"أنا إليسار أبحث عن أبي الياس خوري"

محمد حجيريالاثنين 2025/06/02
GettyImages-1491806546.jpg
انفصام
حجم الخط
مشاركة عبر
كان الوقت مساءً، أصوات الموسيقى الصاخبة تأتي من السيارة العابرة قرب البيت. أجلس على كنبة في لحظات تكاسل، أمرر إصبعي على شاشة التلفون، أشاهد فيديوهات "الشاحنة المجنونة" واستعراضاتها في الملاعب الأميركية. فجأة يضيء مسنجر فايسبوك بمحادثة جديدة، فتاة في العقد الثالث من العمر، تعرّف عن نفسها أنها من بيروت وتعيش في مارسيليا فرنسا. ومن دون مقدمات أو مراحب أو سلامات، قالت "أنا اليسار أبحث عن أبي الياس خوري من لبنان، أنا اليسار خوري من فرنسا".

- "هناك الآلاف ممن يحملون اسم إلياس خوري"، قلت لها، وذهب تفكيري إلى أطفال الحرب في لبنان والذين كان يُباعون إلى عائلات أوروبية، وسرعان ما عاد كثر منهم للبحث عن ذويهم وأصولهم الضائعة. لكن الفتاة الثلاثينية بدت باحثة عن شخص بذاته.
قالت: "أقصد الكاتب اللبناني إلياس خوري. لا أعرف أمي، أنا أعرف أبي فقط".
- الكاتب اللبناني مات قبل أشهر، أصبح في دنيا الحق. 
* أبي الياس خوري مات، سبحان الله، وأين زوجته...
- في بيتها، هل تعرفين اسمها.
* لا. ما اسمها أمي؟... هل لديها فايسبوك؟
- لا أعرف.

لوهلة ظننت أنّ الفتاة تكتب رواية، أو أنّ جملتها "أبحث عن أبي الياس خوري"، هي الجملة الأولى من رواية تشبه متاهة ساعة الرمل، لكن الفتاة سرعان ما هشمت السيناريو أو الحبكة، وأظهرت خطل كلامها، أو هكذا بدا لي، ربما لأني أعرف إلياس خوري من قرب.

قالت: "الفنانة إليسا ابنة عمي". قلت لها: "لكن إليسا من منطقة وإلياس خوري من منطقة أخرى". بغض النظر عن كل كلامها، فكرت لبرهة في بعض الأدباء الذين لديهم حكايات حول أبناء قُتلوا في الحرب أو معوقين كابن الروائي الياباني كنزابورو أوي، أو "مالفا" الطفلة المشوهة ابنة الشاعر بابلو نيرودا المنسيّة. وصرت كأني أنا مَن يريد كتابة قصة، ومشيت في لعبة الحكاية والبحث عن عوالمها. لكن السرد خذلني سريعاً، سألتها:
- متى خُطفت؟
* 1990.
- "لا أعتقد أن شخصاً متل الياس خوري يترك ابنة منسية، بل كان حولها قضيّة عالمية على الأقل، وهو المعروف بتبني القضايا والالتزام بها".
* أنا مخطوفة منذ الولادة، خطفني رجل جزائري. 
- من أين خطفك؟
* لا أدرى.
- لا تعرفين أي أثر عن والدك؟
*لا.
- إسألي الجزائري من أين خطفك؟
* الرجل مهبول، قال لي إن أبي إلياس خوري ظنَّني ميتة، بعدما خطفني من باريس.
- لماذا، كيف حصل هذا الشيء؟
* لا أدري.
- من أين خطفك من أي مكان، من البيت أو المستشفى أو الحديقة؟
* لا أدري. أظن البيت أو المستشفى لأن الرجل الذي خطفني كان ممرضاً.
- الياس خوري في هذه المرحلة كان في بيروت وليس في باريس.
* لا أدرى.
- هل لديك ملف عن قضيتك عند الشرطة الفرنسية؟
* لا.
- ماذا تشتغلين حالياً؟
* أدرس صيدلة.
- كم عمرك الآن؟
* 34.
- لماذا تبحثين عن والدك؟
* ما كنت أعرف من قبل أن الجزائري الذي أعيش معه ليس والدي.
- كيف عشت عنده؟
* متل بناته، لكنه كان يضربني كثيراً.
- متى عرفتِ أن الجزائري ليس والدك؟
* العام 2024.
- العام الذي مات فيه الياس خوري.
* لا أعلم.
- الجزائري قال لك إن والدك الياس خوري؟
* نعم.
- تعرفين نجل الياس خوري؟
* لا. أعطيه واتسآب كي يكلمني.
- الجزائري ماذا يفعل؟
* هو كبر في السن، كلب، غار من أبي الياس خوري، لهذا خطفني.
- كي تعرفي والدك يلزمك فحص DNA
* أنا أعرف أنّ أبي كاتب الياس خوري، متأكدة.
- لماذا متاكدة؟ ماذا لو كان هناك الياس خوري آخر؟
* لا.
- لماذا قال لك الجزائري إنك لست ابنته، هل بسبب الميراث والأملاك؟
* لا.
- وهل زوجة الجزائري كانت تتصرف كأمّ لك؟
* ليست أمي، قلت لك عائلة مهبولة.
- كيف كانت تتصرف معك؟
* بالضرب المبرح. 
- لماذا ظنّك الياس خوري ميتة؟
* لأنه بحث عني كثيراً ولم يجدني، لم يراوده أني مخطوفه.
- أنت قصة عجيبة يبدو.
* جدًا، ومستحيلة.
- كبرت في فرنسا؟
* نعم.
- ما اسمك قبل أن تعلمي أن إلياس خوري والدك؟
* حنان سكران.
- وإلياس خوري هو من أطلق عليك اسم اليسار؟
* نعم.
- هل قرأت رواياته.
* لا، ابداً.
- كيف علاقتك بالكتب الفرنسية؟
* علاقة وطيدة جدًا
- أي نوع من الكتب.
* الغرامية، القصص، والروايات.
- هل أنت متزوجة؟
* لا، مطلّقة، وأعيش في مدينة مرسيليا جنوبي فرنسا.
- كيف كانت علاقتك بزوجك؟
* صعبة كثيراً، كان يضربني ليل نهار.
- هل لديك أولاد؟
* نعم، ولدان.
- هل عشت الحب؟
* لا، أبداً
- كيف تزوجتِ؟
* زوجي هو صاحب أخوها لأمي المفترضة، أو خالي.
- كان زواجاً تقليدياً؟
* نعم.
- متى أدركتِ أن الذي عشت معه ليس والدك؟
* كنت أشعر أنه ليس أبي من سلوكه، وهذا ما قاله لي الطبيب.
- لم يكن يعطف عليك؟
* لا، أبداً، هو مريض نفسي، وأنا مرضت كثيراً
- هل تأخذين دواءً؟
* نعم، أنا مرضت جداً، كنتُ في المصح.
- ما تشخيص مرضك في المصح؟
* انفصام شخصية.


التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

Loading...

تابعنا عبر مواقع التواصل الإجتماعي

إشترك في النشرة الإخبارية ليصلك كل جديد

اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث