وبدأت بجمع ودراسة الأزياء التقليدية اللبنانية، من أثواب القرى إلى الحُلي الاحتفالية. سرعان ما تحوّل شغفها إلى مهنة، فانضمت إلى لجنة الفولكلور في مهرجانات بعلبك بين 1956 و1967، حيث صمّمت رقصات وأزياء الأوبريت الشهير فخر الدين عام 1967. تميّزت أعمالها بدقّتها الفائقة وبحسّها التشكيلي في تناغم الألوان، ما أضفى على تصاميمها أصالةً وجاذبية على خشبة المسرح. ومن خلال عروضها ولوحاتها الحيّة التي جسّدت الحياة العائلية والتقاليد الاجتماعية، ساهمت في إبقاء الفولكلور اللبناني حيّاً في الذاكرة.

 

مجموعة فنانات

 

ومن الأزياء الى الفيديوهات النادرة الخاصة بالسيّدة فيروز في أميركا الجنوبية، يعرض متحف سرسق لقطات فيديو من استعدادات جولة أميركا الجنوبية في ريو دي جانيرو العام 1961، إضافة الى فيديو آخر مقتطف من فيلم وثائقي عن جولة الولايات المتحدة الأميركية، 1972، من إنتاج باركر وشركاه. وفي هذا الركن نعرض صوراً نادرة من حياة "سفيرة النجوم" الخاصة، سواء العائلية أو السياحية أو المسرحية... كل ذلك استعاره المتحف من أرشيف منجد الشريف ابن المخرج الراحل صبري الشريف.

 

ومن أرشيف تلفزيون لبنان، يعرض "سرسق" فيديو كليب أغنية "بكرم اللولو" من غناء فيروز عام 1966. سُجِّل في استوديوهات التلفزيون الوطني اللبناني، ضمن برنامج "ضيعة الأغاني". ثم أُدرجت الأغنية في ألبوم "يا رايح" عام 1994.

 

وفي ركن "الصبوحة" التي تميزّت بأناقتها وجرأة أثوابها وبدلاتها المُبهرة وفساتينها ذات الهوية العربية، ينفرد متحف سرسق بعرض صور وفساتين "الشحرورة" من تصميم وليام خوري (1946-2016). على مدار صداقتهما الطويلة، صمم خوري لصباح حوالي 400 فستان، من عروض مهرجان بعلبك إلى مسرحيات كازينو لبنان الموسيقية والحفلات الموسيقية العالمية. أصبحت إبداعاته جزءًا لا يتجزأ من صورتها المشرقة، مجسدةً كلًا من السحر والابتكار. حظي خوري بتقدير دولي، وقدم عروضًا في جميع أنحاء أوروبا والأميركتين وأفريقيا والخليج، وحصل على جوائز في كان وباريس. ارتقى عمله بالموضة في لبنان إلى شكل فني، تاركًا بصمةً دائمةً في الذاكرة الثقافية العربية. ومن تصميم بابو لحود سعادة هناك ثلاث فساتين ارتدتها صباح من مسرحية "وتضلّو بخير" من اخراج صبري الشريف.

 

فاتن حمامة

 

فاتن حمامة وعمر الشريف

بدأت بابو لحود سعادة مسيرتها في عالم الأزياء عام 1965 بتصميم الملابس المسرحية، بتشجيع من شقيقها روميو، المخرج والمؤلف المسرحي المعروف. في سن الخامسة عشرة، ساهمت في تصميم أزياء عرض شعبي ناجح في بعلبك، مما مهد الطريق لمسيرتها الفنية المزدهرة. بعد دراستها للهندسة المعمارية الداخلية في مدرسة كاموندو في باريس، عادت إلى لبنان وسرعان ما اشتهرت بتصميم الأزياء المسرحية، حيث ألبست نجمات بارزات مثل سلوى وفيروز وصباح.

 

على مر السنين، صممت أزياء 62 عرضاً مسرحياً وغنائياً وراقصاً، بينها 12 مهرجاناً دولياً، متعاونة مع أسماء كبيرة مثل روميو لحود، والأخوين رحباني، وريمون جبارة وغيرهم. عُرضت أعمالها في بعلبك وجبيل والأرز وجرش، كما شاركت في مناسبات عالمية في طهران خلال تتويج الشاه، وبغداد، وأولمبيا في باريس (1969 مع روميو لحود و1979 مع فيروز)، وبروكسل ولندن. كما صمّمت أزياء للفرقة الوطنية الليبية وللفرقة الملكية الأردنية خلال الذكرى الأربعين واليوبيل الفضي للملك حسين.

 

هند رستم

 

هند رستم

أما في ركن الفنانين المعاصرين، فسيحظى رواد المعرض بفرصة مشاهدة فيلم "اختفاءات سعاد حسني الثلاثة" للمخرجة اللبنانية رانيا اسطفان. يُشكّل الفيلم مؤثرًا لإحدى الممثلات الأكثر محبوبية في العالم العربي. لقّبت سعاد حسني بـ "سندريلا الشاشة العربية"، عبر مسيرة فنية استثنائية امتدت من ستينيات حتى تسعينيات القرن العشرين، مثّلت خلالها في أكثر من ثمانين فيلماً جسّدت فيها تناقضات المرأة العربية الحديثة مع تألقها وتعقيداتها. تبني اسطفان فيلمها الروائي الطويل بالكامل من لقطات فيديو لأدوار سعاد حسني، مركّبةً كمأساةً من ثلاثة فصول تروي فيها النجمة قصة حياتها بصيغة المتكلم. إعادة استخدام الخيال السينمائي والروائي، يصبح هنا أبرز سجل لتجسيد حضور حسني، فيحوّل الفيلم إلى أقرب ما يكون من السيرة الوثائقية عن حياتها ورحيلها. كما يُصبح النسيج الخام لصورة الفيديو تكريمًا ورثاءً في آنٍ واحد، مُتأملًا في كيفية تشكيل السينما الشعبية للذاكرة الجماعية. يجمع الفيلم بين المرح والجدية، ويقترح إعادة كتابة شعرية للتاريخ الثقافي العربي من خلال صورة نجمة مُبهرة.

 

 

اسمهان

 

كما يخصّص المتحف مساحة لعرض لوحتين للفنان التشكيلي المصري شانت أفيديسيان (1951-2018): بورتريه لسعاد حسني (من مجموعة رانيا اسطفان) وآخر لأم كلثوم (من مجموعة كارلا وكارلوس غصن). يُعرف شانت أﭬيديسيان بسلسلة "أيقونات النيل"، التي أعاد فيها تصور الشخصيات الشهيرة في العصر الذهبي لمصر من خلال أنماط زخرفية وألوان جريئة. باستخدام القوالب والغواش والكرتون المموج، حوّل أﭬيديسيان صورًا صحفية مألوفة للمغنين والممثلين والقادة السياسيين إلى مجموعة من الرموز المعاصرة. هنا، تظهر أم كلثوم وسعاد حسني - على خلفيات منقوشة متألقة. جسدت أم كلثوم، قرنًا من الموسيقى والسياسة بصوتها وحضورها، بينما سعاد حسني، صنعت ملامح السينما المصرية في الستينيات والسبعينيات بإشراقتها الفريدة. من خلال وضع هذه الشخصيات على خلفيات مستوحاة من التراث الإسلامي والعثماني والفولكلوري، مزج أﭬيديسيان بين الثقافة الشعبية والإرث البصري، رافعاً صور الإعلام الجماهيري إلى مستوى الرموز الخالدة في الذاكرة الثقافية.

 

تحية كاريوكا

 

تحية كاريوكا

ويقدّم المصوّر الفوتوغرافي والمخرج اللبناني محمد عبدوني عملاً بعنوان "ديفا في دور صباح" (2023). هنا يُعيد المصوّر تخيّل الأسطورة صباح من خلال شخصية ملكة الدراغ اللبنانية ديفا. فقد عُرفت صباح، كأيقونة للموضة، صُممت صورتها باستمرار بمساعدة مصففي الشعر وخبراء التجميل من مجتمع الميم. تُبرز صورة عبدوني هذا التشابك، مُقدمةً الدراغ كنوع من التكريم والاستعادة. بتجسيد شخصية صباح الساحرة، تؤدي ديفا تحية للعمل الإبداعي الكويري الذي ساهم في تشكيل الثقافة الشعبية العربية، مع التأكيد على الترابط بين الماضي والحاضر. يتردد صدى أعمال عبدوني في مشهد الدراغ المزدهر في بيروت، حيث يستلهم الفنانون من بذخ النجوم العرب إلى جانب ثقافة البوب العالمية. في "ديفا في دور صباح"، يلتقي الأداء بالذاكرة والهوية، مظهراً كيف تبقى الأيقونات كأدوات رؤية للمجتمعات المهمشة. هكذا يضع عبدوني صباح ليس فقط كديفا عصرها، بل كمُلهمة مستمرة في الخيال الثقافي الكويري.

 

 

أم كلثوم

 

ثومة

أما الكاتبة اللبنانية لمياء زيادة، فتقدم تجهيزاً فنياً بعنوان "يا ليل يا عين" (عرض فقط في باريس ولكنه لم يعرض في عمّان). وهو مستوحى من روايتها المصّورة التي تحمل العنوان نفسه الصادرة في 2015. ولمياء زيادة فنانة وكاتبة لبنانية مقيمة في باريس، تجمع أعمالها بين الذاكرة الجماعية والتجربة الشخصية. في  كتابها "يا ليل يا عين"، تتبّعت سِيَر عدد من نجمات عربيات بارزات – أسمهان، أم كلثوم، فيروز، صباح، ليلى مراد وغيرهن – إلى جانب الشعراء والسياسيين والشخصيات الثقافية الذين أسهموا في صياغة مشهد الشرق الأوسط من بدايات القرن العشرين حتى ما بعد هزيمة ١٩٦٧. عبر النص والرسم، ترسم زيادة مسار ازدهار الموسيقى والسينما العربية في عصرها الذهبي، كما تروي قصة النضال ضد الاستعمار في الشرق الاوسط. في هذا التركيب الفني، تنقل الفنانة أجواء بيتها – بما يضمّه من صور وأغراض وذكريات – إلى قاعة العرض، فتُدخل الزائر في العالم البصري والعاطفي الذي نشأت منه الرواية. بين السيرة الذاتية والتاريخ، تقدّم زيادة عملاً يجمع بين التكريم والنقد، ويجعل من الديفا عدسة لإعادة النظر في الحداثة الثقافية العربية.

 

وردة

 

تحية خاصة من إيلي صعب

حياة النجمات ونجاحاتهنّ لا تكتمل من دون المظهر اللائق والأناقة والإبهار والألوان وتصميم الأزياء التي زيّنت أجسادهنّ وصمّمها مصمّمون مبدعون مثل اللبناني العالمي إيلي صعب الذي قرر تقديم فيديو قصير "تحية الى الديفا" من إنتاج وإخراج إيلي فهد. يقدّم إيلي صعب تحية شخصية وصادقة إلى أيقونات خالدات شكّلن بجمالهنّ وحضورهنّ وأناقتـهنّ جوهر حقبة بكاملها. فمنذ بداياته الأولى، أسرته هؤلاء النساء المتألّقات وألهمن أحلامه الإبداعية. أصواتهن، وجمالهن، وقوتهن شكّلت روح زمنٍ كامل.

 

في أجواء حميمة، يفتح إيلي صعب نافذة نادرة على عالمه الداخلي، متأمّلاً صوراً وذكريات تركت أثراً عميقاً في وجدانه. ومن خلال هذه الرحلة إلى الماضي، تستعيد الديفا حضورهن من جديد، ليس كأيقونات فحسب، بل كمصادر إلهام متجدّدة. ما زالت هذه الملهمات الخالدات توجّهن رؤيته حتى اليوم، كما أثّرن في أجيال متعاقبة. إن إرثهن يحافظ على حوار بين الماضي والحاضر، ويذكّرنا بقوة الجمال والإلهام ومعناهما العميق في هذه التحية.

 

Loading...

تابعنا عبر مواقع التواصل الإجتماعي

إشترك في النشرة الإخبارية ليصلك كل جديد

اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث