newsأسرار المدن

"سودان يا غالي": ما بقى من ثورة

شادي لويسالسبت 2025/07/05
حجم الخط
مشاركة عبر

تقدم المخرجة والصحافية السابقة في "فرانس24"، هند المؤدب، في فيلمها الوثائقي "سودان يا غالي" (2024)، ما يشبه أغنية طويلة في الافتتان بالسودان وثورته. وفي الوقت ذاته، لا يمكن الفكاك من نغمة الرثاء التي تتخلله مشهداً بعد آخر، ونحن نعرف مآلات تلك الثورة. ولهذا لسبب تحديداً، يبدأ الفيلم من نهايته، حيث تندلع الحرب الأهلية في المشهد الأول، ومن ثم نرتد أربعة أعوام الوراء إلى احتجاجات ما بعد خلع البشير.


تصل المؤدب، فرنسية المولد وتونسية الأصل من جهه الأب والمغربية الجزائرية من جهه الأم، إلى الخرطوم، باحثة عن ثورتها الخاصة. في العاصمة السودانية، ترى تحقق نبؤة والدها، الكاتب التونسي الذي حلم بثورة نسوية تجتاح العالم العربي، وهناك أيضًا ترى "مستقبل بلدها". تصل المؤدب بلا فريق عمل وبكاميرا واحدة، لتعمل على فيلم تصفه لاحقًا بأنه عفوي، يتتبع عدداً من الشابات والشبان في فترة الاحتجاجات والعنف في الخرطوم بين العامين 2019 و2023. يسير الفيلم على الخط الزمني للأحداث، لكن باهتمام محدود بالخلفيات السياسية لها ولصنّاعها، وتبقى الأحداث مجرد نِقَاط إرشادية على الطريق.

 
الفيلم إجمالًا غير معنى بالزمن السياسي، بل بلحظات تفجر الأمل الكبير واليأس الكبير، تلك اللحظات النادرة والمحفوفة بالمخاطر التي تعيشها الحشود في الثورات وانعطافات التاريخ الكبرى.وبدلًاًمن اللهاث وراء الأحداث، يكتفي الفيلم بزمن شِعري، الشِّعر بمعناه المباشر، حيث نرى المحتجين في الميادين والشوارع وهم يلقونه فرادى وجماعات، يتلون قصائد شعراء السودان الكبار مثل محمد الفيتوري وغيره من شعراء ما بعد الاستقلال، أو يلقون شعرهم هم، الفصيح أو العامي المنغم على طريقه "الهيب هوب". وهناك شعرية تتخلل الصورة، والكاميرا تتنقل بين أحياء الخرطوم ونيلها وشوارعها، وبالأخص في الليل، لتسجل لنا حلقات الغناء الحماسية حينًا والشجية أحياناً أخرى، وتؤطر الحوائط المغطاة بالشعارات وبغرافيتي صور الشهداء، كوثائق، لا تعني بأرشفة التاريخ بل باستعادة فورات النشوة الثورية وأحزانها.

 


تلك الشعرية لا تمنع المؤدب من عرض مشاهد العنف المفرط في مذبحة القيادة العامة، ولا من نقل الشعور بالخوف الذي يتمكن من أبطالها ومنها هي أيضاً.وفي سبيل ذلك تدمج المشاهد بين المقاطع التي صورتها المخرجة، والمشاهد التي سجلها أبطال الفيلم بهواتفهم المحمولة، ومشاهد أخرى قام أفراد القوات العسكرية بتصويرها بأنفسهم. تفصل بين مشاهد الاحتجاجات، لقاءات مع أبطال الفيلم يتحدثون فيها عن آمالهم بخصوص السودان الجديد ومخاوفهم بشأنه، وفي واحد من منها يسرد المتحدث ثروات السودان ويقول إن كل ما يحتاجه البلد هو أن تكف الدول الأخرى عن التدخل في شؤونه، ويسمي تحديدًا مصر والسعودية والإمارات. وبين تلك اللقاءات نستمع إلى رسائل صوتية مسجلة من أبطال الفيلم إلى المخرجة، وتعليقات بصوتها هي على الأحداث بدت في بعض الأحيان مفعمة برومانسية تفتقد إلى العمق. 


لا يعالج الفيلم أبطاله بوصفهم أفرادًا بل بشكل جماعي، ولذا لا نعرف الكثير عن خلفياتهم ولا ظروفهم الحياتية، وإن كنا يخبرنا ببعض مصائرهم. فالكثير منهم أرغم على الفرار من السودان بعد أندلاع الحرب، وانتهى بعضهم في مصر والإمارات، أي الدول نفسها التي تمنوا أن تتخلص السودان من تدخلاتها.

 
في جانب منه، تتخلل "سودان يا غالي" شوائب السياحة الثورية، وهي تظل سياحة من نوع بطولي لكنها تتجول بحثاً عن الجمالي، عن الشعر والغناء والغرافيتي، وتسعي لتجميده في لحظة انقضت بالفعل، وما تبقى منها ضاع تحت ثقل مأساة الحرب. هناك وعد يتكرر بشكل ضمني بأن الفن لا يمكن هزيمته وأن الفكرة لا تموت، لكن ما الذي يعنيه هذا لسودان اليوم النازف والممزق؟

 
وتختتم المؤدب فيلمها الذي يحتفي بالموسيقى السودانية وتراثها، بأغنية فرنسية بدت مقحمة وغريبة تمامًا.

 

(*) يعرض الفيلم حالياً في الصالات البريطانية.

 

تابعنا عبر مواقع التواصل الإجتماعي

  • image
  • image
  • image
  • image
  • image
subscribe

إشترك في النشرة الإخبارية ليصلك كل جديد

اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث