زلّة جرّافة أو "فزعة" دينية...تحطيم تمثال الشهداء في حلب جريمة!

المدن - ثقافةالخميس 2025/07/03
حجم الخط
مشاركة عبر

انتشر اليوم فيديو في وسائل التواصل الاجتماعي، يظهر تكسير تمثال الشهداء في ساحة سعد الله الجابري، وهو أحد المعالم السياحية والثقافية الشهيرة في مدينة حلب. وبحسب الأخبار المتبادلة، قيل إن مستثمراً يرغب بإزالة التمثال الموجود منذ العام 1984 كي لا يحجب الرؤية عن استثماره، ما أدى الى تكسير التمثال أثناء محاولة إزالته. لكن في فيديو آخر، ظهر متحدث يبدو متشدداً، يقول إنه لا بد من إزالة التمثال لأنه "صنم" ويجب ألا يبقى (على اعتبار أن الدين الإسلامي يحرّم التماثيل).

 

وراجت عبارة في فايسبوك تقول: "تحطم تمثال الشهداء في ساحة سعد الله الجابري في حلب، خطأ فني أم فعل مقصود؟". وذكَرت تعليقات مواقف أصوليين من التمثال، تدعو إلى تحطيمه باعتبار انه من الأصنام.

 

وقال الكاتب مروان دراج: 

"بالأمس، قاموا بتجريد تمثال صلاح الدين الأيوبي من الرمح والسيف، ربما تمهيداً لإزالته كلياً من جانب قلعة دمشق، اليوم يحطمون صرح الشهداء في حلب. وزارة الثقافة تغض البصر عن هذه الجرائم. ما يجري تحطيمه لا علاقة له بعبادة الأصنام كما يحلو للشيوخ وصف الأمر، هذه اسمها تماثيل مرتبطة بجوهر الفنون والابداع، وهي تزيّن المدن والساحات العامة، وتتباهى بها البلدان المتحضرة في قارات الكون كله. على سبيل المثال، مَن قام بنحت تحفة صلاح الدين، هو المبدع النحات المرحوم عبدالله السيد، أحد أيقونات الفن في سوريا، والمعروف بفكره التنويري وانحيازه للشعب والفقراء، وكان أستاذا للفن لعقود، ومَن كان مقرباً منه يعلم أنه كان وخلال مسيرته محرضاً على نظام الأب والابن قبل أن تشتعل الثورة بعقود.
كائناً مَن كان مِن مؤيدي السلطة الجديدة، لا يجوز التطبيل لها في كل خطواتها، من واجب المثقفين والفنانين السوريين أينما وجدوا، العمل لتنظيم وقفات احتجاجية في كل المدن. ففي المتحف الوطني في دمشق، والكثير من المتاحف، هناك مجموعات من التحف الفنية التي قد تهدم في أي لحظة، وهناك تماثيل يوسف العظمة والقوتلي والأرسوزي وسواها من التحف الفنية التي تمثل جزءاً أساسياً من تراث سوريا الفني وهي لا تقدر بثمن... مَن يصمت على هذه الجرائم، يسهم في صناعتها والتشجيع على هدم الدولة بدلاً من البناء، لا بد من إنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان".

 

وكتب الشاعر منذر مصري: 

"أما بشان تمثال الشهداء للراحل عبد الرحمن مؤقت! الذي غدا قضية اخرى من القضايا التي للأسف لا تنضب، تغذي شهوتنا على تراشق الإساءات. ورغم اني لست معجباً بالتمثال على الإطلاق، هذا لا شان له بأني 100% ضد عملية تحطيمه او حتى خدشه، بقصد كان أم بسبب الرعونة وعدم الاهتمام، وأيضاً ضد الإساءة لذكرى صاحبه. هذا لمن ينتظر رأيي في هذا الموضوع. وقد ذكّرتني ذلك بقصة اتهام غوستاف كوربيه العظيم، عضو كومونة باريس 1871، بتدمير تمثال Vendôme، باعتباره رمزًا للاستبداد الإمبراطوري. فكوربيه كان رئيسًا للجنة الفنون في الكومونة ووقع على أمر إزالة العمود. وبعد سقوط الكومونة، اتهمته الحكومة الفرنسية الجديدة بـالتورط في تدمير ملكية عامة. وفي 1873، حُكم على كوربيه بغرامة مالية كبيرة (323 ألف فرنك) والسجن لمدة 6 أشهر (قضى بالفعل جزءًا منها). ثم هرب إلى سويسرا وتوفي هناك في 1877.
يعد الكثيرون اتهام كوربيه، انتقامًا سياسيًا بسبب مواقفه الراديكالية ودوره في الكومونة، ويوجد لليوم من يرى أن التمثال كان بالفعل رمزًا للطغيان. ثم أعيد بناء العمود (1874) بنسخة مطابقة للتمثال الأصلي. وصارت الحادثة جزءًا من أسطورة كوربيه كفنان "ثوري" ضد السلطة".

وقال الكاتب سلام الكواكبي: 

"وأخيراً... انتصر الإيمان! تمثال في ساحة سعد الله الجابري أُزيل لأنه "لا يراعي الحساسيات الدينية"... يا له من إنجاز تاريخي! الحمد لله، انتهت مشاكل الكهرباء، والغلاء، والبطالة، والدمار، وما تبقى إلا هذا التمثال الكافر ليُهدَم ونرتاح. صراحة، كنتُ أخشى أن يستيقظ الحجر يومًا ويهدّد القيم والأخلاق العامة! لكن شكراً للسلطات الساهرة، التي لا تنام إلا على صوت تكسير الجمال، وشكراً للدين المستَخدَم كذريعة، كلما ضاق الخناق على العقل.
تمثال في ساحة لا يهزّ عقيدة، لكن إزالة التمثال تهزّ ما تبقّى من عقل".

 

وكتب د.فواز جرجس: 

"ماذا يعني تدمير تمثال زهير بن أبي سلمى في مبنى كلية الآداب بحلب، وكسر رأس أبي فراس الحمداني وتدمير تمثال الشهداء في ساحة سعد الله الجابري؟ هذه الأعمال تمثل وجدان السوريين وهي تاريخ حضاري عريق، ومهما تغيرت الأنظمة السياسية، فالتاريخ والحضارة باقيان. لكن لماذا هذا الكم من الحقد الداخلي على الإرث الحضاري العريق لبلد مثل سوريا؟ ما أشبه ما حصل، بحالة العراق بعد الاحتلال، من تدمير لذاكرة ووجدان الإنسان العراقي وتراثه وإزالة أعمال فنية لا تقدر بثمن، وهذا الفعل يتكرر في سوريا، وكأن قدر الحضارة في هذه المنطقة أن تُطمس وتُمحى. 
حتى وإن كانت هناك ضرورات لإزالة تلك الأعمال، يجب إزالتها بطريقة حضارية، وليس بطريقة تعبّر عن همجية الفعل. فهل من مبرر لذلك يا معالي وزير الثقافة والسياحة ومحافظ حلب؟ ألهذه المرحلة بلغ الخوف والهواجس من مجرد حجارة صامتة؟ هل هذه الصورة التي نريد نقلها للمجتمعات المتحضرة. هذا رأيي الخاص بي وغير ملزم لأحد".

وكتب أحمد همامي

"اللي صار بساحة سعد الله الجابري مو بس كسر تمثال. هو كأنك شلت شي من روح حلب، من ذاكرتها، من عيون ناسها. يمكن التمثال ما كان لحدا معروف، ويمكن كتير ناس ما بيعرفوا ليش انحط، بس كل واحد من أهل حلب مر من عنده، شافه، تعلّق فيه بدون ما يحس. صار جزء من المشهد اليومي، من صورة المدينة اللي تعوّدنا عليها.
في ناس أخدت صور عنده، في ناس مرّوا من جنبه كل يوم بطريقهم عالشغل أو الجامعة، في ولاد لعبوا حواليه، وفي ناس ربطوا وجوده بذكريات كتير شخصية.
اليوم، لما انكسر، مو بس اختفى حجر… اختفى معاه شي من الثبات، من الألفة، من حلب اللي منعرفها. الوجع مو على تمثال بس، الوجع على التغيير اللي عم يصير بدون ما حدا يسأل، وعلى الأشياء اللي عم تروح واحدة ورا التانية… وكأنو في محاولة تمسح كل شي من الذاكرة.
تحطيم التمثال اليوم ليس فقط تدميرًا لحجر، بل طعنة في وجدان المدينة. كأنك تمحو جزءًا من ذاكرتنا الجماعية، من صورة مدينتنا التي نحملها في قلوبنا مهما ابتعدنا".

 

 

وتمثال الشهداء صمّمه ونفذه النحات الحلبي عبد الرحمن مؤقت، منتصف الثمانينات، وهو مصنوع من الحجر الحلبي الأصفر، ويخلّد ذكرى شهداء سوريا. استُخدم سابقًا في الفعاليات الرسمية والوطنية، ومنها احتفالات الجلاء. تعرّض لأضرار جزئية نتيجة تفجيرات في 3 تشرين الأول 2012، وأُدرج ضمن مشروع تطوير وتجميل الساحة الذي طُرح العام 2025 بإشراف شركة STH .

 

وسبق أن حُطم تمثال أبي العلاء المعري في معرة النعمان، وحطم أحدهم تمثال ابراهيم هنانو في إدلب، وبُرّرت فعلته بأن الشباب المجاهد ظنّه تمثالاً للطاغية! كما تعرض تمثال عدنان المالكي لإطلاق نار، وحُطّم رأس تمثال أبي فراس الحمداني، وهلم جراً...
 

Loading...

تابعنا عبر مواقع التواصل الإجتماعي

إشترك في النشرة الإخبارية ليصلك كل جديد

اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث