صدر حديثاً عن الهيئة العربية للمسرح في الشارقة كتاب "قناديل مسرحية - مسرحيون حرَّكوا الضمير الاجتماعي العربي"2025، للناقد والباحث المسرحي السوري أنور محمد. استعرضَ فيه بالنقد والتحليل المسيرة الفكرية لأكثر من أربعين مسرحي عربي من لبنان والسودان ومصر والجزائر والبحرين وسوريا وفلسطين والكويت والمغرب والعراق وتونس. إذ يرى من خلال هؤلاء المسرحيين أنَّ المسرح العربي بدا فعلًا ديناميكيًا اجتماعيًا ثقافيًا حقيقيًا، فعلٌ من صراع محتدم بين الخير والشر، صراعٌ يُثمر أفكاراً إنسانية عقلانية بغاية الجمالية الفلسفية. و د.سلطان القاسمي الذي ينفق على المسرح العربي بسخاء لا محدود كما نلاحظ، لا وصايةَ له على المسرح، وهذه من مأثرة عقله الناقد، لأنَّه لا يُريد أن يصير المسرح مدجنةً ومحميةً. فالإنسان بحاجة إلى المسرح، إلى الثقافة لإشباع طاقاته العاطفية والروحية، والودِّ الاجتماعي الذي يفتقدهُ في علاقاته اليومية، حتى لا يبقى عُصابياً ومريضاً. لأنَّ الإنسان ليس سلعةً كما تتعاملُ معه علاقات اقتصاد السوق العولمي. وعلاقة الإنسان بالمسرح كما قدَّمتها "أثينا" وتراها "الشارقة" بعين د- سلطان القاسمي من خلال هذا الإنفاق، هي علاقة وديَّة وليست علاقة "نقدية" تنتهي بزوال أسبابها- إلاَّ إذا مارستها الطغمة السياسية والاقتصادية للسوق بالإكراه والعنف- وهذا لم تفعله أثينا، حتى لا تنفجرَ عواطفُ الناس وتذهب إلى الاقتتال والحروب كما كانت تفعل "روما" في حينها، ذلك حتى تبقى هذه العلاقة ثورية وخلاَّقة.
أَنْ تمتلكَ المسرح يعني أنَّك حسب أثينا تستردُّ مُلكيةً خاصةً بِكَ، وهي وُلِدَتْ يومَ وُلِدْتَ أنتْ، لأنَّها ذاتُ جذورٍ عميقةٍ في كيانكَ الإنساني، لأنَّها ممارسة لفعل (الود) وليس لفعل (النقد) المالي الذي يُجسِّد القهر الاقتصادي. فالمسرح وليس "السوق" هو ما يُوثِّق العلاقة الاجتماعية بين الناس، لأنَّها علاقة بين إنسان وإنسان، وليس علاقة بين مُستَغِلٍ ومُستَغَلْ؛ علاقة هيمنةٍ وإخضاع. المسرح كما الثقافة يٌشيعُ الحنان والود الاجتماعي وليس الوحشية والتوحش والاستغلال الفظ والقاسي للإنسان، وحتى نُدرك أنَّ أثينا في ثقافتها التي كانت تستند إلى ملكية العبيد كانت تُرفِههم، وخلقت ذاك الحب الأفلاطوني. لأنَّ أثينا كانت ترى وبشخص "بركليس" وفلاسفتها ومسرحييها أنَّ الفرد: مواطنًا، أجنبيًا، عبدًا- وهذا الأخير؛ ليسَ حَشَرَةً أو خلايا جسدية. بل هو كائنٌ إنساني يُعطي للحياة قوَّتها المُحرِّكة، فالموتُ الذي هو نفيٌ للحياة إنَّما هو الذي يولِّدُ الحياة
