"المدن" تنشر مقتطفاً من رواية "غابة" لسمير يوسف

المدن - ثقافةالخميس 2025/08/21
كتاب
رواية تطرح، بمتعةٍ وسخرية، القضايا التي تؤرق عصرنا: الحداثة المتوحشة
حجم الخط
مشاركة عبر

تصدر قريباً عن دار نوفل / هاشيت أنطوان نوفيلا "غابة" للكاتب اللبناني سمير يوسف. هي رواية قصيرة تختصر ، بأسلوب ساخر وممتع، الصراع بين الفطرة والتطور. الطبيعة والتوحش المدني. الجمال والتسليع، لعلّها تكون رجع صدى لما نادى به المفكر البريطاني تيري إيغلتون ضد اقتصاد الإنتاج الغزير  الذي يعزز "الاغتراب، ويُفرِغ الحياة البشرية من معناها وقيمتها".

 

في مقدّمة الراوي قال سمير يوسف أنه كتب هذه الرواية (156 صفحة): "بلغةٍ هجينةٍ إلى حدٍّ ما، تمزج لغةَ المكان ولغتي الأمّ... أعتقد أنّي كنتُ مدفوعًا بالدرجة الأولى بتلك الرغبة في تدوين حدثٍ مختلفٍ جدًّا عمّا أراه في عملي الصحافي اليومي، بكتابة رواية أراد بعض شخصيّاتها قولَ شيءٍ يستحقّ الانتباه".

 

نبذة الناشر:

تدور القصّة في إحدى القرى الفرنسيّة الصغيرة، حيث يرفض رئيس بلديّتها مشروعًا لإنشاء بلدةٍ تكنولوجيّةٍ على غرار السيليكون فالي

يحاول توماس – بطل الرواية، المدفوع بحبّه للطبيعة وبحنينٍ قويٍّ إلى الماضي والجمال، القيام بكلّ شيءٍ لمنع المشروع. وقد خطّط جيدًا لما وصفه «يوم الحساب»: حضّر غالونات البنزين وحُزَم القشّ التي سيُشعل بها البيوت الخشبيّة والآليّات، موّه فَعلتَه بدقّة، وقاد سيّارته في الثلج لارتكاب حريقٍ ستستفيق القريةُ عليه، ليباشَر تحقيقٌ مع توماس...

رواية تطرح، بمتعةٍ وسخرية، القضايا التي تؤرّق عصرنا: الحداثة المتوحّشة التي تقضي على كلّ ما هو جميلٌ وبسيطٌ وأصيل، وتنتهك خصوصيّة الفرد، الوعي البيئيّ والحفاظ على الطبيعة، ومعالجة القضايا بين الحلّ السلميّ والعنفيّ...

 

عن الكاتب

سمير يوسف – كاتب وصحافي لبناني مواليد (عكار، 1985). يكتب باللغتين الفرنسيّة والعربيّة.

فازت روايته الأولى «حروق الثلج» (2016) بمنحة «آفاق» ضمن برنامج «آفاق لكتابة الرواية»، غابة هي روايته الثانية. حاز فيلمه القصير «بروكسل – بيروت»، الذي أخرجه بالشراكة مع تيبو وولفارت، جوائز عديدة في أوروبا، واختير ضمن أفضل أربعة أفلامٍ قصيرة في مهرجان Les Magritte du Cinéma ببلجيكا عام 2020.

 

 في ما يلي مقتطف حصري ينشره موقع "المدن" من نوفيلا "غابة" لسمير يوسف

 

يشعر توماس بالرقّة والعذوبة المضطربة عند آري، يشعر بأنّ زمان اللامبالاة الذي كان يُسيّج طفولتها انتهى، وأنّها بدأت زمانًا آخر بشيء من خيبة الأمل المرّة. يرقّ قلبه وينظر إليها مبتسمًا. وفيما هو يحضّر إجابتَه يشدّ انتباهه سربٌ من عشرة يعاسيب (Libellule)، لون أجنحتها التي خفقت بسرعة هائلة يتبدّل من الأزرق السماويّ الخفيف إلى الأخضر، يعاسيب أصغر من تلك التي تنتشر عادةً بجانب الجداول والأنهار. نشيطة جدًّا، تدخل فجأةً من النافذة وتقترب من زهرة الأوركيد الموضوعة على نضدٍ خشبيٍ صغير. يُتابع توماس التحديق في اليعاسيب مسحورًا بها، تدور حول الزهرة كما يدور قمر حول كوكبه، بطريقة هندسية، يبقى صامتًا كأنّه اكتشف شيئًا ما، ثمّ فجأةً، يرى يعسوبًا أسودَ حجمه أكبر يدهم السربَ ويفرّقه، فيخفق قلبه.

 

يقول عائدًا من رؤيته إنّ التاريخ البشري نهرٌ من الدماء، ولكنّه شهد إنجازاتٍ تنويريةً ساهمت في إحلال عدالة أكبر، عدالة بشرية ربّما، لكن أكبر، مثل فصل الدين عن الدولة. ويُضاف أنّه اليوم، في عمر الثالثة والأربعين، يتساءل أحيانًا ما إذا حان الوقت لفصل رأس المال، رأس مال الأغنياء والشركات العملاقة تحديدًا، عن الدولة.

 

يتابع قائلًا: «انظري إلى تلك التقارير التي بُثّت في التلفزيون عن المشروع، كلّها تُمجّده، وكلها تقول لسكان هذه البلاد إنّ خلاصَنا نحن، نحن أهل هذه الأرض، في هذا المشروع. أتعتقدين أنّي نمت جيّدًا بعد مشاهدتها؟ هل جاء أحد ليسألنا عن رأينا؟ قلّة من الناس ربّما، ولكنّ الأكثرية، بالأحرى أولئك الذين يُسيّرون الأكثرية، اتخذوا القرار نيابةً عنّا واختاروا الأصحّ لنا. هذا المثال الواضح على أنّ المال يُقرّر نيابةً عنّا. أما نحن، فلتعزية أنفسنا، نقول إنّنا لسنا وحيدين في هذه المعاناة. هناك مَن يريد أن نبلع السكّين، وهذا السكّين كما تعلمين حادٌّ من الجهتين، ولكنّنا لسنا وحيدين. انظري إلى البرلمانات والدوائر السياسية ودوائر القرار كيف تُواجه هجمات مجموعات الضغط، التي تعمل لصالح كبرى الشركات يوميًا. انظري كيف يُشارك صنّاع البلاستيك والبترول في سَنّ التشريعات الخضراء. أليس هذا سورياليًا؟ أليس هزليًا؟ انظري كيف يتحدّث الجلّادون عن الضحايا بإسهاب، انظري كيف تُقتل شعوب هنا وهناك ولا أحد يتحرّك حقًّا. أصبح الناس عاجزين عن تصديق أيّ شيء، وهذه ورطة، لعنة. ملعون المجتمع حيث يعتقد الجميع أنّ الجميع يكذب! أعتقد يا آري، وأقول أعتقد فقط، بأنّ هذا النموذج الذي نعيش فيه والذي يُسمّى الديموقراطية، هذا النظام الذي أسّسه أهلنا وأجدادنا بعد قرون من الظلم، قد يكون فسد بسبب جنون الاقتصاد». 

 

ثم يصحو توماس فجأةً ويفكّر في ثقل الكلام الذي يقوله لهذه الصبيّة التي جاءت بحثًا عن الطمأنينة، فيستدرك بسرعةٍ ويضيف: «الآن.. الآن.. أهمّ شيء أن ترتاحي.. هذا الأهمّ. ونحن سنهتمّ بالبقية كما يجب».

 

يُوصل آري إلى بيتها بسيّارته، فيرى عنصرين من الشرطة أمام البيت؛ تصل الحراسة متأخّرةً كالعادة. ثم يمرّ بماكس الذي يسكن في الجزء العلوي من القرية. من نافذة البيت وبالإشارة يسأله الأخير عن وجهته، فيُشير توماس إليه برأسه إلى الجبل. يعرف توماس أنّ أندري في بيته الجبلي، فالأخير لا يختفي إلّا عندما يكون هناك. يقود وبجانبه ماكس، ويفكر في أنّ أصحاب المشروع مستعدّون لارتكاب أعمال عنفيّة من أجل بلوغ هدفهم، ثم يتذكّر النقاش مع إيلينا حول تخريب الجسور، فيشعر بشيءٍ من الغضب منها لأنّها مسالمة جدًّا. بالنسبة لتوماس، ذبح الكلبة يأتي في سلسلة من الهجوم المستمرّ، الذي يتعرّض له معارضو المشروع، مع ذكر فارق واحد: هناك دم سال هذه المرّة، حتى ولو كان دم كلبة.

 

 

Loading...

تابعنا عبر مواقع التواصل الإجتماعي

إشترك في النشرة الإخبارية ليصلك كل جديد

اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث