newsأسرار المدن

"أولمبياد غزة 48": الضحك والإبادة

شادي لويسالسبت 2025/06/07
6480.jpg
بشكل مفاجئ تنقلب الديستوبيا الإبادية إلى يوتوبيا
حجم الخط
مشاركة عبر
"في العام 2040، قبلت مدينة غزة تحدي تنظيم الألعاب الأولمبية وبدأت بحفر المزيد من الأنفاق من أجل استضافة مختلف الأنشطة الرياضية. أثار هذا استياء جيرانها (بما في ذلك الدول الفلسطينية الأخرى)". 

"الملف 39، مسرحية كوميدية سوداء تتخيل تنظيم غزة لدورة الألعاب الأولمبية الصيفية 2048 (أي بعد مئة عام على نكبة فلسطين وإنشاء لكيان الإسرائيلي). في العام 2040، تُقسّم غزة إلى دويلات صغيرة، تديرها روبوتات طائرة ناطقة. الأنفاق هي الطريقة الوحيدة للتنقل عبر المصاعد فائقة السرعة".

النص التعريفي لمسرحية "الملف 39" المعروضة في لندن ضمن فعاليات مهرجان "شباك" للثقافة العربية، يصنف العرض في خانة "الكوميديا"، مضيفاً صفة السوداء حتى يلفت الانتباه إلى مضمونه المأسوي. وفي مقطع لاحق من النص نفسه، يشار إلى انعطاف مفاجئ في الأحداث يقود الحبكة، بأنه "هزلي". تلك المعالجة التي تضع الضحك وغزة جنباً إلى جنب، بينما الإبادة تجري على الهواء مباشرة مذ أكثر من ستمئة يوم، تثير قدراً غير هيّن من عدم الارتياح. فإن كانت المقولة الشهيرة لثيودور أدورنو تذهب إلى أن" كتابة الشعر بعد أوشفيتز تعدّ عملاً بربرياً"، فماذا عن الضحك، وبالأخص والمحرقة في غزة لم تنتهِ بعد؟

لأسباب مفهومة، خصص منظمو مهرجان "شباك" مساحة وافرة من برنامجه هذه العام لفعاليات فلسطينية، ومن بينها معارض فنية وعرض لرقص الدبكة وستاند آب كوميدي ومسرحيتان وعرض يجمع موسيقى "هيب هوب" و"فيوجن" من فلسطين. المفارقة أن التيمة الفلسطينية البارزة في برنامج المهرجان، بقدر ما تظهر كفعل تضامني، فهي تدلّ عن غير قصد لكن بوضوح، على محدودية الثقافة وعجزها، بل وربما ابتذالها. هناك أسئلة حول الجدوى وأيضاً حول اللياقة. 


مؤلف "الملف 39"، الكاتب الفلسطيني أحمد مسعود، يقتبس قصة كتبها في العام 2018، ليتصور غزة في العام 2040 أو "بعد 14 عاماً من الجينوسايد" كما يكرر الممثلون مراراً أثناء العرض. موظفان من قسم تكنولوجيا المعلومات في بلدية غزة يقدمان طلباً لاستضافة الألعاب الأولمبية الصيفية على سبيل المزاح، إذ يخترقان الموقع الالكتروني للجنة الأولمبية الدولية، وينسخان الطلب الفرنسي. وتنطلق الكوميديا بعد أن تقرر اللجنة منح غزة حق الاستضافة لإحلال السلام في المنطقة. المسرحية مستقبلية بلا شك، كما أنها عن الحاضر. غزة ما زالت في المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار، إسرائيل تسيطر على الأرض بشكل كامل والمسيرات الروبوتية تحوم في السماء طوال الوقت، وبين حين وآخر تسأل شخوص المسرحية بصوت له رنين معدني وبلكنة عبرية عن أرقام هوياتهم قبل أن تسمح لهم بالحركة. ما زال الفلسطينيون منقسمين، بل وقطاع غزة مقسّم إلى جمهوريات صغيرة، جمهورية جباليا وجمهورية بيت لاهيا وهكذا.

يسرد الموظفان ذكرياتهما عن العام 2025، ثمة مستشفيات مدمرة وأطفال تائهون وجوعى، وأمهات مذعورات بين الخرائب ومناطق سكنية سوّيت بالأرض. المَشاهد التراجيدية شديدة الثقل، ليس بسبب فداحتها فحسب، بل لأننا نعرف أن تلك الأهوال تحدث بالفعل، في الوقت نفسه وكأنها نقل حيّ. وعلى تلك الخلفية، بدت مشاهد الكوميديا القصيرة وكأنها فواصل تسمح للجمهور بالتقاط أنفاسه حتى يستطيع تحمل المزيد من الكآبة.

هذا المزج بين الصنفين الدراميين المتباعدين، التراجيديا والدراما، يتضمن تعدّياً مزدوجاً. فنياً، هو خرق أصبح معتاداً لحدود الصنوف الدرامية بمعناها الكلاسيكي. وعلى مستوى اجتماعي يتضمن تعدياً لأعراف السلوك، أي كيف يمكن أن يكون رد فعل المرء على المأساة هو الضحك أو أن يتجاوب مع الكوميديا بالبكاء!

بشكل مفاجئ تنقلب الديستوبيا الإبادية إلى يوتوبيا، ينطلق الإسرائيليون والفلسطينيون معاً في مسيرات نحو جمهورية غزة حتى يُسمح لها باستضافة الألعاب الأولمبية. الحل الركيك لعقدة الدراما والواقع، يخلّف في نهاية العرض شعوراً مقبضاً يصعب وصفه.


التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

تابعنا عبر مواقع التواصل الإجتماعي

  • image
  • image
  • image
  • image
  • image
subscribe

إشترك في النشرة الإخبارية ليصلك كل جديد

اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث