الاحتلال الطائفي الإيراني في سوريا

بشير البكر الاثنين 2025/06/02
GettyImages-2133947077.jpg
دمشق كانت المخبر الرئيس للتشيع
حجم الخط
مشاركة عبر
راجت معلومات غير رسمية عن قرار السلطة الحالية في دمشق، إلغاء الجنسية السورية لما يقارب 700 ألف شخص من المواطنين في العراق وإيران ولبنان وأفغانستان وباكستان، الذين حصلوا عليها خلال الثورة السورية. وذكرت أوساط إعلامية أن هؤلاء الأشخاص حصلوا على الجنسية، عبر إجراءات استثنائية، في المدّة التي أعقبت بداية الحراك الشعبي، ضد نظام بشار الأسد، مؤكدة أن هذا القرار سيصبح نافذًا خلال وقت قريب، حيث سيتم اعتبار هذه الجنسيات لاغية حُكمًا.

أثارت أوساط سورية معارضة، دينية وسياسية، موضوع التجنيس الطائفي في مرحلة قبل سقوط النظام، وهناك من تحدث عن آلاف المقاتلين من عناصر المليشيات، التي قاتلت إلى جانب النظام، وعلى رأسهم الإيرانيون. وأشارت تقارير إعلامية ومصادر غير رسمية إلى أن النظام منح الجنسية كجزء من سياسات تهدف إلى تغيير التركيبة الديموغرافية في بعض المناطق الاستراتيجية، خصوصًا تلك القريبة من دمشق أو على طول ممرات النفوذ الإيراني، غالبًا مناطق قرب المراقد الشيعية مثل السيدة زينب، ومناطق أخرى تُعدّ مهمة ضمن الخطط الإيرانية.

من الواضح أن ملف التخريب الإيراني في سوريا لم يتم فتحه بعد. وهو على العموم ثقيل وحافل، ويمكن كتابة مئات الكتب عن العمليات التي قامت بها أطراف رسمية ودينية إيرانية من أجل تغيير تركيبة المجتمع السوري، وكان الهدف منها هو التحكم والسيطرة على سوريا سياسياً من خلال قنوات طائفية، أنفقت المليارات من أجل إنشائها ونشرها في الحواضر والأرياف السنية، وقد استغلت في الأعوام الأخيرة الوضع الاقتصادي السيئ من أجل شراء الولاءات ونشر الدعوات الطائفية، وعدم تدخل السلطات الرسمية من أجل حماية المجتمع السوري من تدخلات إيران.

أبرز العمليات التخريبية التي لا تقل خطورة عن التجنيس هي عملية نشر التشيّع، التي قامت بها إيران على نحو منهجي مدروس لبناء هوية طائفية في سوريا تناسب مصالحها. واستهدفت بذلك الوسط السني، بوصفه بيئة ملائمة ومثالية عددياً، وأكثر قابلية لتقبل البروباغندا الإيرانية، التي قامت على بدعة أن السوريين كانوا يتبعون التشيع قبل الدولة العثمانية، وأقنعت عدداً من القبائل أن أصولها تعود إلى آل البيت، وبنت لذلك مراكز ثقافية وحسينيات تقوم بنشر التشيّع، وأخذت تستقطب العديد من الرموز المؤثرين، وتغريهم برحلات إلى إيران، وتزويدهم بإمكانات مالية ضخمة. ومن هؤلاء شخصيات تحتل مراكز متقدمة في الترتيب الديني الرسمي، مثل مفتي الجمهورية السابق الشيخ أحمد حسون، الذي كان أحد الأذرع الضاربة للنظام ضد الثورة، وله تصريحات يؤيد فيها استعمال النظام للعنف ضد السوريين، الذين ثاروا على سوء الأوضاع، فاعتبر مباشرةً الحراك الشعبي "مؤامرة تستهدف أمن سوريا تقف وراءها جماعات إرهابية"، مشددًا على أن "الإيراني والروسي لم يأتيا مستعمريْنِ، بل مساعديْن معاونيْن".

وحاول حسون إيجاد تخريجة للمسألة من خلال تقديم نفسه على أنه قادر على جمع المذاهب، ورفض فكرة الصراع السني الشيعي، معتبرًا إياه صراعاً سياسياً، وعلى هذا تم اتهامه بالتغاضي عن نشر التشيّع في البلاد، وتأمين التغطية الدينية له. ومن اللافت أن هذه التُّهمة لاحقته منذ العام 2006 حين نشر العديد من المواقع أخباراً عن تسهيله لنشر التشيع في البلاد.

وتفيد دراسات أن التشيع شهد انفجاراً كبيراً في عهد بشار، ولا يمكن مقارنته بما كان عليه الأمر خلال حكم والده، الذي تعامل مع المسألة بحذر كبير. وفي العام 2001، استؤنف بناء الحوزات بوتيرة غير مسبوقة، ومن دون موافقة إدارية من وزارة الأوقاف، أو التعليم العالي، أو حتى أمنية من أحد أجهزة المخابرات الكثيرة، ليتجاوز عددها 12 حوزة في السيدة زينب وحدها، إلى جانب ثلاث كليات للتعليم الشيعي، كما يوثقها الباحث والكاتب عبد الرحمن الحاج في كتابه "البعث الشيعي" بالأسماء.

دمشق كانت المختبر الرئيس للتشيع، وتحول بعض أحيائها القديمة، قبل سقوط النظام، إلى فضاءات خالصة للشيعة اللبنانيين والعراقيين وحتى الباكستانيين والأفغان، بعشرات الآلاف، يتجولون في شوارعها تحت بند الحج إلى المقامات الشيعية والسياحة الدينية. وانتشرت الطقوس الشيعية في هذه المناطق، ومنها اللطميات ومواكب العزاء ورمي قبر الخليفة معاوية بن أبي سفيان بالأحذية والقاذورات. وترافق ذلك مع حركة شراء للمنازل والعقارات في دمشق القديمة، وهناك أحياء شيعية خالصة كما كان عليه الأمر في السيدة زينب التي باتت توصف بالمستوطنة الإيرانية، كونها تحتضن عدداً من هيئات نشر التشيع مثل "علي الأصغر لشباب كربلاء" و"هيئة المختار الثقفي" و"هيئة شباب البتول الطاهرة" و"هيئة شباب جعفر الطيار" و"هيئة خيام الإمام الحسين" و"هيئة شباب أهل البيت".

(*) دعا الكاتب بشير البكر لحضور حفلة توقيع كتابه "بلاد لا تشبه الأحلام" في دمشق التي تشبه المعجزات. وذلك في "مقهى الروضة"، الإثنين الثاني من حزيران بين السادسة والثامنة مساء. والحفلة تنظمه "دار نينوى" السورية ومديرها أيمن الغزالي، بالتعاون مع "دار نوفل" اللبنانية التي أصدرت الكتاب. 

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

Loading...

تابعنا عبر مواقع التواصل الإجتماعي

إشترك في النشرة الإخبارية ليصلك كل جديد

اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث