رحيل الأديب التشيكي إيفان كليما...مُعارض الشمولية للنهاية

المدن - ثقافةالاثنين 2025/10/06
ايفان كليما
"إن جنون القرن العشرين الذي أكتب عنه يتعلق بالأيديولوجيات الشمولية التي كانت مسؤولة عن جرائم لا تُصدق"
حجم الخط
مشاركة عبر

رحل الروائي والمسرحي التشيكي إيفان كليما، أحد أبرز الكُتّاب في النصف الثاني من القرن العشرين، السبت، عن 94 عاماً. وقال ابنه ميخال كليما: "توفي والدي الكاتب إيفان كليما في وقت مبكر اليوم في منزله محاطاً بعائلته بعد مرض طويل". ونعت وزارة الثقافة التشيكية الأديب الراحل في موقع إكس، مستعيدةً إحدى عبارات كليما: "الانتظار يعني التطلع إلى الأمام. ما دام لديك من تتطلع إليه، فالحياة لها معنى".

 

وينتسب كليما، إلى عائلة مثقفة، اكتشف أن والديه يهوديين عندما تسلم هتلر السلطة الألمانية، وأرسل الى المعتقل مع أسرته التي نجت، لأن والده كان مسؤولاً عن إدارة الكهرباء في المعسكر، فنجا من المجازر النازية، وأُعفي من النقل إلى معسكرات الإبادة. لكن الأسرة عانت موت أقرباء وأصدقاء "قتلوا بالغاز كحشرات وأحرقوا كفضلات". 

 

ولأنه يهودي، أمضى كليما أكثر من سنة في أحد المعسكرات النازية، قبل أن يحرره الجيش الأحمر الروسي وذلك في العام 1945، وعندما عمل في مستشفى تعجب زملاؤه من هدوء أعصابه إزاء الجثث، لكن سنوات المعتقل منحته القوة، ونجاته وهبته التفاؤل. مع ذلك بقي الجوع في البال. وهو يقول إنه قرأ سراً خلال فترة الأسر تلك، تشارل ديكنز وهوميروس وجول فارن، ليكتشف فرانز كافكا لاحقاً: "كانت أول قصة قرأتها لفرانز كافكا، تضم المقطوعات الشعرية الطويلة القليلة التي أنجزها، وكانت القصة تتحدث عن رحالة أراد ضابط في إحدى الجزر أن يريه آلة الإعدام الغريبة التي صنعها بمحبة وتفان. لكن الآلة تعطلت أثناء العرض، وشعر الضابط بخزي كبير جراء هذا، فوضع نفسه على كرسي الإعدام". اكتشف كليما قوة الأدب في المعتقل النازي، هذه الولادة الثانية يسجلها كليما خيالياً في أكثر من رواية كما يقول الروائي ربيع جابر.

 

C:\Users\Dima\Pictures\download (1).jpg

 

ولد إيفان كليما في أيلول 1931 في براغ. بعد الحرب، درس العلوم السياسية والاقتصادية، وتخرّج لاحقاً في اللغة والأدب التشيكي من كلية الآداب في براغ. ثم عمل محرراً لمجلة "كفيتي". بين العامين 1963 و1969، وشغل منصب نائب رئيس تحرير "الرواية الأدبية".

 

انضم إلى الحزب الشيوعي في العام 1953، ثم جرى فصله من الحزب بعد انتقادات علنية وجّهها في مؤتمر الكُتّاب الرابع في العام 1967. عاد إلى الحزب في أواخر الستينيات قبل أن يُفصل نهائياً في العام 1970. ثم جاءت السنوات الطويلة من الدكتاتورية والقمع قبل "الثورة المخملية" التي اندلعت في 1989 بعد موجة البرويستريكا الغورباتشوفية. وطوال هذا المرحلة لم تغب عن ذهن كليما فكرة الحرية، أو الإيمان بها والاعتقاد بإمكان العثور عليها في غمار كتابة الحقيقة.

 

وقال كليما للإذاعة التشيكية العامة في العام 2010، عن مذكراته المؤلفة من مجلدين بعنوان "قرني المجنون" التي فازت بجائزة "ماغنيسيا ليتيرا": "إن جنون القرن العشرين الذي أكتب عنه يتعلق بالأيديولوجيات الشمولية التي كانت مسؤولة عن جرائم لا تُصدق".

 

بعد الثورة، أصدر كليما العديد من القصص والروايات والمسرحيات، أبرزها "حب وقمامة"، التي تناول فيها سيرته عبر كاتب يصبح عامل تنظيف بعد أن قُضي على "ربيع براغ" في العام 1968. وظّف كليما رمزية القمامة وخرج بنص أدبي متين ومميز يدين الأنظمة الطغيانية، وحتى الأنظمة الانتهازية. كذلك وجد الكثير من العلماء في القمامة التاريخية مفتاحاً لاكتشاف الحقائق والحكايات وهذا ليس بالأمر السهل. كذلك أصدر رواية "لا قديسون ولا ملائكة"(ترجمت إلى العربية عن دار التنوير) و"في انتظار العتمة، في انتظار النور"، و"حرفي الذهبي"، إضافة إلى كتاب "روح براغ ومقالات أُخرى".

 

إذا كان العام 1989 مخملياً، فإن كليما يقول إن نهاية الستينيات وبداية السبعينيات كانت أسوأ المراحل، فقد انطلقت الدبابات السوفييتية لتضع نهاية لربيع براغ في أغسطس 1968. وقد كان كليما في طريقه إلى الولايات المتحدة لأجل زمالة تدريس في ميتشغان، وهزته الأنباء، وعندما انتهت فترة التدريس بعد عام وجد نفسه حيال قرار صعب يتعلق بالبقاء في المنفى على نحو ما فعل الكثير من المنشقين التشيك أو العودة إلى بلاده. ويتذكر كليما: «قال الجميع: لا ترجع فسيرسلونك إلى سيبيريا!». لكنه أحسَّ بأنّ لا معنى لبقائه في الخارج باعتباره كاتباً وافتقاده ليس للغة وحدها، وإنما للناس الذين يفهمهم

 

في العام 2002 منحه الرئيس فاتسلاف هافل وسام الاستحقاق لجمهورية التشيك، كما نال جائزة فرانز كافكا في العام نفسه تقديراً لإسهامه الكبير في الأدب التشيكي والعالمي.

bposts20210303150928.png

وبالرغم من أن كليما أحد أبرز الروائيين التشيك، لكنه لم يعرف شهرة مواطنه ميلان كونديرا في الغرب وفي العالم العربي، مع أنه لا يقل أهمية عنه، وهو مثله شاهد على أزمنة صعبة وعلى أنظمة قاسية وقمعية.

 

بين كونديرا وكليما ثمة الكثير من المناكفات، تشبه تلك التي بين يوسا وماركيز في جانب من الجوانب، ففي كتاب أصدره الروائي الأميركي فيليب روث بعنوان "لنتحدّث في العمل" لدى دار "غاليمار"، وتضمن مجموعة حوارات مع كتاب عالميين من بينهم إيفان كليما؛ إذ يُقوم هذا الأخير بتشريح الساحة الأدبية التشيكية من العام 1950 وحتى اليوم، ويقول روث عن كليما بأنه نقيض مواطنه كونديرا على الرغم من نقاط تشابه كبيرة بينهما. إذ ثمة هوة عميقة بين طبعَيهما وأصولهما ومسارَيهما في الحياة. لكن هنالك في الوقت نفسه قرابة شديدة على مستوى استخدام الإروسية والكفاح ضد اليأس السياسي. ومع احترامه لكونديرا، إلا أن كليما يُبيّن في هذا الحوار كيف أن تجربة كونديرا بذاتها تتناقض مع موقعه كالطفل المدلل للنظام الشيوعي حتى العام 1968. ويشير كليما إلى أن كونديرا في الفترة التي بلغ فيها شهرة عالمية، كانت الثقافة التشيكية تقود صراعاً مريراً ضد النظام التوتاليتاري شارك فيه المفكرون الذين بقوا داخل البلاد وأولئك الذين كانوا منفيين، وعانوا كثيراً وضحّوا بحريتهم الخاصة ووقتهم وأحياناً بحياتهم، على خلاف كونديرا الذي لم يتضامن أبداً معهم ولم يشارك في هذا الجهد.

 

Loading...

تابعنا عبر مواقع التواصل الإجتماعي

إشترك في النشرة الإخبارية ليصلك كل جديد

اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث